tag icon ع ع ع

كان الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وأربع محافظات سورية نقطة فارقة في حياة السوريين، وتركت “كارثة القرن” أضرارًا لا تزال حاضرة، وتفاصيل مؤلمة في ذاكرة الناجين، وأسفر عن مقتل نحو 6000 شخص في عموم سوريا، وأكثر من 56 ألف شخص في تركيا.

أرواح سورية انتهت أنفاسها تحت الركام فكان الموت قدرًا محتومًا، وأخرى خرجت فضاقت بها سبل الحياة ومنحتها خيارات محدودة، وسط واقع اقتصادي ومعيشي مترد يلقي بظلاله على السوريين منذ سنوات ويتفاقم تلو الأيام، ونشأت عن الزلزال احتياجات متراكمة من مسكن وغذاء وخدمات طبية لا حصر لها.

تسلّط عنب بلدي في هذا الملف الضوء على وضع السوريين بعد عام على الزلزال، وتعرض شهادات لمتضررين، وحجم الدعم المقدّم سواء من قبل السلطات أو المنظمات غير الحكومية، ومن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

عام على الكارثة

في 6 من شباط 2023، وقع زلزال مركزه ولاية كهرمان مرعش التركية بشدة 7.7 درجة على مقياس “ريختر”، ملحقًا الضرر بأربع محافظات سورية، تبعه زلزال آخر في الولاية ذاتها، بشدة 7.6 درجة، في ظهيرة اليوم نفسه، تبعه بساعات إعلان كل من فريق “الدفاع المدني السوري” و”الحكومة المؤقتة” وحكومة “الإنقاذ” الشمال السوري منطقة “منكوبة”.

سابقت الفرق التطوعية والأهالي والجهات المحلية شمال غربي سوريا الزمن لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض، بعد الزلزال الذي أسفر عن تسجيل أكثر من 4500 حالة وفاة وأكثر من 10400 إصابة في شمال غربي سوريا، وشرّد أكثر من 57 ألف عائلة بعد أن تأثرت به ما لا يقل عن 148 مدينة وبلدة، ودمّر أكثر من 1869 بناء بالكامل، ولحقت أضرار جزئية بأكثر من 8731 مبنى.

ووسط ضعف الإمكانيات وتأخر وصول المساعدات من معدّات وآليات بتذرع أممي بوجود عوائق لوجستية على مدار أربعة أيام من الزلزال، أرجع خبراء وناشطون في المجال الإنساني أسبابه في حديثهم لعنب بلدي إلى أن الأمم المتحدة “خذلت السوريين”، وأظهرت إهمالًا واضحًا لاحتياجاتهم خلال الكارثة.

وفي مناطق سيطرة النظام السوري، تسبب الزلزال بوفاة 1414 شخصًا في محافظات حماة وحلب واللاذقية، وجاء في تقرير “اللجنة العليا للإغاثة”، أن عدد الأسر المتضررة بلغ 91 ألفًا و794 أسرة، بعدد أفراد بلغ 414 ألفًا و 304 أشخاص، وبلغ عدد الذين أنقذوا من تحت الأنقاض 1553 شخصًا، والمفقودين ستة أشخاص.

قيد الانتظار

إثر الزلزال، فقد أنس (35 عامًا) وهو مهجر من مدينة حماة، ولده البكر مالك (9 سنوات) بعد انهيار البناء الذي كانوا يقطنون فيه في مدينة جنديرس بريف حلب، وذلك خلال محاولتهم الخروج بعد شعورهم بترنح البناء، كما فقد ممتلكات المنزل من أثاث ومتاع.

يعيش أنس حاليًا مع زوجته وأطفاله الثلاثة في خيمة قرب جنديرس، وقال لعنب بلدي إن حجم الفقد كبير، وإن “أهل الخير والنخوة” ساعدوه، لكن في ظل حجم الكارثة كانت الإمكانيات غير كافية، لافتًا إلى أن المساعدات لن تعوض ما فقده.

يواجه الشاب وعائلته ظروفًا صعبة تحت سقف خيمتهم المتعبة من برودة الطقس، مضيفًا أن أجرة عمله باليومية لا  تسمح له بتحسين ظروفه، فهو يعمل يوم ويتوقف أيامًا.

من جانبه، ماجد محمد العموري (40 عامًا) يواجه ظروفًا مشابهة، إذ فقد أربعة أشخاص تحت أنقاض منزله (الإيجار) في جنديرس، وأُصيب شخصان من عائلته التي كانت مؤلفة من 13 شخصًا، وقال لعنب بلدي إنه يقطن حاليًا في خيمة ضمن أرض قرب جنديرس لكنه معرض للخروج منها.

وبعد الزلزال، فقد العموري عمله كإعلامي مع وكالة “طيف للدراسات” التي عمل بها منذ ثلاث سنوات، إذ تحطمت معداته، ولم يتلقَ أي تعويض أو مساعدة من أي جهات إعلامية أو غيرها، رغم تقدمه بطلبات كثيرة للعمل أو التعويض.

مصلون يؤدون صلاة الجنازة على ضحايا -توفوا إثر الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا- في جنديرس شمالي حلب- 8 من شباط 2023 (الدفاع المدني)

مصلون يؤدون صلاة الجنازة على ضحايا -توفوا إثر الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا- في جنديرس شمالي حلب- 8 من شباط 2023 (الدفاع المدني)

أما حسين (34 عامًا)، فلم يستطع الاستفادة من خدمات الجمعيات الخيرية في مدينة اللاذقية، ليحصل منها على تمويل ليستأجر منزلًا بعد تهدم منزله جراء الزلزال.

لجأ الشاب وعائلته المؤلفة من زوجة وطفلين نجو بأعجوبة من موت محقق ليلة الزلزال، إلى الاستئجار في مدينة جبلة، واختاروا مرغمين سكنًا في أحد الأقبية التي لا تؤمن جوًا صحيًا للطفلين نتيجة الرطوبة العالية، لكون إيجارها أقل على العائلة ولا يتجاوز الـ250 ألف ليرة سورية.

انتظرت العائلة لأكثر من عشرة أشهر أن تتسلم سكنًا مؤقتًا أو بديلًا دون جدوى، لتنتقل مع بداية العام الحالي إلى منزل صحي أكثر بإيجار 550 ألف ليرة شهريًا، بعد مساعدة حصل عليها الشاب من عائلته وعائلة زوجته، عطفًا منهم على حالة طفليه.

جرّب حسين أن يطرق كل الأبواب الممكنة للبحث عن مساعدة، لكن دون جدوى، فقرض الـ200 مليون ليرة سورية لا يمكن أن يحصل عليه لكون منزله المهدّم يقع بمنطقة المخالفات، ووعود الحكومة بتأمين سكن بديل لم تتحقق.

أبنية متضررة إثر الزلزال في العسالية بمدينة جبلة بريف اللاذقية - 1 من شباط 2024 (عنب بلدي/ ليندا علي)

أبنية متضررة إثر الزلزال في العسالية بمدينة جبلة بريف اللاذقية – 1 من شباط 2024 (عنب بلدي/ ليندا علي)

واقع مأساوي

بعد سنوات من مواجهة المواطن السوري وحيدًا لموجات ارتفاع الأسعار وغياب القدرة على تأمين حاجيات عائلته الأساسية، وتدهور الليرة أمام العملات الأجنبية، مع غياب أي حلول تنتشله من أزماته المتلاحقة، كان الزلزال بمثابة الضربة القاضية التي أجهزت على شرائح واسعة من الشعب السوري وآماله بتأمين أبسط احتياجاته.

ويعيش ما يقارب 90% من السوريين تحت خط الفقر، وهناك 15.3 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ويبلغ متوسط تكاليف المعيشة في مناطق سيطرة النظام أكثر من 10.3 مليون ليرة سورية، والحد الأدنى لتكلفة المعيشة 6.5 مليون ليرة، بينما لا يتجاوز الحد الأدنى للرواتب الحكومية 186 ألف ليرة (الدولار 14650 ليرة).

ويعيش في الشمال السوري، حيث تسيطر المعارضة، مليونا شخص في المخيمات من إجمالي 2.9 مليوني نازح، وذلك في منطقة يقطنها 4.5 مليون شخص، ويعاني فيها 3.7 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي، وفق بيانات الأمم المتحدة الأحدث.

ووصل حد الفقر المعترف به إلى 9314 ليرة تركية، وحد الفقر المدقع إلى 6981 ليرة تركية، ووصلت نسبة البطالة إلى 88.74% بشكل وسطي (مع اعتبار أعمال المياومة ضمن الفئات المذكورة)، بينما يبلغ الحد الأدنى للرواتب في إدلب حيث تسيطر “الإنقاذ” وأرياف حلب حيث تسيطر “الحكومة المؤقتة” بين 1140 و1500 ليرة تركية (الدولار 30.2 ليرة تركية).

الشمال.. دعم خجول والاحتياج ضخم

في الشمال السوري، تتقاسم منظمات إنسانية وإغاثية وفرق تطوعية وحكومتا “الإنقاذ” و”المؤقتة” جهود الاستجابة للأضرار المتتالية التي تلاحق الأهالي، لكن قدرتها محدودة أمام سيل من كوارث بأسباب طبيعية وبشرية متتالية.

مدير مديرية متضرري الزلزال في حكومة “الإنقاذ”، عمار نجار، قال لعنب بلدي إن عدد المتضررين من الزلزال بلغ 47263 عائلة، عملت “الإنقاذ” بالاشتراك مع الجهات الدولية على تغطية أكثر من 12% من العائلات المتضررة، وذلك بسبب قلة الدعم الأممي المخصص لمناطق الشمال السوري.

وأوضح أن وزارة التنمية في حكومة “الإنقاذ” افتتحت 114 مركز إيواء للمتضررين، وقدّمت أكثر من 11000 سلة غذائية، و1500 مدفأة وأكثر من 1800 سلة طوارئ، ونقلت 5000 عائلة من مراكز الإيواء الى كتل سكنية “بيتونية”، كما نقلت 400 عائلة من مراكز الإيواء إلى “كرافانات”، وأسكنت 60 عائلة أيتام بسبب الزلزال في مشروع سكني “خير التجار”، كما أسكنت 30 عائلة من متضرري الزلزال في مشروع “أجيال السكني”.

وذكر نجار أن حجم الاحتياج ضخم، ولا يزال الأهالي يعانون من تبعات الزلزال إلى اليوم، ولا يزال هناك متضررون دون سكن، أو ضمن مركز إيواء نشأت وقت الزلزال، رغم أن هذه المراكز لم تنشئ للإقامة الدائمة، لكن بسبب عدم وجود البديل مازالوا يقطنون فيها، مضيفًا أن الوزارة سخرت كل إمكانياتها لخدمة المتضررين في ظل دعم خجول من الجهات الإنسانية الذي لا يرقى لحجم المصاب. 

وأهم الاحتياجات الحالية للأهالي، وفق نجار، تأمين سكن دائم وكريم لهم، وإعادة بناء المنازل التي تضررت من الزلزال، وإيجاد عمل أو مصدر رزق دائم لمن فقدو عملهم ومصدر رزقهم، وتأمين جميع أنواع الدعم العيني والمادي من سلل غذائية وطوارئ ومبالغ نقدية.

وعن العقبات أمام حكومة “الإنقاذ” لتنفيذ استجابة دائمة، قال نجار إنها تتمثل بشح الموارد المالية الكافية لإعادة الأعمار، وقصف قوات النظام المتكرر والمستمر على  المناطق، حتى إنه طال بعض المخيمات التي يقطنها متضرري الزلزال، بالإضافة إلى ضيق المساحة الجغرافية وكثافة السكان فيها، وقلة فرص العمل في المنطقة.

فرق إنقاذ وسكان متطوعون يبحثون عن الضحايا والناجين وسط أنقاض المباني المنهارة إثر زلزال ضرب مناطق شمال غربي سوريا في قرية بسنيا بالقرب من مدينة حارم على الحدود السورية التركية- 7 شباط 2023 (عنب بلدي/ محمد نعسان دبل)

فرق إنقاذ وسكان متطوعون يبحثون عن الضحايا والناجين وسط أنقاض المباني المنهارة إثر زلزال ضرب مناطق شمال غربي سوريا في قرية بسنيا بالقرب من مدينة حارم على الحدود السورية التركية- 7 شباط 2023 (عنب بلدي/ محمد نعسان دبل)

وبعد مرور عام على الزلزال، أعلن “الدفاع المدني السوري” أنه نفّذ مشروعًا للإصحاح في مخيمات “كفركرمين” و”الكمونة” لتخديم 7000 مسكن مؤقت لمتضرري الزلزال والمهجرين، شملت شبكات مياه الشرب بطول 50 ألف متر، وشبكات للصرف الصحي بطول 90 ألف متر.

وأهّلت فرق “الدفاع المدني” وزفّتت طرقات حيوية بطول يتجاوز 28 كيلومترًا، وبدأت بإعادة بناء مدرسة في جنديرس تستقبل 4000 طالب، وعملت على خطوات لترميم عشرات المدارس المتضررة.

وبدأت فرق “الدفاع المدني” تأهيل نحو 20 مرفقًا طبيًا تضرر بسبب الزلزال، وتشكيل تحالفات لتعزيز مستقبل أكثر صحة للمجتمعات، وساعدت بترميم عدد من دور العبادة، وبناء مسجد في قرية الملند غربي إدلب.

وأطلقت منظمات وجمعيات وناشطون حملات لدعم المتضررين من الزلزال في الشمال السوري، كان معظمها مواد إغاثية وعينية، والقليل منها توجه نحو إعادة الترميم أو بناء تجمعات ومشاريع سكنية، من بينها حملة أطلقها فريق “ملهم التطوعي” العامل بالشمال السوري وفي تركيا، كانت بعنوان “قادرون”، بهدف جمع مبلغ 20 مليون دولار أمريكي كمرحلة أولى لإعمار أربعة آلاف منزل، بتكلفة خمسة آلاف دولار للمنزل الواحد، شمال غربي سوريا.

وجمع “ملهم” ضمن الحملة، أكثر من 13 مليون دولار أمريكي، المبلغ الذي يكفي تقريبًا لبناء 2000 منزل من أصل أربعة آلاف، على اعتبار أن تكلفة تأمين المنزل الواحد تصل إلى نحو خمسة آلاف دولار.

وفي تموز 2023، أعلن الفريق عن أول مشاريع حملة صندوق “قادرون” باسم “هلال ملهم السكني” في مدينة حارم شمالي إدلب، بمساحة 39 ألف متر مربع، ويحتوي المجمع على 25 مبنى بعدد 352 شقة سكنية، و16 محلًا تجاريًا، وأعلن الفريق اليوم، الثلاثاء 6 من شباط افتتاحه.

شوارع مدينة جنديرس بريف حلب بعد الزلزال الذي ضرب شمالي غربي سوريا - 24شباط 2023 (عنب بلدي/ أمير خربطلي)

شوارع مدينة جنديرس بريف حلب بعد الزلزال الذي ضرب شمالي غربي سوريا – 24شباط 2023 (عنب بلدي/ أمير خربطلي)

في مناطق سيطرة النظام

خطط عمرانية لم تبصر النور

استجابة لـ”كارثة القرن”، أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، مرسومًا يقضي بإحداث صندوق مالي باسم “الصندوق الوطني” لدعم المتضررين من الزلزال، عن طريق تقديم الدعم المالي لمعالجة الأضرار الجسدية أو المادية أو المعنوية التي لحقت بهم.

وحدد المرسوم موارد “الصندوق” المالية من اعتمادات مخصصة ترصد في الموازنة العامة، ومن المنح والإعانات والتبرعات والمساهمات المالية ذات الطابع المحلي والدولي التي تقدمها الدول والمنظمات والمؤسسات والشركات والأفراد، ومن الفوائد المصرفية لإيداعات “الصندوق”، على أن يفتح له حساب أو أكثر لدى المصارف العاملة.

وبعد عام على الزلزال، لم تسلم حكومة النظام أي من فاقدي منازلهم بسبب الزلزال بيوتًا بديلة.

320 شقة قيد الإنشاء في اللاذقية

في محافظة اللاذقية، تقوم المؤسسة العامة للإسكان ببناء مساكن بديلة لمتضرري الزلزال، دون أن تنتهي من تشييدها حتى الآن.

وقال مدير فرع المؤسسة العامة للإسكان في اللاذقية، كنان سعيد، نهاية كانون الثاني الماضي، إن تنفيذ الأعمال مستمر بوتيرة “جيدة” في المواقع التي تشيدها المؤسسة بالتعاقد مع شركات إنشائية وطنية كالإنشاءات العسكرية والبناء والتعمير.

وتشمل مجمل المشاريع في المحافظة ثمانية أبنية برجية تضم 320 شقة سكنية بين جبلة واللاذقية (كل برج 10 طوابق 40 شقة بنموذج موحد مساحتها 100 متر مربع مؤلفة من غرفتين وصالون بإكساء كامل).

ومن المتوقع تسليم الدفعة الأولى من الشقق بين نيسان وأيار المقبلين، وما تبقى بين أيلول وتشرين الأول المقبلين، وفق مدير فرع المؤسسة.

ويستفيد من هذه الشقق 150 شخصًا في جبلة واللاذقية، هم ممن يملك سكنًا مهدمًا في منطقة غير منظمة، ومن يملك مسكنًا مهدمًا في منطقة منظمة، أو ممن تعرضت مساكنهم للانهيار الكامل.

ولا يمكن لأحد في محافظة اللاذقية الإجابة على سؤال، ماذا ينتظر المتضررين؟ ببساطة لأن لا أحد يعرف، نتيجة المركزية الشديدة من جهة، ونتيجة وجود إهمال واضح بهذا الملف من جهة ثانية.

وبعد سؤال العديد من الموظفين في المحافظة وبعض البلديات، أجمعوا أنهم لا يعرفون شيئًا بعد، وهم بانتظار التعليمات التي تأتي من دمشق، ولا يمتلكون أدنى معلومة عن مستقبل المتضررين.

ويشاع في محافظة اللاذقية حاليًا خبر متداول، مفاده أن الإمارات قررت منح المتضررين مبالغ مالية، لكن لا يوجد أي شيء رسمي بهذا الخصوص، ما يعني أنها ربما تكون عبارة عن أمنيات.

لا تزال آثار الأبنية المتضررة من الزلزال موجودة بمدينة جبلة بريف اللاذقية بعد عام على حدوثه - 2 من شباط 2024 (عنب بلدي/ ليندا علي)

لا تزال آثار الأبنية المتضررة من الزلزال موجودة بمدينة جبلة بريف اللاذقية بعد عام على حدوثه – 2 من شباط 2024 (عنب بلدي/ ليندا علي)

بيروقراطية وخلافات في حلب

في محافظة حلب، لا يجري تنفيذ المخططات التنظيمية ومتابعة ما خلفه الزلزال من أضرار كبيرة على المباني، وخاصة في المناطق العشوائية في مدينة حلب كما يجب، في ظل الإجراءات الروتينية والبيروقراطية التي يعمل وفقها مجلس مدينة حلب.

مدير فرع المؤسسة العامة للإسكان في حلب، سالم حبيب، قال إن نسبة الإنجاز في مشروع “المعصرانية” الذي يتضمن بناء أربعة محاضر بواقع 120 شقة سكنية، بلغت 100 % على الهيكل، علمًا أنه تم إنفاق 22 مليار ليرة مع تقدم أعمال الإكساء بنسبة 70%، بينما تستكمل عمليات بناء مشروع “الحيدرية”، الذي يتضمن بناء أربع برمجيات، تضم 320 شقة سكنية وفق البرنامج المحدد لها، بحسب قوله.

وفي كانون الثاني الماضي، استغرب وزير الإسكان في حكومة النظام، سهيل عبد اللطيف، من سير عمل الجهات المعنية في حلب، وتحديدًا مؤسسة الإسكان في تنفيذ الأبنية السكنية المخصصة للمتضررين من الزلزال والإجراءات المتبعة من مجلس مدينة حلب ونقابة المهندسين بخصوص الكشف على الأبنية المتضررة.

ولم يكن يوجد هناك إنجاز فعلي وتحديدًا في مشروعي “الحيدرية والمعصرانية”، والتي سيتم الانتهاء من بناء المشروع خلال نهاية آذار المقبل، في حين لا يوجد أي إنجاز فعلي فيما يخص الأعمال الإدارية، مطالبًا بإيجاد حلول سريعة للمشكلات التي تعرقل تنفيذ عمليات مسح الأبنية المتضررة في مدينة حلب.

ويسود خلاف بين مجلس مدينة حلب ونقابة المهندسين، خاصة أن اجتماعًا عقد في العاصمة دمشق، خلص منذ شهرين إلى وضع خطة عمل وصيغة واضحة لكل النقاط المتعلقة بالكشف الحسي وتقارير السلامة العامة وتعويضات المهندسين، لكن يبدو أن كل ما طرح في الاجتماع لم ينفذ رغم حضور كل من رئيس مجلس مدينة حلب ورئيس نقابة المهندسين.

مساعدات أممية وأوروبية

لا تلبي الحاجة

بعد أيام على حدوث الزلزال، أشارت التقديرات الأممية إلى أن نحو 8.8 مليون شخص في سوريا متأثرون بالزلزال ويحتاجون إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية.

نائبة المندوب الأممي إلى سوريا، نجاة رشدي، قالت حينها إن 4.1 مليون شخص يعتمدون على المساعدات الإنسانية في شمال غربي سوريا للعيش، إلى جانب تضرر ما يصل إلى أربعة ملايين شخص في حلب وحماة واللاذقية وطرطوس وإدلب، جراء الزلزال.

وفق البيانات الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، تبلغ قيمة خطة الاستجابة الإنسانية لسوريا لعام 2023، 5.41 مليار دولار أمريكي، استطاعت حتى الآن الحصول على 1.79 مليار دولار ما يعني 33.1% من حجم الاحتياجات، وذلك حتى نهاية كانون الأول 2023.

الأمم تطالب بزيادة التمويل

لم تعمل الأمم المتحدة على برنامج واضح يهدف إلى تعويض متضرري الزلزال من ناحية المأوى، واحتلت المساعدات النقدية الأممية متعددة الأغراض على وجه الخصوص مكانة بارزة في سوريا في الاستجابة للزلزال نظرًا لمرونة الأسواق المحلية، ولتتمكن الأُسر من شراء ما يحتاجونه إليه من اختيارهم، كل ذلك مع تحفيز الاقتصاد المحلي.

وفي غضون أسبوع من وقوع الزلزال، تم توزيع 1.8 مليون دولار من الأموال النقدية متعددة الأغراض على 13 ألف أسرة متضررة، إما بلا مأوى أو نازحة أو بحاجة إلى رعاية طبية، وقد ارتفع هذا الدعم بشكل كبير منذ ذلك الوقت، وفق تقرير صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.

وحتى 15 من تشرين الثاني 2023، تلقت حوالي 215 ألف أسرة (ما يقارب مليون شخص) أموالًا نقدية متعددة الأغراض بقيمة 32 مليون دولار منذ بداية عام 2023.

حول استجابة الأمم المتحدة في قطاع المأوى، قال نائب المتحدث الرسمي باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، جينز لاركي، لعنب بلدي، إن الأمم المتحدة اتخذت إجراءات عاجلة للاستجابة وتعبئة الموارد بعد الزلازل الهائلة، وسرعان ما أطلقت نداءًا عاجلاً بقيمة 398 مليون دولار أمريكي لمساعدة 4.9 مليون شخص في سوريا ممن تضرروا من الزلازل، وقد تم تمويل هذا النداء بالكامل من قبل الجهات المانحة، كما شارك صندوق الأمم المتحدة المركزي لمواجهة الطوارئ التابع للأمم المتحدة.

أتاحت هذه الأموال توفير الغذاء والمأوى والإسعافات الأولية والدعم النفسي والاجتماعي للسوريين المحتاجين وساعدت في المهمة الحاسمة المتمثلة في إزالة الأنقاض، وفق لاركي.

كما تمت مراجعة خطة الاستجابة الإنسانية السنوية لسوريا لعام 2023، والتي كانت قائمة بالفعل، إلى 5.4 مليون دولار لمراعاة الاحتياجات الإنسانية المتزايدة بعد الزلزال، وتلقت هذه الخطة أكثر من 2 مليار دولار، بحسب لاركي.

وأوضح لاركي، أن كلا النداءين يعكس الحاجة الماسة لتوفير مأوى وسكن إضافي للسوريين بعد الزلازل، وقد تلقى أكثر من نصف مليون شخص في سوريا دعمًا للمأوى في عام 2023. 

وحتى قبل وقوع الكارثة، كان لدى الأمم المتحدة خطة عمل لتوفير المزيد من الوقت، وحدات إيواء مؤقتة للمحتاجين، ومنذ آذار 2022، ساعدت الأمم أكثر من 31 ألف أسرة، بما في ذلك المتضررين من الزلازل.

ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى دعم إضافي للمأوى بشكل عاجل، وسيتطلب ذلك زيادة التمويل للاستجابة الإنسانية في سوريا، بحسب نائب المتحدث الرسمي باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).

وفد أممي من مختلف الوكالات خلال زيارته المناطق المتضررة من الزلزال في مدينة حارم بريف إدلب - 21 من شباط 2023 (عنب بلدي/ محمد نعسان دبل)

وفد أممي من مختلف الوكالات خلال زيارته المناطق المتضررة من الزلزال في مدينة حارم بريف إدلب – 21 من شباط 2023 (عنب بلدي/ محمد نعسان دبل)

الاتحاد الأوروبي: إغاثية وإنسانية

قدم الاتحاد الأوروبي مساعدات إنسانية إغاثية لمتضرري الزلزال لم تشمل السكن البديل، وفي 20 من آذار 2023 عقدت المفوضية الأوروبية مؤتمرًا طارئًا لتغطية الاحتياجات الإنسانية والمساعدة في إعادة إعمار المناطق المتضررة في تركيا، بينما سيُخصص الدعم لسوريا للمساعدة في تلبية الاحتياجات الإنسانية ودعم التعافي المبكر.

وضمن هذا المؤتمر، تعهد المانحون الدوليون ضمن مؤتمر “المانحين” بتقديم سبعة مليارات يورو، منها 950 مليون يورو لسوريا على شكل منح، و6.05 مليار يورو على شكل منح وقروض لتركيا.

وفي حزيران 2023، وفي مؤتمر “بروكسل” بنسخته السابعة من أجل “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” تعهدت الدول المشاركة، بمبلغ 9.6 مليار يورو، على شكل منح وقروض، من أجل تمويل الناس في سوريا والدول المجاورة التي تستضيف اللاجئين السوريين.

دانيال بوجليسي، المسؤول الصحفي للمساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات في المفوضية الأوروبية، قال لعنب بلدي، إنه بالنسبة لسوريا، حشد الاتحاد الأوروبي أكثر من 100 مليون يورو، منها 75 مليون يورو في صورة مساعدات إنسانية من الاتحاد الأوروبي، لدعم الاحتياجات الطارئة المنقذة للحياة للسكان الضعفاء.

وأوضح بوجليسي، أن الاتحاد الأوروبي أرسل إمدادات من مستودعات قدرة الاستجابة الإنسانية الأوروبية في برينديزي ودبي، وكان الهدف هو دعم جهود الإغاثة في جميع أنحاء البلاد.

كما حشدت آلية الحماية المدنية التابعة للاتحاد الأوروبي المساعدة من 16 دولة أوروبية تم نقلها بالشاحنات عبر لبنان وتركيا إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة وغير الحكومية في سوريا.

خسائر بنحو 40 مليار دولار

في 17 من آذار 2023 قدّر البنك الدولي في تقرير له الأضرار المادية الناجمة عن الزلزال في سوريا بنحو 3.7 مليار دولار أمريكي، بينما تقدّر الخسائر بنحو 1.5 مليار دولار، ليصل إجمالي الأثر المقدّر إلى 5.2 مليار دولار.

وأوضح التقرير أن الخسائر التي تسبب بها الزلزال تشمل انخفاض الإنتاج في القطاعات الإنتاجية، وخسارة الإيرادات، وارتفاع تكاليف التشغيل في تقديم الخدمات.

واعتبر التقرير أن الإسكان هو القطاع الأكثر تضررًا (24% من إجمالي الأضرار) يليه النقل وقطاع البيئة المتعلق بالتكلفة المصاحبة لإزالة الأنقاض، ثم قطاع الزراعة.

ووفق التقرير، تقدّر احتياجات التعافي وإعادة الإعمار عبر المحافظات التي تم تقييمها بمبلغ 7.9 مليار دولار أمريكي، إذ تبلغ احتياجات السنة الأولى بعد الزلزال نحو 3.7 مليار دولار أمريكي، و4.2 مليار دولار أمريكي في العامين التاليين.

وسجل قطاع الزراعة أكبر الاحتياجات (27% من إجمالي الاحتياجات)، يليه الإسكان (18%)، والحماية الاجتماعية (16%)، والنقل (12%).

وقفة احتجاجية في قرية بسينا بريف إدلب تطالب المجتمع الدولي بالوقوف مع المتضررين وبتسهيل دخول المساعدات للمناطق المنكوبة جراء الزلزال المدمر الذي ضرب مناطق شمال غربي سوريا - 9 شباط 2023 (عنب بلدي/ محمد نعسان دبل)

وقفة احتجاجية في قرية بسينا بريف إدلب تطالب المجتمع الدولي بالوقوف مع المتضررين وبتسهيل دخول المساعدات للمناطق المنكوبة جراء الزلزال المدمر الذي ضرب مناطق شمال غربي سوريا – 9 شباط 2023 (عنب بلدي/ محمد نعسان دبل)

مقالات متعلقة