أطفال “نباشون” عرضة للأمراض ومخلفات الحرب بالحسكة

أطفال ينبشون حاوية في القامشلي تشرين الثاني 2023 (ريتا الأحمد/ عنب بلدي)

camera iconأطفال ينبشون حاوية في القامشلي تشرين الثاني 2023 (ريتا الأحمد/ عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

الحسكة – ريتا الأحمد

أطفال صغار أمام حاويات القمامة، يتنافسون على جمع المواد من أكوام النفايات المتراكمة، مشهد متكرر ويومي في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا.

يعمل الأطفال بهذه المهنة في ظل ارتفاع معدلات الفقر وانخفاض القوة الشرائية لليرة السورية، ويشكل هذا العمل خطرًا عليهم، بسبب مخلفات الحرب التي قد تنفجر، أو من جراء الأمراض الجلدية.

رهيفة الخضر (55 عامًا)، من سكان مخيم “الطلائع” في الحسكة (يعرف أيضًا باسم مخيم “واشوكاني”)، قالت لعنب بلدي، إن ابنها (خالد)، وبعد تهجيرهم من مدينة رأس العين، وضيق الأحوال، بدأ بالعمل في مجال “النبش”.

يبحث خالد يوميًا عن مواد قابلة للبيع، كالبلاستيك والألمنيوم وعبوات الزجاج غير المكسورة والكرتون، كخيار وحيد بعد تركهم لأراضيهم الزراعية في منطقتهم الأصلية، التي كانت بدورها مصدر رزقهم الوحيد.

استمر خالد في هذا العمل لعام ونصف، يتجول في المناطق القريبة من المخيم لجمع ما يمكن جمعه من مواد يمكن بيعها، ثم بدأ يتعامل مع البائعين الجوالين المعروفين باسم “الحواج”.

في وقت لاحق، انضم إلى مجموعة أخرى في عمل نبش القمامة، وبدأ التجول بين القرى الأخرى، ومنذ خمسة أشهر استدعيت رهيفة إلى مستشفى في الحسكة بعد إصابة ابنها بانفجار، وفقدانه ثلاثة أصابع، بسبب عبثه بصاعق قنبلة انفجرت بين يديه.

وفي 9 من تشرين الأول 2019، سيطرت القوات التركية على الشريط الحدودي بطول أكثر من 80 كم وبعمق 30 كم، الذي يضم رأس العين وقرى أخرى، بعد تسعة أيام من معارك دارت مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

خالد ليس الوحيد الذي يعمل في مهنة تشكل خطرًا على حياته، إذ ترافق فريدة عبد الله (14 عامًا) إخوتها الثلاثة كل صباح، لجمع البقايا من داخل حاويات القمامة في حي السياحي.

يبيعون ما يجمعونه من بلاستيك ومواد أخرى لتجار النفايات، ويستخدمون هذا المال لتأمين احتياجاتهم الأساسية.

والدة فريدة، واسمها هندية، قالت لعنب بلدي، إن ابنتها أصيبت بطفح جلدي في يديها، فاشترت قفازات بلاستيكية لها، ولكن بعد يومين، انتشر الطفح بجسمها كله.

نُقلت فريدة إلى المستشفى “الوطني” في مدينة القامشلي، وتبين أنها مصابة بالتهابات جلدية فيروسية، ظهرت على شكل ثآليل، بسبب تعرضها للتلوث خلال نبش القمامة.

ولا يتوقف عمل النبش على الأطفال، فهي مهنة يعمل بها الكبار أيضًا، وفق ما رصدته عنب بلدي.

مخلف سعيد (51 عامًا)، يعمل بالنبش، قال لعنب بلدي، إنها مهنة تعد مصدر دخل لكثيرين من ضعيفي الحال.

يجمع مخلف كميات كبيرة من القمامة التي تشمل الكرتون والعبوات البلاستيكية والمعدنية، ثم ينقلها بسيارته الصغيرة من طراز “سوزوكي”، التي أصبحت وسيلة أساسية له في مزاولة هذه المهنة.

وتعتمد هذه المهنة بشكل كبير على الطلب المتزايد على تدوير مواد القمامة، ويقوم مخلف بتسليم ما يجمعه إلى وسيط يعمل في مجال تدوير المواد.

يحصل الرجل على مقابل مالي يعتبر مصدر دخل رئيسًا لعائلته، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها كثيرون في سوريا.

غازات ضارة وتلوث

يتسبب عمل النبش بأضرار صحية للأطفال، وتحديدًا الجلدية منها.

طبيبة الجلدية في محافظة الحسكة كفاء إلياس، تحدثت لعنب بلدي عن خطورة نبش النفايات داخل الحاويات أو على المكبات.

وذكرت الطبيبة أن العمل المستمر يعرض الأطفال للإصابة بأمراض عديدة، نتيجة استنشاق غازات التخمر والتعرض للهواء الملوث والعوامل الضارة الأخرى.

وحذرت إلياس من عدم ارتداء الأطفال وسائل الوقاية الشخصية، خاصة إذا كانت أجسامهم تحمل جروحًا، إذ يتسنى للأمراض الجلدية انتقالها مباشرة عبر الدم في أجسامهم.

كما شددت على أهمية توعية الأطفال بضرورة ارتداء الملابس الواقية والأحذية للحماية من الإصابة، بالإضافة إلى تجنب لمس النفايات بشكل مباشر.

وتحتوي القمامة على عديد من المواد الضارة مثل البكتيريا والفيروسات والمواد الكيماوية السامة، وعندما يتعرض جلد الطفل لهذه المواد، قد تحدث حساسيات وتهيجات جلدية وإصابات بالعدوى البكتيرية أو الفيروسية.

وبعض الأمراض الجلدية الشائعة التي قد تنتج عن تلامس القمامة تشمل التهابات الجلد والطفح الجلدي والتسمم الغذائي، وفق إلياس.

ما النبش؟

النبش عملية بحث وجمع للمواد القابلة لإعادة التدوير أو الاستفادة منها داخل القمامة.

والأشخاص المشاركون في هذه العملية يعرفون باسم “النباشين”، وغالبًا ما يكونون أفرادًا يعيشون في ظروف اقتصادية صعبة، ويعتمدون على جمع المواد القابلة لإعادة التدوير من القمامة لكسب لقمة العيش.

وسبق أن افتتح مركز في قرية خزنة بمدينة القامشلي لرعاية الأطفال المشردين، ومنع استغلالهم في أعمال تؤثر سلبًا على صحتهم وجسدهم.

ويتم دعم هذا المركز بالتعاون بين منظمات إنسانية وهيئة الإدارة المحلية والبيئة التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، وتتم آلية عمل المركز بالتنسيق مع ضابطة البلدية.

وينقل الأطفال إلى مركز الاستقبال، وهناك يتعهد أولياء الأمور بحماية أطفالهم من هذه الظواهر الخطيرة.

وفي حالة تكرار مخالفة أولياء الأمور لتعهداتهم، يتم نقل الطفل إلى دار الرعاية في قرية خزنة.

ولا توجد أرقام دقيقة لأعداد الأطفال العاملين في مجال النبش بمناطق “الإدارة الذاتية”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة