الفرق بين الصحفي والإعلامي

tag icon ع ع ع

علي عيد

هل ثمة فرق بين الصحفي والإعلامي، وعلى ماذا يختلف الكثيرون في تعريف ومعنى المفردتين، ذلك سؤال لا تنطوي الإجابة عنه على تعقيدات ولا ترتبط بفقه لغوي، وإنما بتطور وسائل الإخبار ونقل المعلومة والأساليب المستخدمة في ذلك، وكذلك بدخول اختصاصات مختلفة في عالم مهنة الصحافة أو الإعلام.

ارتبطت مفردة صحفي بالصحيفة، وهي الوسيلة التقليدية التي ظهرت على الورق في أوروبا بالقرن الـ16، لكن الكتابة على الورق أو الجلود أو الصحائف قديمة قدم التاريخ، وليس كل من كتب على الصحف أو الصحائف صحفيًا.

جاءت مفردة الصحف في الكتب السماوية والشعر، مثل “صحف إبراهيم وموسى” التي ورد ذكرها في سورة “الأعلى” بالقرآن، دلالة على معنى ما كتب وليس على الوسيلة التي جاء عبرها، وقال “أبو تمام”، الشاعر العربي ابن حوران قبل نحو 1200 عام، “بِيضُ الصفائح لا سودُ الصحائف.. في متونهنّ جلاء الشَّك والرّيب”، والصفائح هنا هي السيوف أما الصحائف فهي ما خطّه العرّافون والمنجّمون في كتبهم وفتاواهم.

عرّف معجم “المعاني” الصحيفة بأنها “ما يكتب فيه من وَرَقٍ ونحوه ويطلق على المكتوب فيها والجمع: صُحُفٌ”. ولهذا، فالمصحف وفق المعجم هو “مجموعٌ من الصُّحُف في مجلَّد، وغلب استعماله في القرآن الكريم”، أما الصحفي فهو “مَنْ يزاول حرفة الصِّحافة”، والصحّاف هو “من يعمل في صناعة الصحف أو بيعها”.

وكتب البشر قبل الورق على جدران الكهوف والصخور وأوراق البريدي والطين، فهي صحائف بطبيعة الحال.

أما الإعلامي في اللغة العربية، فهو بحسب معجم “المعاني”، “كل من تكون مهنته تأليف أو إعداد أو تحرير أو تحليل أو جمع المعلومات بغية نشرها في وسيلة إعلامية”.

بينما يعرف المعجم وسائل الإعلام على أنها، “كل الوسائل التي تستعمل من أجل إيصال الأخبار إلى المجتمع كالجرائد والمجلات والتلفزة والمذياع”.

ظهرت تعريفات غير مدروسة تميز بين الصحفي والإعلامي، على اعتبار أن الأول هو من يعمل في الصحيفة، والثاني يعمل في وسائل إعلامية أخرى، وهو تعريف غير دقيق، لأن الصحيفة، بطبيعة الحال، هي وسيلة إعلامية، وبالتي من يعمل فيها هو إعلامي بالضرورة.

وإذا كان الأصل في ذلك كله هو فعل أعلم، بفتح اللام والميم، أو علم، بفتح العين وكسر اللام، فالأدعى ألا نسمي مصور التلفزيون (Cameraman)، أو تقني المونتاج أو “المونتير” (Monteur)، وغيرهم ممن يعتبرون جزءًا مهمًا من عمل الإعلام، إعلاميين، لكن الحال ليست كذلك، فالاعتماد على اللغة دون فهم الغايات في تكوين تعريفات للصحفي والإعلامي لا تحقق الهدف، وقد تنشأ عنها مغالطات كبيرة.

يمكن تسمية كل من يسهم في دورة عمل وسيلة الإعلام إعلاميًا، إذا اعتبرنا أن المفردة تشير إلى الحرفة، سواء كان تقنيًا أو منتج أخبار وبرامج أو مقدمها، أو مهندس بث أو مبرمجًا مشرفًا على النشر أو البث.

وقد يكون الأدعى في التمييز بين مفردتي الصحفي والإعلامي، هو محتوى ما يعملان عليه واختصاصاتهما، فتقني البث لا يعرف عن المحتوى الذي يبثه، والاستثمار فيه يتعلق بمعرفته العلمية بالبرمجة وتصنيف وترتيب عمليات البث وجودتها الفنية، وهو بالتالي مهندس إعلامي وليس صحفيًا، أما منتج الأخبار، فالاستثمار فيه يتعلق باطّلاعه الواسع ولغته وتقديره وتقييمه للمحتوى وإتقانه للغة، وتحديده الأدوات المطلوبة لدعم هذا المحتوى، وهو منتج صحفي سواء كان يعمل في صحيفة أو تلفزة أو موقع إلكتروني.

ما يحصل عند العرب في استخدام المفردات للدلالة على مهنة العامل في الصحافة والإعلام هو أكثر تعقيدًا منه عند الغرب، فكلمة صحيفة بالفرنسية هي “Journal”، ويعرفها قاموس “إكسفورد” بأنها “صحيفة أو مجلة تتعامل مع موضوع معين أو نشاط مهني معين”، وكذلك “سجل يومي للأخبار والأحداث ذات الطبيعة الشخصية، مذكرات”.

ويعرف نفس المعجم الصحفي (Journalist) بأنه “الشخص الذي يكتب للصحف أو المجلات أو المواقع الإخبارية أو يعد الأخبار ليتم بثها”.

ويعرف معجم “لاروس” (Larousse) الفرنسي، الصحفي بأنه، “الشخص الذي تتمثل مهنته الرئيسة المنتظمة والمأجورة في ممارسة الصحافة في واحد أو أكثر من الوسائط المكتوبة أو السمعية البصرية”.

ليس معلومًا أن اللغتين الإنجليزية والفرنسية طوّرتا تعبيرًا آخر أو مفردة رائجة غير مفردة “صحفي” (Journalist) للدلالة على من يعمل في هذه المهنة، وربما يكون اختلاف الأمر عند العرب مردّه إلى أنهم يريدون التمييز بين تشعبات المهنة وتقسيمها إلى طبقات، علمًا أنهم، وخلال القرون الخمسة الماضية، ليسوا جزءًا من أي تطوير طال عالم الإعلام والصحافة ابتداء من الطباعة الآلية على الورق و”التلكس” والراديو والتلفزة، وانتهاء بشبكة الإنترنت وما وفرته من أساليب جديدة للنشر والبث والإخبار.

هل يعتبر الخلاف على التمييز بين كلمتي صحفي وإعلامي عيبًا؟ لا يبدو الأمر كذلك، فبالإمكان تطوير مفردات اللغة ونحتها وتوليدها إلى ما نهاية، تبعًا لنشوء مهن واختصاصات واختراعات جديدة، لكن العيب في هذا “خلط الحابل بالنابل” لصبغ قيمة لا معنى لها وليس لتحديد دور، على الرغم من أن “الحابل” يصيد بحباله، و”النابل” بنباله، وكذا الصحفي والإعلامي.. وللحديث بقية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة