الزواج في السويداء.. الواقعية تغلب الرومانسية

الزواج في السويداء.. الواقعية تغلب الرومانسية

camera iconدار طائفة المسلمين الموحدين الدروز في سوريا- 25 من حزيران 2023 (المكتب الإعلامي للطائفة)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

في مسلسل “أحلام كبيرة”، وهو مسلسل سوري عُرض عام 2004، يحب عمر (باسل خياط) منى (سلاف فواخرجي)، وفي العمل ينتمي طرفا هذه العلاقة العاطفية لمكونين اجتماعيين ودينيين مختلفين، فالشاب مسلم، والشابة مسيحية، ما يعني استحالة تتويج هذا الحب بمرماه الأخير (الزواج)، في ظل ظروف اجتماعية متباينة لدى الطرفين، إلى جانب معايير اجتماعية ومنظومة قيمية تفرض نفسها بقوة، على الأقل في زمن معالجة الفكرة دراميًا.

في “أحلام كبيرة” لم تكن الأحلام كبيرة بالمعنى المجرد للكلمة، وبالقياس على مطالب أو ما يبتغيه الشاب في حياته، لكن الواقع كان أضيق من تحقيقها، وهو ما دفع عمر للزواج من وفاء (نورمان أسعد)، نزولًا عند الانصياع لسطوة المجتمع.

وبعد عقدين من الزمن غيّرا الكثير في حاضر السوريين، بقي جزء من الأحلام كبيرًا فعلًا، كما تحولت بعض الأحلام الصغيرة إلى كبيرة، ضخّمها الواقع، فحوّل اليومي إلى هاجس، قبل مناقشة الأفكار العامة وما يمس الفرد منها، بمفهومها الواسع، كالحب والزواج، والحب دون سلطان على هذا الحب، أو محددات عرقية أو اجتماعية أو طائفية ومذهبية لهوية الحبيب، الطرف الآخر في العلاقة، والزواج في سوريا مع وجود أنواع متعددة للاختلاف، لا يسير على هدي الشاعرية، وصولًا إلى حالة الاختلاف الديني والاجتماعي، ما يؤطر الزواج ضمن المدينة أو المنطقة، وهو ما يجري إلى حد بعيد في السويداء.

العائلة والمجتمع

إيهاب، شاب سوري من أبناء محافظة السويداء، أوضح لعنب بلدي أنه مجبر على قياس عاطفته بالمنطق والعقل قبل التفكير بالارتباط أو تبادل المشاعر مع شابة من خارج المحافظة، بالمعنى المذهبي، لا الجغرافي، إذ يتركز في المحافظة الجنوبية، التي تخوض في الوقت الراهن حراكًا سياسيًا في سبيل التغيير السياسي، أبناء طائفة الموحدين الدروز.

وتقع السويداء أقصى الجنوب السوري، وتجاورها محافظة درعا إلى الغرب وريف دمشق إلى الشمال والحدود الأردنية من الشرق.

ورغم حضور مسيحي محدود في المحافظة، ووجود بعض أبناء القبائل البدوية من الطائفة السنية، يشكل الدروز نحو 90% من أبناء المحافظة، وفق دراسات.

وجاء في تحليل موجز لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” أن الطائفة الدرزية طائفة إثنية دينية تنتشر في سوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، وبناء على الهرمية المعتمدة في الطائفة يجري اختيار “شيخ عقل” في كل دولة لقيادة المجتمع الدرزي المحلي (في سوريا رئيس الطائفة حكمت الهجري، وحمود الحناوي ويوسف جربوع شيخا عقل الطائفة).

وإلى جانب السويداء، يتركز حضور الموحدين الدروز في مناطق أخرى، كضواحي دمشق (جرمانا وصحنايا وجديدة عرطوز)، والجانب الشرقي من جبل الشيخ، وبعض قرى جبل السماق في إدلب.

ووفق المعايير والضوابط الدينية أولًا والاجتماعية ثانيًا، يتزوج أبناء السويداء من بناتها، ما يعني الحكم على أي علاقة عاطفية، أحد بطليها فقط من المحافظة، بالإعدام.

“قبل التفكير بالارتباط بشابة ليست من السويداء عليّ التفكير أولًا بعائلتي، وهي الأهم”، أضاف إيهاب (29 عامًا) الذي يقيم في مدينة دبي، موضحًا أن كسر هذه الحلقة وإن جرى في بعض الحالات لكنه لا يتوج بالنصر، إذ يصطدم من يعارض المشيئة الدينية والاجتماعية بالنبذ والإقصاء على مستوى واسع، إلى جانب وجود فجوة عائلية لا يمكن ردمها بين عائلة الزوج مثلًا، وزوجته التي تنتمي لمكون اجتماعي وديني آخر، ويتبدى ذلك في المناسبات الدينية وحالات الوفاة، بالإضافة إلى قابلية العيش بدوامة من المشكلات أساسها الأول القبول وعدمه لهذا الوافد الجديد إلى العائلة.

تمرد تتبعه خيبة

خلال العقد الأخير، ولجوء السوريين إلى بلدان أوروبية مختلفة، قد يتنازل البعض أو يضحي بقناعاته بهذا الصدد، فيتزوج من أبناء أو بنات البلد المضيف، في سبيل التوصل لاستقرار قانوني وحقوقي، يمنحه جنسية وهوية، دون إمكانية قياس ثبات أو استمرارية الزواج في حالات كهذه، لا تتعدى إطارها الضيق إن حصلت.

الزواج بالنسبة لأبناء السويداء، وإلى جانب السلطة الدينية والاجتماعية وتأثيرها، مرتبط بأفكار الشاب أو الشابة، التي تأقلمت إلى حد بعيد مع البيئة، دون نفي وجود حالات حب متبادل، لكنها تسقط أمام اختبار الزواج.

وتعكس الأحداث السياسية والتطورات في المحافظة، على مستوى الاحتجاجات والإضرابات، حالة الترابط الاجتماعي بين أهلها، إلى جانب الوقوف والاصطفاف خلف المرجعية الدينية، وانسجام موقف رئاسة الطائفة مع رأي الشارع الذي يواصل احتجاجاته منذ نحو خمسة أشهر للمطالبة برحيل رئيس النظام.

الباحثة الاجتماعية عائشة عبد الملك، أوضحت لعنب بلدي أن مشكلة الزواج والعلاقات العاطفية ليست مقتصرة على أهالي السويداء، بل تنسحب على مختلف المكونات الاجتماعية والدينية في سوريا، فالتوصل لعلاقة عاطفية مع الآخر المختلف الذي لا ينتمي للدائرة ذاتها، يعتبر تمردًا اجتماعيًا بحد ذاته، والشباب يميلون لهذا النوع من التمرد والتحديات والخروج عن المألوف بهذا الإطار.

وأشارت عبد الملك إلى أن حالات الزواج من هذا النوع لا تخلو من وجود حساسية معينة تتجلى مثلًا بنسب الطفل للانتماء الديني أو الاجتماعي لوالدته (أولاد الدرزية أو أولاد العلوية)، وهو ما تتلمسه الأنثى بشكل أكبر من الشاب، كون المجتمع السوري يحول الزوجة إلى جزء من عائلة الزوج، ما يعني المرور بحالة تأقلم لإدراجها كفرد من العائلة، وهو ما يصعب حصوله أمام اختلافات من هذا النوع.

وبالنسبة للتمرد في العلاقات، أشارت الباحثة إلى أن طرفي العلاقة ينشدان من هذا التمرد كسر المنظومة القيمية التي تتحكم بمصيرهما، وهو ما لا يحصل، ويعني العودة بالخذلان، لأن المعتقدات والأفكار الناعمة التي لا تبدو بوضوح أقوى، وهو ما يدفع للاستسلام والانصياع لها، وربما التوصل لتغيير في القناعات بعد مرور الوقت، فيرى الشخص في موقف عائلته المعارض لزواجه حكمة كان يجهلها.

وبحسب عبد الملك، فالميل للتمرد يتخطى الحالة الاجتماعية إلى ما هو أبعد، فيربط الشاب أو الشابة العلاقة العاطفية بموقع أو موقف مكونه الاجتماعي، ويضع القصة في إطار “مظلومية” يحاول تجاوزها بالتمرد، رغم أن القضايا من هذا النوع قائمة ومستمرة، كالخلاف بين الرجل والمرأة، واختلاف الديانات والثقافات، والمطالبة بالمساواة.

هناك معتقدات تبنى في الشخص منذ الطفولة بالتعليم أو المواقف، وتدخل في العقل وتترك رواسبها، وتتحول إلى جزء من الشخص لا يمكن استئصاله، وهذا يسهم بشكل لا واعٍ في تكوين صور نمطية غير عادلة غالبًا تجاه أبناء منطقة أو مدينة أو طائفة، دون فهم الآخر، وتقبل واحترام حالة الاختلاف والتعامل معها كإغناء، وفق الباحثة.

ويعتمد أهالي السويداء في معاملاتهم المدنية، ومنها الزواج، على المحكمة المذهبية.

ووفق قانون “السلطة القضائية”، يُحدد الاختصاص المكاني للمحكمة المذهبية في نطاق محافظة السويداء، أما في بقية المحافظات فيبقى الاختصاص للقضاء الشرعي العادي، للنظر في دعاوى أتباع الطائفة وفق أحكامهم.

ويجوز للشاب بإتمامه سن الـ18 عامًا أن يتقدم بطلب الزواج داخل المحكمة المذهبية، والشابة بإتمامها سن الـ17 عامًا، ويحق لأحد شيوخ العقل أو قاضي المذهب أن يأذن بالزواج للمراهقة التي أكملت الـ15 عامًا ولم تكمل سن الـ17 عامًا، إذا ثبت لديه طبيًا أن حالها تتحمل ذلك وأذن وليها.

وإذا أذن أحد شيوخ العقل أو قاضي المذهب بزواج المراهق والمراهقة من دون إذن الولي، حق لكل من المراهق أو المراهقة أن يطلب فسخ الزواج في مدة ستة أشهر تبدأ من تاريخ بلوغهما سن الزواج ضمن القانون.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة