تعا تفرج

قلة وجدان وقلة ناموس

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

نستخدم كلمة “وجدان”، في القاموس الشعبي، بمعنى الإنصاف، فنقول عن الشخص المُبطل، الذي يلوك أعراض الناس، ويبخسهم حقوقهم: قليل وجدان، ونستخدم كلمة “ناموس” بالمعنى نفسه تقريبًا، مع إضافة معنى النخوة، فنقول: فلان قليل ناموس، أي لا يهتم بمصائب الآخرين، بل إنه يطرب لمصائبهم، والأتراك أخذوها من عندنا، كما أعتقد، فإذا أرادوا شتم رجل يقولون: “ناموس سيز”.

ونحن نمارس قلة الوجدان، وقلة الناموس، كثيرًا، دون أن نعي ذلك، وإلا ما معنى أن نحارب الطفل الوليد الذي ألقاه والداه عند باب الجامع لمداراة الفضيحة، وننعته بأسوأ الألفاظ، ونطلق عليه اسم لقيط، وبندوق، وابن حرام، وابن زنا، ونظل نناصبه العداء، والاحتقار، طوال بقائه على قيد الحياة؟ إذا أردنا أن نحكّم وجداننا، وننصفه، نقول إنه، في لحظة إلقائه عند باب الجامع، أنظف مني، شخصيًا، ومن الذين ينتقدونه، ومن كل البشر، لأنه لم يرتكب أي فعل سيئ أو مخجل بعد.

ومن الظواهر العنيفة، التي تدل على قلة الوجدان عند بعض الناس المؤثرين بالوجدان الجمعي، أنهم يعادون كل صاحب فكر مجدد، كما لو أن الفكر الجديد ضوء مبهر يفاجئ إنسانًا يعيش في عتمة أزلية، ولأن أسلحتهم الفكرية قديمة، وصدئة، تراهم يتجنبون مناقشة ما قاله ذلك المجدد، ويباشرون السباب عليه، ونعته بأشد الصفات قبحًا، فعندما أصدر الشيخ علي عبد الرازق كتابه “الإسلام وأصول الحكم”، سنة 1925، وأثبت فيه، بالأدلة الواضحة، أن الإسلام لم يترك لنا نظامَ حكم، ولم يحدد شكل الدولة الإسلامية، وأن نظام الخلافة الذي عرفناه عبر العصور لم يكن مأخوذًا من تعاليم الإسلام، لم يبقَ نوع من أنواع الطعن بشخصه إلا واستخدمها الكتّاب الذين يدافعون عن فكرة الخلافة الإسلامية، ولعله من الطريف أن نشير إلى ما نقله المفكر نصر حامد أبو زيد، عن الدكتور محمد عمارة، قوله إن الشيطان قد تدخل في تأليف كتاب “الإسلام وأصول الحكم”، ولم يكن هذا الشيطان، برأيه، سوى الدكتور طه حسين، الذي يمكن اعتباره المؤلف الحقيقي للكتاب!

المعضلة الأساسية في الثقافة العربية عمومًا، تتجلى في ربط المادة المكتوبة بكاتبها، يعني، لو فرضنا جدلًا أن طه حسين، أو محمد حمدو طه، مثلًا، هو الإنسان، أو الشيطان الذي ألف ذلك الكتاب، ما المشكلة؟ هل تتغير أفكاره؟ هل يرجع التاريخ إلى الوراء ويوجد الإسلامُ نظامًا للحكم يضعه الصحابة أمامهم ويشتغلون بموجبه، بدلًا من أن يجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ويصل الخلاف بينهم إلى السماء، بينما جثمان النبي مسجى ينتظر من يدفنه؟

ويقولون، كذلك، عن صاحب الفكر الجديد، إنه نصراني، أو متنصّر، شيعي، أو متشيّع، يضمر الإلحاد، ماسوني، لا يرفع يده عن رجله قبل أن تأتيه الأوامر من المحفل الماسوني الذي يتبع له، أو يقال إن والدته يهودية، ولعل القارئ يتساءل: لماذا أمه يهودية وليس أباه؟ الجواب، أن اليهودية ديانة غير تبشيرية، يعني أنه ليس في مقدور أي إنسان أن يتهود إذا شاء ذلك، والشرط الأساسي عندهم أن تكون الأم يهودية!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة