سوريات يبعن شعورهن.. الجوع لا يرحم التفاصيل الجميلة

شعر معروض للبيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي في سوريا (عالم التجميل/ فيس بوك)

camera iconشعر معروض للبيع عبر وسائل التواصل الاجتماعي في سوريا (عالم التجميل/ فيس بوك)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسن إبراهيم

“أم علي”، سيدة أربعينية من ريف اللاذقية، بدأت قبل عدة أشهر بزيارة عدة صالونات ومراكز تجميل لتعرض شعر ابنتها اليافعة للبيع، لكن أكبر عرض حصلت عليه لم يتجاوز الـ300 ألف ليرة سورية.

قالت السيدة إنها شعرت بتعرضها للاستغلال، قبل أن تنصحها إحدى الصديقات بالذهاب إلى مدينة جبلة، التي يوجد فيها مركز لشراء الشعر الطبيعي بأسعار خيالية، تفوق الأربعة ملايين ليرة أحيانًا.

وبالفعل، توجهت السيدة إلى المركز المذكور في مدينة جبلة، وباعت الشعر بنحو مليون و800 ألف ليرة، وهو مبلغ شكل لها ثروة كبيرة لم تكن تحلم بها، حيث اشترت مؤونة كاملة للمنزل، من أرز وسكر وبرغل وزيت، وبقي معها مبلغ بسيط صرفته على المنزل لاحقًا.

على الرغم من معارضة الفتاة لقص شعرها، والدموع التي ذرفتها عليه، فإن الأم لم تجد أي خيار آخر للحصول على الطعام، فالوالد مريض عاطل عن العمل، ومردود الأرض لا يكفي شيئًا، كما قالت السيدة، مضيفة أنها لن تتردد في إعادة الكرّة مجددًا مع طفلتها الثانية مع بداية الصيف المقبل.

تزدهر تجارة بيع الشعر في عدة محافظات سورية، ليشكل الشعر آخر المقتنيات الثمينة لدى بعض العائلات، بعد بيع جميع مدخراتها الأخرى، من ذهب وأدوات منزلية.

كما تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي كثير من إعلانات بيع الشعر، وأغلبه لطفلات صغيرة، وغالبًا ما ترافق صورة الشعر في الإعلان كلمات تعبر بها البائعة عن سوء حالتها المادية، التي دفعتها للقيام بمثل هذه الخطوة.

رمزية للأنثى

يُقال إن الشعر هو تاج جمال المرأة، ويعتبر من علامات الجمال العربي القديم، وهو علامة فارقة تعكس جمال الأنثى وملامحها، وتغزّل الشعراء في قصائدهم بشعر المرأة وصفاته بكلمات دقيقة تعكس لونه أو طوله أو نعومته.

وعُرف عن العرب محبتهم للمرأة ذات الشعر الطويل، كما أحب بعض الشعراء شعر المرأة الأسود الحالك على أن يكون طويلًا، معتبرين أنه كلما كان طويلًا كان أجمل، وفي ذلك قال امرؤ القيس:

وفرع يزين المتن أسود فاحم     أثيث كقنو النخلة المتعثكل

غدائره مستشزرات إلى العلا    تضل العقاص في مثنى ومرسل

وكان يقصد بالفرع الشعر، والمتن أعلى الظهر، والأثيث يعني الكثيف، والقنو هو العذق الجاف الذي جُرّد من تمره، والمتعثكل هو الذي تبرز منه أشياء كأنها تتحرك في الهواء ويمثلها بعثق النخلة.

والغديرة هي الخصلة من الشعر أو الجديلة، ومستشزرة بمعنى مفتولة (ملفوفة على بعضها)، والعقاص هي العقد في الشعر، والمثنى هو الشعر المطوي بعضه على بعض، والمرسل هو الشعر المنسدل.

سيلين تعمل “كوافيرة” في اللاذقية، قالت لعنب بلدي، إن الشعر يحمل رمزية جمالية لدى المرأة، فتوجه السيدات إلى صالونات الحلاقة والعناية بشعرهن ما هو إلا رغبة منهن لإبراز جماله، سواء من حيث تقصيره أو تغيير لونه أو تسريحته.

وأوضحت أن الشعر يحمل طابعًا جنسيًا، وعامل جذب ولفت انتباه من المرأة نحو الرجل، لافتة إلى أن زبونات كُثر يُقدمن على ذلك لتغيير مظهرهن أمام أزواجهن وكسر الروتين المعتاد.

وذكرت سيلين أن قص الشعر يحمل رغبة من السيدة بتغيير حالتها النفسية السيئة أو المضطربة أحيانًا، كما أن بعض السيدات يقصّرن شعرهن تبعًا للموضة.

الحاجة للمال

“لم أكن أتخيل يومًا أنني سأبيع شعر ابنتي”، هذا ما قالته أروى شيخ موسى، وهي أم تعتني بأربعة أطفال بمفردها بعد وفاة زوجها بمرض مفاجئ قبل عام في مدينة القامشلي.

وأوضحت أروى لعنب بلدي أن الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع الأسعار دفعت الناس لبيع ممتلكاتهم الثمينة، وعلى الرغم من أنها حافظت على جديلة شعر ابنتها الطويلة لمدة عام ونصف، لم يخطر في بالها يومًا أن تبيعها.

وبعد رؤية بعض الفتيات على “فيس بوك” يعرضن شعرهن للبيع، بدأت تدور في ذهن أروى فكرة البيع، خاصة مع محاولتها جمع مبلغ لدفع إيجار المنزل الذي يؤويها وأطفالها لستة أشهر مقبلة، خصوصًا أن ثمن الجديلة بلغ 75 دولارًا أمريكيًا.

الطالبة إيفا أمين، من القامشلي وتقيم في دمشق وتدرس بكلية الطب، تحدثت عن تجربتها في قص شعرها، قائلة إنها فكرت في ذلك من قبل لأسباب تتعلق بالموضة، وأيضًا لعدم قدرتها على العناية بشعرها الطويل خلال فصل الشتاء، بسبب نقص الكهرباء وقلة الماء الساخن.

كانت إيفا تخاف من قص الشعر لأن الجميع كانوا يمدحون جماله ولونه، لكن مع زيادة تكاليف الحياة، انجذبت إيفا لفكرة بيع شعرها بعد أن عرفت عن سوق رائجة ومشترين وبائعين، لذلك قررت قصّه.

حاولت إيفا بيع شعرها في دمشق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن المبالغ التي عُرضت كانت زهيدة جدًا، وعند زيارتها لأهلها في القامشلي، باعت شعرها لمركز تجميل بمبلغ وصل إلى 600 ألف ليرة سورية.

السعر بالغرام

بحسب فادي (45 عامًا)، يعمل في أحد صالونات التجميل الشهيرة في اللاذقية، فإن الشعر يباع بالغرام، ولا يوجد سعر واحد له، إنما يتحدد بحسب نوع وطول الشعر، قائلًا إن أفضل الأنواع من ناحية السعر والجودة هو للفتيات الصغيرات، اللواتي لم يصبغنه أبدًا، كما أنه حيوي للغاية.

وبشكل عام، يباع الغرام بين ثمانية وعشرة آلاف ليرة، وفي أحيان أخرى، يصل الغرام الواحد إلى نحو 14 ألف ليرة بحال كان مميزًا جدًا، وفق فادي.

وفي جوابه عن سؤال لماذا تشتري بعض مراكز التجميل الشعر بأسعار مرتفعة جدًا، قال إن عدد تلك المراكز قليل جدًا، وفي الساحل لا يوجد سوى مركز واحد فقط والبقية في العاصمة دمشق، حيث تقوم بشراء الشعر ثم حبكه وتصديره للبيع في الخارج، لافتًا إلى أنه مطلوب جدًا في دول الخليج.

ويواجه المواطن السوري موجات ارتفاع الأسعار وغياب القدرة على تأمين حاجيات عائلته الأساسية، وسط تدهور الليرة أمام العملات الأجنبية، مع غياب أي حلول تنتشله من أزماته المتلاحقة.

ويبلغ متوسط تكاليف المعيشة في مناطق سيطرة النظام أكثر من 10.3 مليون ليرة سورية، والحد الأدنى لتكلفة المعيشة 6.5 مليون ليرة، بينما يبلغ الحد الأدنى للرواتب الحكومية نحو 279 ألف ليرة (الدولار 14650 ليرة).

استغلال مؤلم

هبة (34 عامًا)، تعمل في مجال تجميل الأظفار بعدة صالونات بمدينة اللاذقية، وصفت عملية بيع الشعر بالمؤلمة جدًا، إذ تأتي السيدة لبيع شعر طفلتها أو الشابة لبيع شعرها، مع مظاهر فقر واضحة جدًا، سواء لناحية هزالة الجسد، أو لناحية الملابس الرثة.

وأضافت الشابة أن بعض مراكز التجميل تستغل حاجة السيدات وبساطتهن أحيانًا، فلا تعطيهن السعر الحقيقي للشعر، وهذا حدث أمامها أكثر من مرة، وفي إحدى المرات قبل ستة أشهر، أتت سيدة مع طفلتها ذات العشرة أعوام، وأخبرت صاحب المركز أنها اعتنت بشعر ابنتها لبيعه وقت الحاجة.

ورغم أن الشعر كان يستحق على الأقل مليون ليرة، فإن ما دُفع لها هو 450 ألف ليرة، تلقفتها السيدة وهربت بها وكأنها خائفة أن يغيّر رأيه.

تجارة عبر “السوشيال ميديا”

لجأت كثير من السيدات لبيع شعور بناتهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ شهدت مثل تلك الإعلانات خلال العامين الماضيين رواجًا كبيرًا.

بالمقابل، تنتشر منشورات أخرى للإعلان عن شراء الشعر، وتوضع شروط معينة للطول وألا يكون مصبوغًا، وبعض الإعلانات تغري بدفع سعر أكبر من سعر السوق.

وبالنظر إلى الفقر وركود الأسواق في سوريا حاليًا، وحصر القدرة على شراء الشعر المحبوك أو الوصلات بالطبقة الثرية القليلة في البلد، فإن من الواضح وجود سوق خفية لتصدير الشعر بعيدًا عن أعين الضرائب الحكومية.

ويعيش ما يقارب 90% من السوريين تحت خط الفقر، وهناك 15.3 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية.

وتعد النساء من ضحايا الحرب في سوريا، وانخرطت السيدات في مهن مرهقة وخطرة، بغية تأمين حاجاتهن المتعددة، وسط ارتفاع الأسعار وقلة الأجور.

كما تلجأ بعض النساء، خصوصًا من المقيمات في مخيمات النازحين، لأعمال تعرف محليًا بأنها من تخصص الرجال، أو تكون محفوفة بالخطر كالبحث بين أكوام القمامة عن البلاستيك، مع انتشار المقذوفات غير المنفجرة من مخلفات الحرب.


شاركت بإعداد التقرير مراسلتا عنب بلدي في اللاذقية ليندا علي وفي الحسكة ريتا أحمد




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة