الحريري والعودة للبنان.. صفقة دولية بغياب النظام السوري

سعد الحريري وسط العاصمة اللبنانية بيروت في ذكرى اغتيال والده- 14 شباط 2023 (سعد الحريري/ فيس بوك)

camera iconسعد الحريري وسط العاصمة اللبنانية بيروت في ذكرى اغتيال والده- 14 شباط 2023 (سعد الحريري/ فيس بوك)

tag icon ع ع ع

أحدثت إمكانية عن عودة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، سعد الحريري، إلى الحياة السياسية اللبنانية، جدلًا واسعًا، في ظلّ الأزمات التي يعيشها لبنان، سياسيًا واقتصاديًا.

الحريري الغائب عن لبنان والسياسة المعقدة فيه، يعود للبنان في 14 من شباط الحالي، ضمن زيارة سنوية لزيارة ضريح والده، رفيق الحريري، الذي قتل في 2005، بتفجير في العاصمة بيروت.

حتى اليوم، لم يصدر أي تصريح عن الحريري، أحد أكبر ممثلي “الطائفة السنية” في لبنان، بالعودة للعمل السياسي المعلق منذ 2019.

المتغيرات الإقليمية والأزمتين الاقتصادية والسياسية، وتغير شكل الوجود السوري في لبنان، عوامل قد تدفع، ضمن تسوية دولية، لعودة رئيس الوزراء إلى الصورة مجددًا، بعد أربع سنوات من الغياب.

عودة وفق تسوية دولية

وضعت الحرب الأهلية اللبنانية أوزارها في عام 1990، عقب ما عُرف بـ”اتفاق الطائف”، وقبله بسنوات قليلة، ظهر على الساحة السياسية اللبنانية، رجل أعمال لبناني على صلة وثيقة بالعائلة الحاكمة السعودية، وهو رفيق الحريري.

وكان مقدّرًا للحريري أن يكون أحد أبرز الشخصيات السياسية في المنطقة حتى 2005، عام اغتياله في بيروت بانفجار ضخم، اتهم لاحقًا عناصر في “حزب الله” بتنفيذه.

خلال 15 عامًا، تولى رفيق الحريري رئاسة الوزراء مرتين، آخرها في 2004، وبعد الاغتيال، ورثه ولده سعد، سياسيًا، على رأس “تيار المستقبل”، ودخل رجل الأعمال الشاب وخريج جامعة جورج واشنطن في أمريكا، المعترك السياسي في أحد أكثر البلاد المعقدة سياسيًا.

ويقوم نظام الحكم في لبنان على أساس طائفي، إذ تذهب رئاسة الوزراء للطائفة السنية، ورئاسة مجلس النواب للطائفة الشيعية، فيما تذهب رئاسة الجمهورية،  للطائفة المسيحية المارونية.

تولى الحريري الابن رئاسة الوزراء في لبنان عقب انتخابات 2009، واستمر لعامين، ثم تولى المنصب مجددًا في 2016 وحتى 2019، وخلالها قدم استقالته من العاصمة السعودية، الرياض، وقيل حينها أنه احتجز من قبل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قبل أن تتدخل فرنسا ويُطلق سراحه.

منذ 2019، وعقب احتجاجات شعبية، غاب الحريري عن المشهد السياسي، وعلق عمله في هذا المجال في 2022، وفي 3 من شباط، نقلت قناة “mtv” اللبنانية، عن النائب السابق بكتلة “المستقبل” التابعة للحريري، سامي فتفت، قوله إن هناك احتمالًا لعودة الحريري للعمل السياسي.

معادلة “س-س” إلى الواجهة في لبنان بعد التقارب السعودي مع الأسد

ويبدو أن عودة الحريري اليوم، وفق ما أعلن أعضاء سابقون في “تيار المستقبل”، تأتي وفق تسوية دولية، تتزامن مع حملة شعبية شهدتها عدة مدن لبنانية طالبت بنزول أنصاره للشارع لمنعه من مغادرة لبنان.

وقال العضو السابق في التيار، مصطفى علوش، لعنب بلدي، إنه وفي عالم السياسة لا يمكن نفي أي احتمال، لأن الظروف والمتغيرات تتحكم بالاحتمالات، بما في ذلك عودة سعد الحريري للعمل السياسي، بعد فشل أي شخصية لبنانية سنية بالحلول مكانه من ناحية “زعامة الطائفة”.

وأضاف أن عودته- أي الحريري- ترتبط باحتمال حصوله على توكيل دولي وإقليمي لمشروع ما على المستوى السياسي، وإعادة تركيب الدولة في لبنان.

منذ انتهاء ولاية الرئيس الأخير للبنان، ميشيل عون، لم ينجح البرلمان اللبناني، المكون من 128 نائبًا، بانتخاب رئيس للجمهورية، وهو ما يعطل بدوره عددًا من الملفات في البلاد، على رأسها تشكيل الحكومة.

“أين كنت في الحرب”.. الحرب الأهلية اللبنانية بعيون أمرائها

ويقود لبنان حاليًا حكومة مؤقتة، يرأسها نجيب ميقاتي، فيما شكلت لجنة خماسية، مكونة من فرنسا وأمريكا وقطر والسعودية ومصر، لمحاولة إيجاد مخرج للأزمة.

وفي 3 من شباط، قال رئيس البرلمان اللبناني، نبيه برّي، إنه اتفق مع الخماسية، على رئيس “صنع في لبنان”، بحسب تصريحات صحفية.

من جهته، يرى الناشط السياسي اللبناني، علي حيدر، أن الحريري ما يزال هو الشريك السني ووريث والده، وحتى نجيب ميقاتي ليس زعيمًا أو شريكًا سنيًا في لبنان.

ويرى أن احتمالية عودته موجودة دائمًا، بغض النظر عن صفقة ما، على اعتبار أن هناك حاجة لشريك سني يمثل الطائفة وليس هناك سوى الحريري، الذي أثبت أنه شخص أساسي في التركيبة السياسية اللبنانية.

وفق علوش، فإن الأمر غير واضح حتى الآن، في ظلّ اشتعال المنطقة وغياب الحلول خارج ساحات المعارك، لكن يبقى احتمال تبدل الأمور وارد، بناءً على صفقة، تدخل فيها كل من إسرائيل وإيران كلاعبين أساسيين، مع اللجنة الخماسية للحل في لبنان.

وذكرت صحيفة “الأخبار” المقربة من “حزب الله” المدعوم إيرانيًا، أن عودة الحريري تتعلق بقرار سعودي بـ”استئصال الحريرية” من لبنان.

وأضافت أن أي تحولات في المنطقة لن تخرج الحريري من “زنزانته السياسية”، طالما هي إرادة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.

عين الرمانة.. فتيل الحرب اللبنانية التي غيرت وجه المنطقة

دور سوري أم غياب عن المشهد

في 1976، دخلت قوات الردع العربية بقيادة سوريا إلى لبنان، بغطاء من الجامعة العربية، خلال الحرب الأهلية اللبنانية، واستمر الوجود السوري حتى عام 2005.

وفي 2004، نشأت في لبنان أزمة سياسية ناتجة عن رفض الحريري الأب، التمديد لرئيس الجمهورية حينها، إيميل لحود، وهو ما يخالف ما يريده النظام السوري، باعتباره وصيًا على لبنان، وصاحب النفوذ الأكبر فيه، إقليميًا على الأقل.

بعد الاغتيال، قاد سعد الحريري فريق “قوى 14 آذار” المعادي للنظام السوري، إلى فوز كبير في البرلمان، ساعده في ذلك التعاطف الكبير معه بعد اغتيال والده في تفجير في وسط بيروت، والضغط الشعبي الذي تلاه وأسهم في إخراج “الجيش السوري” من لبنان بعد نحو 30 سنة من وجوده فيه.

واتهم سعد الحريري النظام السوري بالوقوف وراء اغتيال والده، لكنه اضطر بعد تسلمه رئاسة الحكومة في 2009، وتحت وطأة الضغوط السياسية إلى القيام بزيارات عدة الى دمشق، وصولًا إلى إعلانه في آب 2011 أن اتهامه لسوريا كان “سياسيًا”.

بعد اندلاع الثورة السورية في 2011، وانشغال النظام بقمع المظاهرات المطالبة برحيله، ثم حربه على الفصائل العسكرية ودخول “حزب الله” وإيران وقوات روسية إلى جانبه، خسر الأسد نفوذه في لبنان، ولم يعد صاحب اليد الطولى هناك.

وفي حين كان أي حديث عن حل في لبنان قبل 2011، يعني أن هناك مفاوضات تجري مع النظام، تغيرت اللعبة الإقليمية اليوم، وبات لإيران نفوذها عبر حليفها هناك، “حزب الله”.

خلال 2023، رشحت الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية، كل من جهاد أزعور وسليمان فرنجية، للوصول لمنصب رئيس الجمهورية، ولم يتم التوافق على كلا الاسمين، ومؤخرًا، ظهر اسم قائد الجيش، جوزيف عون، كمرشح ثالث.

ويبدو أن وصول عون، يرتبط كذلك بوجود صفقة إقليمية تشمل المنطقة كما الحريري، ومن هذه النقطة يمكن التساؤل عن دور محتمل للنظام السوري.

ويرى حيدر، أن لا يد للنظام السوري اليوم في العملية السياسية اللبنانية، وهو وكيل لإيران فقط، وفي حال وجود صفقة مع إيران قد يصل جوزيف عون لرئاسة الجمهورية.

كما أن النظام لم يعد لاعبًا إقليميًا، ويحتاج للحماية الإيرانية والروسية، وهو بحاجة “حزب الله” كذلك.

ولا يبدو النظام السوري قادرًا أن يكون له دور دون حلول لتسوية سياسية لا يبدو أنها جاهزة في الأفق حتى الآن، وهناك أدوار أخرى أكثر أهمية بكثير من النظام السوري، رغم الحاجة للتفاهم مع أي سلطة في سوريا لتأمين الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي للبنان، لكون سوريا، المدى الجغرافي الوحيد للبنان، وفق علوش.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة