الحدائق والمشي بديل عن المطاعم

الحرب والاقتصاد يتحكمان بسلوك العشاق في سوريا

محل لبيع الزهور في مول ماسا بلازا بدمشق- 25 من تشرين الأول (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

camera iconمحل لبيع الزهور في مول ماسا بلازا بدمشق- 25 من تشرين الأول (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ماريا الشعبان

لم يسلم الحب في سوريا من تبعات الحرب، ووصل تأثير الأوضاع الاقتصادية المتهالكة التي تعيشها مناطق سيطرة النظام السوري إلى العلاقات العاطفية.

ويحاول العشاق التحايل على الواقع الاقتصادي الذي وصفه الباحث في الاقتصاد الدكتور فراس شعبو لعنب بلدي في تقرير سابق باقتصاد “الحرب”، فيختزلون ما يزيد على القدرة المادية ولا يؤثر سلبًا بشكل مباشر على العلاقة.

ويسعي الشبان والشابات في مختلف مراحل العلاقات العاطفية ومسمياتها لقضاء وقت أطول مع بعضهم، والتعرف إلى معالم الحياة من جديد معًا، ورغم بساطة المطلب، أصبحت المواعيد بين المحبين تُختصر وتُحدد وفقًا لعوامل اقتصادية، إضافة إلى العوامل المجتمعية والشخصية.

ووفقًا لما رصدته عنب بلدي والحالات التي تواصلت معها لأحبة يعيشون في سوريا، ضمن مناطق سيطرة النظام على وجه التحديد، تشابهت الأجوبة رغم تباعد أصحابها.

في الحدائق وعلى الطرقات

ياسمين، مصممة “جرافيك” من سكان غوطة دمشق، قالت لعنب بلدي، إن اللقاءات والمواعيد الغرامية باتت تعتمد على الحدائق والمشي في الطرقات لساعات وساعات، عوضًا عن المقاهي والمطاعم.

ورغم الوصمة التي ما زال جزء من المجتمع السوري يصبغها على رواد الحدائق من شباب وشابات، تبقى الخيار الأوفر و”الأريح”، وفق تعبير ياسمين، لأن أدنى فاتورة في مقهى لن تقل عن 50 ألفًا أو مئة ألف ليرة سورية بحسب نوع المكان وخدماته، المبلغ الذي لا يسهل تأمينه أو صرفه بفترات متقاربة من موظفين يعملون ضمن القطاع العام أو الخاص في البلاد.

وتروي “سعاد” (اسم مستعار)، كاتبة محتوى لإحدى المنصات التعليمية في دبي، وتعيش في ضواحي دمشق، قصتها لعنب بلدي قائلة، إن أزقة وحارات دمشق كانت متنفسًا لها ولحبيبها في حين لم يستطيعا تغطية مصاريف جلسات المقاهي، على الرغم من عملهما برواتب تعتبر ممتازة نظرًا إلى الأقران.

وأصبح المشي في منطقة القيمرية بدمشق القديمة، وباب توما، وباب شرقي، وتمضية الوقت في التكية السليمانية قبيل بدء أعمال الترميم فيها، وغيرها من الأماكن، خطة العشاق البديلة لقضاء الوقت معًا، وتخفيف الضغط المادي عن الطرفين.

وليس المشي ضمن الحارات أو الجلوس في الحدائق مجانيًا، إذ لا بد من شراء ما يؤكل أو يُشرب لتمضية اليوم، ومن حسن الحظ يوجد باعة جوالون بعضهم يبيع القهوة والشاي، وآخرون يبيعون مأكولات بسيطة تسدّ الجوع ولا تفرغ الجيب، بحسب تعبير “سعاد”.

ويبلغ سعر فنجان القهوة أو الشاي من الباعة المتنقلين نحو خمسة آلاف ليرة، يزيد السعر وينقص من بائع لآخر ومن منطقة لأخرى.

أما عن المأكولات، فتعتبر سندويشة الفلافل من أرخص البدائل ويبلغ سعرها ما بين ستة آلاف وعشرة آلاف ليرة، فلا تسعيرة موحدة للمواد عامة في سوريا، أما سعر سندويشة البطاطا، البديل الثاني، فيتراوح بين ثمانية آلاف وعشرة آلاف.

ووفقاً لـ”مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة“، تجاوز وسطي تكلفة معيشة أسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد 12 مليون ليرة سورية، ما يعادل 827.58 دولار أمريكي.

وارتفعت الأسعار 200% خلال عام 2023، في حين يغطي الحد الأدنى من الأجور 1.5% من وسطي تكاليف معيشة الأسرة، بحسب “مؤشر قاسيون”.

ولا تخلو المطاعم والمقاهي والأسواق من الزبائن، وتختلف مصادر الدخل المعتمد عليها من قبل رواد الأماكن التجارية على اختلاف أنواعها، بعضهم من يعمل لمصلحة شركات خارج سوريا بأجور شهرية أعلى مما هي عليه لمن يعمل لمؤسسات حكومية أو خاصة داخل البلد، وبعضهم من أقارب المغتربين، إذ يتكفل المغترب السوري بجزء من تكاليف معيشة عائلته في بعض الأحيان.

ماذا عن الهدايا

شيماء (28 عامًا)، وتعمل مساعدة طبيبة أسنان في دمشق، قالت لعنب بلدي إن التحضير للهدية لا يعتمد فقط على التفكير بما يحتاج إليه الطرف الآخر أو ما يحب، بل يتعلق بذات الدرجة وأحيانًا بدرجة أكبر بالوضع المادي، ففكرة الهدية تعني تجميد جزء من معاشك الشهري، وغالبًا لن يكون دون المئة ألف ليرة لشراء هدية بسيطة.

وباعتبار الورد رمزًا للحب والمحبين، لا تكاد تخلو حكاية حب من محاولة تقديم وردة أو باقة ورد للمحبوب، ويصل سعر الوردة الجورية الواحدة إلى ستة آلاف ليرة سورية، وهو مبلغ متواضع مقارنة مع كثير من تكاليف الحياة في سوريا، إلا أن وردة واحدة لا تفي بالغرض، قالت شيماء، ويسعى مُقدم الهدية لبذل ما يملكه مقابل أن يعبر عن حبه لشريكه أو أيًا كانت تسميته.

وقال أشرف، طالب في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق” ويعمل بدوام جزئي كمحاسب في أحد مقاهي المدينة، إن آخر هدية قدمها لحبيبته وكانت وشاحًا للكتف وقبعة شتوية، بلغ سعرها 150 ألف ليرة، بينما لا يتجاوز الدخل الشهري لأشرف 300 ألف.

وأضاف أن التفكير بالموضوع يجعله مستحيلًا، لكنك بطريقة ما تستطيع تأمين الهدية أو تكلفة اللقاء، ويحاول بعض الشباب المبالغة بالعطاء المادي من هدايا وغيرها لحجب العوز الحقيقي الذي يعيشونه، الأمر الذي لاحظه أشرف في محيطه وبشخصه في بعض الأحيان.

وذكرت شيماء في هذا السياق أن التفاهم بين طرفي العلاقة كان وما زال أمرًا أساسيًا لاستمراريتها، وزاد الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه السكان بمختلف الأعمار والأجناس من أهمية التركيز على تفهم كل طرف وضع الآخر، والابتعاد عن المقارنة وتخفيف المصاريف الثانوية، حتى لو كانت مصاريف تعد في مجتمعات أخرى أساسية، أو أنها كانت في سوريا نفسها قبل سنوات من الأساسيات.

“العسكرية”.. بدل أم سفر

أمام الشباب السوري في مناطق سيطرة النظام خيارات محدودة لتأمين مستقبله بعد استكمال الدراسة الجامعية، أو في حال عدم الرغبة أو القدرة على التقدم إلى الجامعة.

فإما أن يلتحق الشاب بالخدمة العسكرية في جيش النظام، في حال لم يكن وحيدًا أو معيلًا، وإما أن يدفع بدل الخدمة العسكرية، الذي حددته “مديرية التجنيد العامة” التابعة لوزارة الدفاع في حكومة النظام السوري بثمانية آلاف دولار أمريكي للمكلف الذي أقام إقامة دائمة في دول عربية أو أجنبية لمدة لا تقل عن أربع سنوات، قبل أو بعد دخوله سن التكليف.

ويأتي السفر ثالث الخيارات التي يفكر بها الشباب السوري، مع اختلاف الوجهة والتكلفة، وتتشارك الخيارات الثلاثة بالتكلفة المادية والمعنوية.

وتشكل الثلاثية حاجزًا أمام استمرارية العلاقات العاطفية، لمن وصل إلى مرحلة ضرورة اتخاذ أحد القرارات الثلاثة.

وقالت سعاد، كاتبة المحتوى لإحدى المنصات التعليمية في دبي، إن علاقات الحب في محيطها غالبًا ما باتت تنتهي للأسباب الثلاثة المذكورة سابقًا، وإن المستقل الضبابي والأمد الطويل للعلاقة يُتعب الطرفين إلى أن يستسلم أحدهما وينهي الحكاية.

وأضافت أن قصص الحب الجميلة الوردية ما زالت موجودة، مع تحديات اقتصادية صعبة، لكنها لم تفنَ، ويعتمد الأمر على صبر الطرفين، وبعض الوضوح المستقبلي ودعم المحيط في بعض الأحيان.

ومع اقتراب تخرج أشرف، الطالب في كلية الاقتصاد صباحًا والمحاسب في أحد مقاهي دمشق ليلًا، وبالتالي اقتراب التفكير جديًا بأحد الخيارات الثلاثة، يفضل تأجيل الانتقال لمرحلة الخطوبة، رغم رغبته ورغبة شريكته، إلى أن تتضح معالم مستقبله.

وتتزايد أعداد السوريين المغادرين باتجاه الدول المجاورة أو أوروبا، مع استمرار الأزمة الاقتصادية وغياب أفق لحل سياسي في بلدهم.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة