عنب بلدي تسأل 14 منهم يقيمون في اسطنبول

 الصورة النمطية “المناطقية” بين السوريين.. تغيرت أم تعززت  

 الصورة النمطية "المناطقية" بين السوريين.

camera iconسياح من مختلف الجنسيات في السوق المصري باسطنبول (صورة تعبيرية / عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – رهام السوادي

يعيش أكثر من 529 ألف سوري في مدينة اسطنبول التركية، قادمين من مختلف المحافظات، ويحمل كل منهم أفكاره وانطباعاته الخاصة عن بقية المحافظات.

ويشكل السوريون تجمعات (ليست بالضرورة مناطقية)، فترى الشامي والحلبي والديري وابن الساحل يجلسون على طاولة واحدة يتناقشون ويتسامرون، ويتعرفون إلى عادات وثقافة بعضهم بعضًا.

وكان كل منهم يحمل أحكامه المسبقة عن الآخر، ويتبنى “صورة نمطية” أو ما يسمى بالقولبة، مكونين انطباعات مسبقة حول الأشخاص أو تفضيلاتهم أو مظهرهم أو قدراتهم.

وتختلف أسباب تشكل الصور النمطية بين السوريين، فهي إما تنافسية، وإما بسبب تنميط وسائل الإعلام فئات من المجتمع السوري، أو لعدم احتكاك أبناء المحافظات مع بعضهم بشكل مباشر.

تناقش عنب بلدي احتمالية تغيّر الصور النمطية بين أبناء المحافظات السورية بعد احتكاكهم المباشر مع بعضهم، بمشاركة 14 شخصًا من محافظات سورية مختلفة وأعمار متباينة.

التنافس وراء التنميط

اتفق أربعة ممن تحدثت إليهم عنب بلدي (من أبناء محافظتي حلب ودمشق) على تصوّر بعدم التوافق بين أهالي مدينتي حلب ودمشق، وأكدوا أن التصورات تعززت بعد قدومهم إلى تركيا.

وأرجعت هالا الحوراني، وهي تنحدر من مدينة دمشق وتقيم في اسطنبول، العلاقة “المرتبكة” بين أهالي المدينتين إلى أسباب تنافسية، إذ ترغب كلتا المدينتين أن تكون العاصمة التجارية والصناعية في سوريا.

وترى أن النزاع بدأ بين تجار المدينتين، ثم انتقل إلى العوائل، حتى أصبح “تقليدًا متبعًا” تتوارثه الأجيال، ولا تعتقد أن هناك ما يمكنه أن يغير ما ورثته الأجيال.

الباحثة الاجتماعية عائشة عبد الملك، قالت لعنب بلدي، إن الصور النمطية أو القوالب تكسر بالوعي، والسوريون ليسوا قالبًا واحدًا ولن يكونوا، والقوالب المتشابهة لا تطور المجتمعات.

ولا يجب الخضوع لهذه القوالب، بل يجب أن تكون هناك مرونة، حتى يستطيع مجتمعنا السوري أن يغيرها دائمًا، ولا يكون مجتمعًا نمطيًا، حسب عبد الملك.

وفي تجربة أعدها عالم النفس الاجتماعي التركي- الأمريكي مظفر شريف، في عام 1954، عن وضع مجموعتين يحمل أفراد كل منهما أساليب وسلوكيات خاضعة لمعايير معينة، وتملك رموزًا خاصة بها، أمام منافسة تحتم فوز إحداهما، وبالتالي فشل الأخرى، خلصت التجربة إلى نشوء تفاعل سلبي بين المجموعتين، وعدم توافق مصحوب بـ”هيمنة الصور النمطية والاتجاهات والأحكام السلبية تجاه المجموعة المنافسة وأعضائها”.

المنطقة الشرقية والإعلام

“كانت هناك فكرة أن أبناء المنطقة الشرقية منغلقون وصعاب المعشر، ولكن بعد الثورة السورية تبين أنهم أناس يملكون أصالة، ووطنيون واجتماعيون وبسطاء”، هذا ما قاله كمال خالد الحاج، المنحدر من مدينة عفرين بريف حلب شمال غربي سوريا لعنب بلدي، واصفًا نظرته السابقة وكيف تحولت بعد قدومه إلى اسطنبول.

ويرى ستة من أصل 14 سوريًا ممن تحدثت معهم عنب بلدي، أن التغيّر “الأكبر” بالنسبة لهم في الصور النمطية كان من نصيب المحافظات الشرقية في سوريا (الرقة، الحسكة، دير الزور)، إذ كان هناك اعتقاد سابق عن أبناء المنطقة بأنهم يتصفون بـ”الجهل”، وأنهم من طبقة “متدنية” في المجتمع.

وأشاروا إلى أن الصورة لم تنشأ بسبب احتكاك سابق مع أشخاص من المنطقة، بل هي نتيجة لما تنقله وسائل الإعلام والمسلسلات السورية عن أبناء المحافظات الشرقية.

الباحثة الاجتماعية عائشة عبد الملك قالت إن الإعلام يلعب دورًا كبيرًا في تعزيز الصور النمطية بالمجتمع، وتلعب سياسات الدولة دورًا في الصورة التي يكرسها الإعلام التابع لها.

وفي سوريا، خلق النظام الفروقات والنزاعات بين السوريين حتى ينشغلوا ببعضهم بهدف استمراره في الحكم، وأسهمت المسلسلات في قولبة المجتمع السوري، بأن كل أهالي المنطقة الشرقية من البدو، والحلبيين أصحاب ثراء ومال، والشامي يدلك على الطريق الخطأ، حسب عبد الملك.

وهذا ما خلصت إليه نظرية “الغرس الثقافي” للباحث الأمريكي جورج جربنر في ستينيات القرن الماضي، التي ترى أن التلفزيون من بين وسائل الإعلام الأخرى يعد الأساس الثقافي المركزي للمجتمع، والمصمم الأساسي للصور الرمزية التي تسهم في تكوين المعتقدات عن العالم الحقيقي، ويؤثر بما يعرضه من نماذج مكررة ونمطية على سلوك المجتمع وخاصة لمن يشاهد التلفاز بكثافة.

التنميط لدى الجيل Z””

عاش الجيل “Z” (المولود بين منتصف التسعينيات وآخر 2010) من السوريين جزءًا من مرحلة الطفولة أو كلها في سوريا، بينما شكلت تركيا مرحلة البلوغ لديه.

وتواصلت عنب بلدي مع ثلاثة سوريين من الجيل “Z”، وسألتهم عن احتمالية وجود صور نمطية لديهم تجاه محافظة أو مدينة معينة.

وكانت الردود متقاربة، إذ أجمعوا على أن الصور النمطية تجاه محافظة معينة تشكلت بعد قدومهم إلى اسطنبول.

ويعود السبب إلى أن السوريين رغم خروجهم من سوريا، فإنهم لم ينفصلوا عن المجتمع الصغير للأسرة والأقارب، الذي شكل لديهم صورًا نمطية معينة، وخاصة في مسائل الزواج.

آلاء سلحدار، وهي حلبية من أم حموية وسكنت في حماة، قالت لعنب بلدي، إنه وحسب تجربتها الشخصية، تبقى الصور النمطية أفكارًا ضمنية لا تظهر بشكل مباشر في التفاعلات اليومية بين أبناء المحافظات، إنما تخرج إلى العلن في حالتي الزواج والعمل.

ويعتقد بعض علماء النفس أنه على الرغم من إمكانية استيعاب الصور النمطية في أي عمر، فإن الفرد يكتسبها في مرحلة الطفولة المبكرة تحت تأثير الوالدين والمعلمين والأقران ووسائل الإعلام.

الاتصال يقلل التنميط

“تتشكل صورنا النمطية عن بقية المحافظات نتيجة ما سمعناه من أفراد عائلتنا الأكبر منا”، هذا ما قالته جيهان حاج حبو عن خلفية تبنيها للآراء والمواقف حتى أصبحت مرسومة في عقلها.

جيهان، وهي من تل عرن جنوب شرق مدينة حلب، قالت لعنب بلدي، إنها كانت تنظر إلى أهالي دمشق على أنهم بخلاء، ومع قدومها إلى اسطنبول قابلت العديد من الدمشقيين خلال دراستها الجامعية، وكانوا على عكس ما يحكى عنهم.

آلاء سلحدار قالت إنها كانت تتبنى صورة نمطية تجاه أهالي درعا، إذ كانت تسمع عن عشائرهم، وانغلاقهم عن بقية المحافظات في أمور الزواج، إضافة إلى امتلاكهم عادات لا تتناسب مع البيئة التي ترعرعت فيها.

وبعد لجوء آلاء مع عائلتها إلى اسطنبول، التقت بعدة شبان وشابات من درعا، غيروا من تصوراتها النمطية عن المحافظة وأبنائها، وعلمت أن فيهم من الكرم والنخوة ما لا يملكه غيرهم.

ويرى اثنان ممن تحدثت معهم عنب بلدي، أن الصور الإيجابية في ذهنهم أصبحت سلبية بعد قدومهم إلى اسطنبول، بينما تحدث آخرون العكس.

نشرت الباحثة في علم النفس الاجتماعي والمحاضرة في جامعة “أوهايو” جينيفر كروكر، في عام 1983، دراسة بعنوان “البنية المعرفية وتغيير الصورة النمطية”، أشارت نتائجها إلى أن الاتصال بين المجموعات يقلل من القوالب النمطية والتحيز، واكتساب صداقات بين الأعراق أو الاتصال الحميمي سيغير المعتقدات حول المجموعة.

وترى الباحثة الاجتماعية عائشة عبد الملك، أن لجوء السوريين أسهم باطلاعهم على مجتمعهم نفسه، وبدؤوا بإدراك كم كانوا مُنمطين، فلا الشامي يدلك خطأ وليس كل الحلبيين أثرياء وتجارًا، ولا أهل الحسكة يسكنون في بيوت طينية.

والمجتمع السوري الذي ظهر اليوم سيغير الكثير في سوريا المستقبل، لأنه كسر صوره النمطية عن المحافظات بشكل مجتمعي وليس فرديًا، وفق الباحثة.

أثر الصور النمطية

تعد الصورة النمطية شكلًا من أشكال التصنيف الذي يساعد على تبسيط المعلومات وتنظيمها، وبالتالي يتم التعرف إلى المعلومات واسترجاعها والتنبؤ بها والتفاعل معها بسهولة أكبر.

إلا أن الصور النمطية غالبًا ما تكون مفرطة في التعميم وغير دقيقة، ويمكن أن تؤثر ضمنيًا على إطلاق الأحكام، وتفرض احتمالية بأن أفراد مجموعة معينة يملكون سمات معينة.

وتخلق الصور النمطية نوعًا من التحيز لدى الأفراد والمجموعات بين بعضها، ولأن الصور النمطية تبرر الواقع الاجتماعي، فمن المحتمل أن تكون لها تأثيرات قوية على كيفية إدراك الناس لبعضهم ومعاملتهم، ومن المحتمل أن تتحول الصور النمطية إلى أفعال عدوانية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة