تعا تفرج

لا للعقل.. لا للتنوير

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

قال المفكر التنويري السعودي الراحل عبد الله القصيمي، ما معناه أن الوهابية، والحركات الجهادية الإسلامية، تسامح مختلف أنواع الفاسدين واللصوص والقتلة، ولكنها لا تسامح أصحاب الفكر!

هذا الكلام يشير إلى فكرة، ملخصُها أن مجتمعاتنا العربية الإسلامية تتألف من فئتين رئيستين، الأولى تضم عامة الناس، الذين يمضون في الحياة دون أن يفكروا، أو يبدعوا، أو يقدموا شيئًا لبلادهم، والثانية، هي الفئة القليلة التي تقدم فكرًا مختلفًا، نافعًا، خلاقًا، والأمر الغريب، المريب، أن الفئة اللامبالية تحارب الفئة التي تفكر، وتبدع، وتخاطر بحياتها من أجل الإصلاح.

المفكرة التنويرية المصرية الدكتورة نوال السعداوي، توصلت إلى معرفة سبب العداء الاجتماعي للتنويريين، بأن وعي الناس، في بلادنا، تعرض للتزييف، عبر العصور، فصاروا ينظرون إلى أي إنسان حقيقي، غير مزيف، بارتياب، وعدوانية، ويصل بهم الأمر إلى حد قتله، فكأنهم يخافون على التجانس الذي كانوا يعيشونه قبل ظهور ذلك الإنسان التنويري.

وللأمانة، وتأكيدًا لفكرة نوال السعداوي، فإن التنويريين الذين ظهروا في أمتنا، خلال مئة سنة الأخيرة، تعرضوا لنوعين من القتل، معنوي، ومادي، فطه حسين الذي أراد أن يُدخل مبدأ الشك الديكارتي إلى تراثنا، مؤملًا أن يعاد النظر فيه، والخروج بنتائج جديدة، هبت عليه عاصفة من ردود الفعل الغاضبة، كادت أن تقتلعه من جذوره، فما عاد يعرف ما يفعل أمام سيل السباب، والتكفير، والتهديد، ومواجهة كتابه “في الشعر الجاهلي”، ظهرت كتب كثيرة، تدينه، وتسخف أفكاره، وراح مصطفى صادق الرافعي، قلب هجوم الغاضبين، يخاطبه بلقب “المستر طه حسين”، لأنه كان يرى فيه مستشرقًا معاديًا لتراثنا، وثقافتنا، وحضارتنا، وديننا، ولم يكتفوا بذلك، بل رفعوا عليه قضية، وأحالوه إلى القضاء، ومن حسن الحظ، أن القاضي الذي تولى قضيته، الأستاذ محمد نور، كان متنورًا، وعادلًا، فقرأ الكتاب، وقدم مطالعة راقية، اعتبر ما جاء فيه ينتمي إلى البحث العلمي، والرأي الذي لا يجوز مقارعته بغير الرأي، وأعلن منع محاكمته.

ما تعرض له طه حسين أدى، في المحصلة، إلى تنازله عن الكثير من زخمه العلمي، ووافق على حذف بعض الفصول من كتابه، وتغيير اسمه، ليصبح “في الأدب الجاهلي”. وما حصل مع الشيخ الأزهري علي عبد الرازق كان ذا جرعة أقوى، والسبب أنه، وبينما كان الحزن يلف المجتمعات العربية على سقوط الخلافة العثمانية، التي كانت تحتل بلادنا باسم الدين، طلع عليهم بكتاب صادم، ملخصه أن الإسلام لم يترك للناس نظام حكم معينًا، وأن فكرة الخلافة ليست إسلامية أصلًا، بدليل أن صحابة النبي محمد، المهاجرين والأنصار، اختلفوا عن أحقية أي منهم بالحكم، وفاز الفريق القرشي، بضغط من الصحابي عمر بن الخطاب، واضطر الجميع لمبايعة أبي بكر، وبعد وفاته انتقلت إلى عمر، بوصية منه، وإلى عثمان، بناء على توصية بضعة رجال اختارهم عمر.

ولعله من المحزن، حقًا، أن الثورة التي اندلعت في وجه علي عبد الرازق وصلت إلى حد أنه رفض فكرة طباعة كتابه، مرة أخرى، وهدد صاحبَ فكرة الطباعة برفع دعوى عليه، فيما لو طبعه!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة