إدلب.. دعم التصنيع يرفع ثمن الأدوية المستوردة

إدلب.. دعم التصنيع يرفع ثمن الأدوية المستوردة

camera iconأدوية داخل صيدلية في مدينة إدلب شمال غربي سوريا – 25 من كانون الأول 2023 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

tag icon ع ع ع

إدلب – أنس الخولي

بصوت متقطع تخنقه عبرات الألم، تحدث سمير عن عدم قدرته على شراء الدواء اللازم لأطفاله الثلاثة، بعد أن تفاجأ بأن الوصفة الطبية اللازمة يزيد ثمنها على أجرة عمله ليومين كاملين، خاصة بعد ارتفاع طال أسعار الأدوية في إدلب.

وقال سمير الموسى (41 عامًا)، وهو مهجر يقيم في إدلب، إن أطفاله أُصيبوا بنوبة رشح، وتضاعفت إلى التهابات في الحلق وسعال شديد وضيق في التنفس، وبعد نقل الأطفال إلى المستشفى ومعاينتهم، كتب له الطبيب وصفة طبية تتضمن بعض الأدوية، وأخبره أن الحالة غير خطرة.

وبعد ذهاب الوالد لشراء الدواء لأطفاله، فوجئ بارتفاع السعر، ولم يتمكن من شراء كامل الوصفة، ليطلب من الصيدلاني إعطاءه الأدوية الضرورية فقط كمضاد الالتهاب.

وأضاف أنه لم يجد حلًا سوى البحث عن بدائل للأدوية التي لم يستطع شراءها، مثل غلي أوراق شجر الكينا وإجبار الأطفال على استنشاق بخارها، والاعتماد على الكمادات لخفض الحرارة.

وبلغ ثمن الوصفة الطبية 240 ليرة تركية، بينما أجرة سمير اليومية كعامل بناء لا تزيد على مئة ليرة تركية، ولا تكفي لتأمين مستلزمات المنزل في الأحوال العادية دون وجود أمراض.

وشهدت أسعار الأدوية في إدلب ارتفاعًا ملحوظًا خلال الأيام القليلة الماضية، وتراوحت نسب الارتفاع بين 30 و50%، ما أثقل كاهل المرضى، ودفعهم إلى الاستدانة أو اللجوء إلى بدائل ذات تكلفة أقل.

صيادلة أوضحوا لعنب بلدي أن ارتفاع الأسعار في مناطق سيطرة النظام لا يؤثر على سعر الأدوية في إدلب، لكونهم يشترونها من تلك المناطق بالدولار الأمريكي، مرجعين سبب الارتفاع إلى انتهاز حكومة “الإنقاذ” الفرصة، إذ رفعت سعر المستورد بدورها، بهدف دعم المنتج الدوائي المصنّع في إدلب.

“الإنقاذ”: 400 صنف مرخّص

تنتشر الصيدليات بكثرة في مناطق إدلب، وتشرف وزارة الصحة في حكومة “الإنقاذ” على عملها، وتنظمه نقابة الصيادلة، بينما الأدوية المنتشرة هي إما محلية الصنع مصدرها معامل أدوية موجودة في المنطقة، وإما أدوية مصدرها معامل في مناطق سيطرة النظام.

وتدخل الأدوية إلى الشمال السوري بطريقة غير نظامية (تهريب) من المعابر التي تصل المنطقتين ببعضهما، وخاصة من طرف مدينة منبج باتجاه ريف حلب الشمالي، بحسب ما علمته عنب بلدي من بعض الصيادلة.

مدير مديرية الرقابة الدوائية في وزارة الصحة بحكومة “الإنقاذ”، الدكتور قاسم الوهو، أوضح أن وزارة الصحة في حكومة النظام رفعت أسعار الأدوية في مناطق سيطرتها بنسبة تتراوح بين 70 و100%، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار في الشمال السوري.

وقال الوهو لعنب بلدي، إن وزارة الصحة في “الإنقاذ” أجرت دراسة للارتفاع الحاصل قبل إصدار الأسعار الجديدة، ووصلت إلى عدة قرارات تهدف من خلالها إلى تخفيف تأثر المواطن بالارتفاع الحاصل.

وأضاف أن الوزارة قررت عدم رفع أسعار الأدوية التي لها بدائل تصنع محليًا، وقد بلغ عددها 2000 صنف تقريبًا، ورفع أسعار الأدوية التي تحتاج إليها المنطقة بنسب متفاوتة، حسب الأشكال الصيدلانية، وحسب شرائح الأسعار، بحيث تقلل نسبة الارتفاع الحاصل على المواطن.

وعن نسب الارتفاع في إدلب، ذكر الوهو أن الأشربة ارتفعت بنسبة تراوحت بين 5 و50% حسب سعر علبة الشراب، أما القطرات و”الأمبولات” والبخاخات فارتفعت بنسبة 25%.

وارتفعت أسعار التحاميل بنسبة قدرها 35%، والمضغوطات والكبسولات التي يقل سعرها عن 1.5 دولار أمريكي بنسبة من 7 إلى 20%، والتي تزيد على 1.5 دولار لم يتغير سعرها، وفق الوهو.

وبالنسبة للمراهم والكريمات، ارتفعت بنسبة 40%، ولكن تم الاستغناء عن معظمها بسبب وجود معمل متخصص في صناعتها في الشمال، وفق الوهو.

وبحسب مدير الرقابة الدوائية، وصل عدد الأصناف المرخصة لدى وزارة الصحة إلى ما يقارب 400 صنف، وهي الأدوية التي يمكن أن تحل مكان ما يقارب 2000 صنف قادم من مناطق سيطرة النظام، لذلك تم استثناء 2000 صنف من الارتفاع الحاصل، بسبب وجود البدائل المحلية ذات السعر الأقل والجودة الأعلى.

واعتبر الوهو أن الأدوية المنتجة محليًا (في إدلب) ذات جودة أعلى من الأدوية المستوردة من مناطق سيطرة النظام، بسبب الإشراف على إنشاء المعامل وعلى ترخيص المستحضرات بشكل كامل من قبل الوزارة.

ولفت المدير إلى أن المستحضر يمر بمرحلتي تحليل في مخبر المعمل المصنّع، ثم مرحلتي تحليل لدى وزارة الصحة قبل طرحه في السوق الدوائية، ويتم تطبيق برنامج التيقظ الدوائي عليه بعد طرحه للاستخدام والتداول، كما أن إمكانية مراجعة المعمل والتنسيق معه في حال حدوث أي خلل موجودة.

وأشار المدير خلال حديثه لعنب بلدي إلى تعمد إرسال تجار أو أشخاص من مناطق سيطرة النظام بعض المستحضرات غير الصالحة للاستخدام إلى الشمال، ما جعل وزارة الصحة في حكومة “الإنقاذ” تصدر قرارات إيقاف تداول بعض المستحضرات.

ومنحت وزارة الصحة القطاع الدوائي اهتمامًا كبيرًا ليزداد عدد المعامل والأصناف المرخصة خلال عام 2023، وتحتوي المعامل المرخصة على جميع الخطوط الإنتاجية العامة، وحصل بعضها على ترخيص أقسام خاصة مثل البنسيللينات والسيفالوسبورينات، سعيًا لتحقيق اكتفاء دوائي ذاتي مستقبلًا، وفق قاسم الوهو.

صيادلة: خوف من مخالفة قرار الوزارة

التقت عنب بلدي مع عدد من الصيادلة في مدينة إدلب، وشككوا بدورهم بتأثر السعر في الشمال بالسعر في مناطق سيطرة النظام، على اعتبار أنهم يشترون الأدوية بالدولار وقيمتها ثابتة منذ أشهر.

الصيدلاني “أبو عبدو” (رفض ذكر اسمه الصريح حتى لا يتعرض لمساءلة)، قال إن الأدوية التي ارتفعت أسعارها هي الأدوية المصنعة في مناطق سيطرة النظام ولها بدائل محلية فقط.

وأوضح أن ارتفاع أسعار الأدوية في مناطق سيطرة النظام سببه ارتفاع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، لافتًا إلى أن الصيادية في إدلب يشترون الأدوية أصلًا (من مناطق سيطرة النظام) بالدولار، أي أن ارتفاع الأسعار في مناطق سيطرة النظام لم يؤثر فعليًا على ارتفاع الأسعار في الشمال.

من جهته الصيدلاني “محمد” (اسم مستعار، رفض ذكر اسمه الصريح)، اعتبر أن رفع أسعار الأدوية يهدف إلى تنشيط بيع الأدوية المصنعة محليًا، لافتًا إلى أن الأدوية التي ليست لها بدائل محلية كإبر الالتهاب لم ترتفع أسعارها.

وأوضح الصيدلاني أن الجودة متقاربة بين الأدوية المصنعة بإدلب والأدوية المستوردة من مناطق سيطرة النظام ولها نفس التركيبة الدوائية.

وأضاف الصيدلاني أن لرفع سعر بعض الأدوية أثرًا سلبيًا كبيرًا على الصيدليات، خاصة التي تحتوي على أدوية مستوردة من مناطق سيطرة النظام، مع عدم قدرتهم على تصريفها بسعرها السابق، وخوفهم من بيعها بسعر أقل حتى لا يعاقبوا بمخالفة عدم البيع بالأسعار التي قررتها الوزارة.

وفي 6 من كانون الأول 2023، أجرى وزير الصحة في حكومة “الإنقاذ” اجتماعًا مع المدير العام للرقابة الدوائية ومع أصحاب مستودعات الأدوية في إدلب، لمناقشة آلية ضبط الأدوية المستوردة ودعم المنتج المحلي وتنظيم آلية الاستيراد، دون الإعلان عن المخرجات.

قطاع يعاني

يعاني القطاع الطبي في إدلب نقصًا في المعدات والكوادر وضعفًا في التمويل، وتستهدف المرافق الطبية قذائف قوات النظام السوري وحلفائها.

ويلجأ مرضى في إدلب إلى صيدليات “خيرية” للحصول على أدوية مجانية معظمها منتهي الصلاحية، إذ لا يستطيعون شراء الدواء، ورصدت عنب بلدي حالة الازدحام الشديدة التي تشهدها بعض الصيدليات التي تقدم الأدوية المجانية (عددها قليل في إدلب).




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة