فقر وضغط اجتماعي

الزواج المبكر للفتيات.. ظاهرة تتصاعد برأس العين

ندوة لعدم تعنيف المرأة ومنع الزواج المبكر في مدينة رأس العين - كانون الثاني 2024 (عنب بلدي)

camera iconندوة لعدم تعنيف المرأة ومنع الزواج المبكر في مدينة رأس العين - كانون الثاني 2024 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – رأس العين

تزوجت سوسن في سن الـ14 عامًا بداعي “الستر”، إذ أجبرها والدها على الزواج من ابن عمها، ولم تكن تستطيع الرفض نتيجة ضغوط المجتمع والعشيرة عليها، فهي تقطن في رأس العين ذات الطبيعة العشائرية.

وأوضحت سوسن الصبحي (16 عامًا عمرها الحالي)، أنها كانت في الصف الثامن الإعدادي عندما تزوجت، ما اضطرها إلى ترك المدرسة، لافتة إلى أنها تعرضت للإجهاض مرتين، ولنزيف داخلي نتيجة ضعف بنيتها الجسدية.

سوسن واحدة من عشرات القاصرات اللواتي يقعن ضحية الظروف، ويجبرن على الزواج مبكرًا في مدينة رأس العين شمال غربي الحسكة، التي ارتفعت فيها حالات زواج القاصرات، حتى باتت ظاهرة في المدينة التي تضم 115 ألف نسمة.

وتشير الإحصائيات التي حصلت عليها عنب بلدي من مركز الخدمة الاجتماعية في المجلس المحلي برأس العين، إلى أن أكثر من 70% من الفتيات في المدينة يتزوجن قبل سن الـ18، وتعود الأسباب إلى عوامل عدة أهمها الفقر والتهجير والعادات والتقاليد الموجودة لدى شريحة واسعة من المجتمع.

تقاليد وضغوط اجتماعية

تحمل رأس العين طابعًا عشائريًا مثل معظم مناطق الجزيرة السورية، وتفرض العادات والتقاليد الاجتماعية نفسها بقوة بين السكان، ويعمل غالبية القاطنين بالزراعة وتربية الماشية أو بأعمال يومية، وبأجر لا يتجاوز 30 ألف ليرة سورية يوميًا (نحو دولارين أمريكيين).

روت سارة زهير الدين تفاصيل زواجها المبكر في سن 15 عامًا، نتيجة ضغوط مورست عليها من أخويها لتزويجها من ابن خالها، بسبب العادات والتقاليد في محيطها العائلي والاجتماعي، وضيق الحالة المادية لعائلتها، وأوضحت أن ابن خالها يفوقها بالعمر 20 عامًا.

قالت سارة لعنب بلدي، إن زواجها لم يستمر أكثر من ستة أشهر، إذ طلقها زوجها متهمًا إياها بالتقصير في واجباتها المنزلية، كما كان يقوم بتعنيفها.

وأضافت سارة (عمرها الحالي 17 عامًا) أنها قدمت شكوى ضده في المحكمة، وتنتظر النتيجة النهائية، لافتة إلى أن زواجها كان نتيجة ضغوط العشيرة والعادات والتقاليد التي تفرض على الفتيات الزواج في سن مبكرة، خاصة إذا كان الزوج من نفس العشيرة وبوضع مالي جيد.

من جانبها، قالت منار المرعي، ناشطة في حقوق المرأة برأس العين، إن الزواج المبكر يعتبر من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة الشرقية، إذ إنه يهدد حياة النساء ويحرمهن من التعليم والمشاركة المجتمعية، ويجعلهن أكثر عرضة للعنف وسوء المعاملة.

وأضافت المرعي أن هناك أسبابًا كثيرة لهذه الظاهرة، أبرزها الفقر المدقع، والعامل الاجتماعي الذي يجبر الأب على تزويج ابنته حفاظًا على “عفتها” برأيه، وخوفًا من “تدنيسها”.

وأشارت المرعي إلى أن الزواج المبكر غالبًا ما يترافق بحمل وولادة مبكرة، ما يجعل حياة الأم والجنين أكثر عرضة للخطر.

وترى المرعي أن أفضل الحلول رفع الوعي لإدراك مدى خطورة هذه الظاهرة، وإطلاق حملات توعية مكثفة تشمل جميع الفئات.

ارتفاع بنسبة 70%.. مشكلات صحية وقانونية

تسيطر “الحكومة السورية المؤقتة” على رأس العين منذ عام 2019، وتسجل عقود الزواج بشكل رسمي دون سن محددة، أو حتى بشكل عرفي عبر شيوخ خارج إطار المحاكم.

مديرة مركز الخدمات الاجتماعية في المجلس المحلي برأس العين، انتصار دودة، قالت، إن زواج القاصرات مشكلة مجتمعية تتفاقم في المدينة، بسبب العادات والتقاليد والفقر وعدم المساواة بين الجنسين، بالإضافة إلى تزويج البنات للحصول على الإرث.

وأوضحت أن حالات زواج القاصرات ارتفعت بنسبة 70% خلال عام 2023، ما يشكل خطرًا على صحة الفتيات ومستقبلهن، مشيرة إلى أن مديرية الخدمات الاجتماعية تعمل على إيجاد حلول لهذه المشكلة، من خلال دفع الفتيات إلى الدراسة، وإقامة دورات تأهيلية وتوعوية لتوعية المرأة وزيادة فهمها بحقوقها وواجباتها.

بدوره، وصف المحامي فرحان السعدون، من رأس العين، زواج القاصرات بأنه ظاهرة اجتماعية وقانونية خطيرة في المنطقة، لافتًا إلى ضرورة أن تتعاون جميع الجهات المعنية لمكافحته.

وقال السعدون لعنب بلدي، إن السلطات يجب أن تتعامل مع هذه الظاهرة بشكل حازم، مضيفًا أن القانون السوري يجرّم زواج القاصرات، إذ ينص قانون الأحوال الشخصية على أن سن الزواج هو 18 عامًا للذكور والإناث، بعد تعديله عدة مرات من قبل حكومة النظام السوري.

وطالب السعدون بضرورة تطبيق القانون بشكل صارم، من خلال محاسبة الجهات المسؤولة عن تزويج القاصرات، وتوفير الدعم القانوني والنفسي للفتيات المتزوجات في سن مبكرة.

من جانبه، الطبيب قيس حسين استشاري طب النساء والتوليد، أشار إلى أن الزواج المبكر للفتيات تحت سن الـ20 عامًا يتسبب بمخاطر صحية جسيمة، منها سوء التغذية ونقص الوزن بعد الولادة، وتأخر النمو البدني والعقلي، واضطرابات في الدورة الشهرية، وتأخر حدوث الحمل، وزيادة خطر الإصابة بالأمراض والالتهابات التناسلية، مثل التهابات المهبل والرحم، وزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب والقلق.

وأوضح حسين أن زواج الفتيات في سن مبكرة يؤدي إلى عدم اكتمال النمو الجسدي والعقلي، ما يجعلهن أكثر عرضة للإصابة بهذه الأمراض والاضطرابات.

وأضاف أن الفتيات الصغيرات في السن لا يملكن الجسم السليم القادر على تحمل الحمل والولادة، ما يؤدي إلى سوء التغذية ونقص الوزن بعد الولادة، وتأخر النمو البدني عن أقرانهن، واضطرابات في الدورة الشهرية، وتأخر حدوث الحمل.

وتواجه القاصرات في حالة حملهن دوامة من المشكلات مرتبطة بعدم جاهزيتهن لاستيعاب تلك المسؤولية، وعدم اكتمال مراحل نموهن العقلي والجسدي، بحسب دراسة للمحامية والباحثة في مركز “حرمون للدراسات” ماسة الموصلي.

ويترتب على الزواج المبكر ضياع حقوق القاصرات، خصوصًا في حالات الزواج غير المسجل رسميًا، بالإضافة إلى احتمالية أن يترتب عليه وجود أطفال غير مسجلين رسميًا، وفق الدراسة.

ويشير تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)، إلى أن زواج القاصرات مرتبط بعديد من المشكلات الصحية التي يمكن أن تؤدي في بعض الحالات إلى الوفاة.

ووفق التقرير، تعد مضاعفات الحمل والولادة من بين الأسباب الرئيسة للوفاة بين الفتيات المراهقات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عامًا في البلدان النامية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة