ماذا قدمت أنت للدولة!

tag icon ع ع ع

غزوان قرنفل

كعادته في “فزلكاته” اللغوية التي اعتاد أن يضمنها في أي حديث أو خطاب يلقيه على قطيعه ومواليه، يتحفنا رئيس السلطة الحاكمة في دمشق خلال حديثه مع بعض كوادر حكومته وحزبه (الذي ما عاد قائدًا للدولة والمجتمع “دستوريًا” لكنه بقي كذلك بقوة القسر والأمر الواقع)، بعبارة غبية لطالما كررها كل الطغاة الذين يصادرون الأوطان ويجعلونها مزارع ويجعلون من سكانها قطيعًا بشريًا يعمل لديهم بالسخرة، قائلًا: “البعض من الانتهازيين يسأل ماذا قدمت الدولة؟”، ويجيب نفسه قائلًا: “طيب وماذا قدمت أنت للدولة؟”، ويستطرد، “هم موجودون للانتهازية، يأخذون كل شيء ولا يقدمون شيئًا”!

هل يعقل أيها السوريون أن تنحدروا لهذا المستوى من “الانتهازية” لتسألوا ماذا قدمت لكم الدولة! أليس الأجدر بكم أن تسألوا أنفسكم ماذا قدمتم أنتم لهذه الدولة؟ أليس هذا الوطن وطنكم وهذه الدولة دولتكم؟ صحيح أنكم لم تكونوا يومًا منذ 60 سنة جزءًا من حسابات الدولة واهتمامها لكن هذا لا يبيح لكم أن تكرهوا دولتكم وتنفر نفوسكم منها وتشمئزوا من وجودكم في ظلها وعلى أرضها وتمتنعوا عن تقديم المزيد لها! عار عليكم أيها السوريون أن تطرحوا هذا السؤال المحرّم، فالأوطان والدول لا تبنى ولا تصمد إلا إذا قدمتكم أموالكم وأنفسكم لها دون أن تنتظروا منها ردًا لجميلكم، الأوطان والدول لا يستقيم لها شأن ولا يعلو لها كعب بلا قيادتها الحكيمة التي عليكم تقديسها وفداؤها.

عندما تتابع أوضاع سوريا، حتى قبل سنوات الصراع والاحتراب والاستباحة والقتل المجاني، لا بد أنك كنت تدرك حجم انفصال الدولة عن حقائق الحياة وتطورها بينما نحن نراوح في المكان، وتدرك حجم انفصال السلطة عن الواقع وكيف أنها تمشي كسلحفاة غير متعجلة للوصول إلى أي هدف، حتى أزماتها، التي ما كانت تجد لها حلًا قط، كانت مكرورة وأسبابها ممجوجة. أزمة كهرباء مزمنة منذ نصف قرن، وأزمة خبز تلزمك بالاستيقاظ قبل رحيل عتمة الليل لتتوجه إلى مخبز تتراكم أمامه كتل بشرية بحثًا عما يملأ معدة أطفالهم، وأزمة ماء، وأزمة غاز، وأزمة وقود لدفء الشتاء… سلسلة طويلة من أزمات تافهة لا يراد حلها لتبقى شغلك وشاغلك، لكيلا يكون لديك بعض وقت للتفكير بغير البلاء الذي أنت فيه!

لا تطرح عليّ سؤالك الغبي عن ماذا قدمت للدولة، فليس عليّ أن أقدم لها شيئًا قبل أن أحصل منها على كل شيء أحتاج إليه، فهي وأجهزتها وكل مؤسساتها من يفترض أن تكون خادمة لي، وملبية لاحتياجاتي، وحامية لمصالحي وحقوقي، وعندما تفعل، تملك حينها كل الحق أن تسائلني عما يتعين عليّ تقديمه.

وأنا لست معنيًا أن أدفع ضرائب لخزينتها المثقوبة والمنهوبة، طالما هي لا تقدم لي مقابل ذلك خدمات وعلى مستوى يليق بي كمواطن، ولا تقدم لي ولا لحقوقي حماية متوجبة، ولا تقدم لي رعاية صحية مستحقة، ولست معنيًا أن أنخرط في جيشها طالما أنه لا يحمي حدود وطني ولا يسترد أرضًا عجز عن حمايتها والحفاظ عليها بنفس القدر الذي يعجز فيه عن الرد على الاستباحات اليومية، فيكتفي بالاحتفاظ بحق الرد في زمان لن يحل له أجل، ولست مهتمًا أن يكون لهذه الدولة شأن في العالم طالما أنها لا تعلي من شأني، بل تحط من قدري وتمتهن كرامتي ويستبيح جيشها حياتي. ولست فخورًا بعلم طالما جعل منه الحاكم ممسحة لبسطاره!

60 سنة ونحن محكومون بحزب واحد لم يقدم فيها أي شيء للناس، إلا الشعارات، ولم يتبوأ فيه عضو من أسافل القوم مسؤولية إلا اغتنى وأثرى، بينما الناس لا يزالون يتلوون جوعًا رغم ما تلوكه الدولة من شعارات، فمتى كانت الشعارات تسمن أو تغني من جوع! 60 سنة وأنتم تعلنون محاربة الفساد، فاستولد الفساد فسادًا واستشرى حد الاختناق.

سأسمح لنفسي أن أرد عليك سؤالك: بضع و50 سنة وعائلتك تحكم الدولة، فماذا قدمتم لها قبل كل هذا الخراب؟ واقع الحال ينبئنا أنكم جعلتم سوريا تحتل أدنى المراتب في قوائم الدول الأكثر فقرًا، والأكثر فسادًا، والأدنى دخلًا والأكثر فشلًا تنمويًا، رغم ثرواتها الهائلة التي استبحتموها، فلا تطلب مني أيها الرئيس العتلّ أن أقدم شيئًا لوطن امتطيتموه وحلبتم ضروع خيراته حتى جفت.

وعندما تتذكر أن ثروة أخيك باسل وحده بلغت قبل 30 سنة أكثر من ثلاثة أضعاف ميزانية الدولة، التي تطلب منا أن نقدم لها ونضحي لأجلها، عليك أن تدرك كم أن سؤالك وقح وغبي، ويعيد التأكيد على أنه ليس في وجهك بعض ماء لتخجل مما تتلفظ به من هراء.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة