tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

نهاية 2023، خرجت “الإدارة الذاتية”، وهي المظلة السياسية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المسيطرة في شمال شرقي سوريا، بـ”عقد اجتماعي” محدّث عن آخر قديم طالته انتقادات في الداخل والخارج.

توليفة جديدة، تضمنت تغييرات في الأسماء والتوصيفات، لكن هناك من الخبراء والمحللين والمتخصصين من يقول إن “العقد الاجتماعي” الجديد تكرار لاستبعاد بقية الأطراف، و”بمبادرة منفردة”.

وتذهب بعض الآراء على أنه محاولة إثبات شرعية أمام أطراف داخلية وخارجية، وأنه تكريس لسلطة الأمر الواقع، وإن لم تحمل بنوده إشارات مباشرة إلى رغبة بالانفصال، لكنها في نفس الوقت تحاول فرض اسم الدولة السورية مستقبلًا، وكذلك فرض علم مناطقي إلى جانب العلم الرئيس للبلاد، كما يرى بعضها الآخر.

وطالت “العقد الاجتماعي” بصيغته الأخيرة انتقادات واعتراضات واتهامات بأنه “انفصال مبطن”، لن تقبل به الدولة المركزية، كما لن تقبل به تركيا، ما يعني أن الولايات المتحدة ستضغط على حليفها الكردي بهذا الشأن.

في الجانب الاقتصادي والخدمي والاجتماعي، غيّر العقد الجديد في طبيعة الجهات المشرفة وتسمياتها، أما في الجانب السياسي، فقد وضع تصورات تشير إلى رغبة بالحكم الذاتي مستقبلًا، كما افترض اسمًا للدولة، ودخل في توصيف طبيعة العلاقة بين شمال شرقي سوريا ودمشق كمركز للدولة، وهو ما يستحق البحث والمتابعة في هذا الملف، إذ تناقش عنب بلدي مع خبراء وباحثين، طبيعة “العقد الاجتماعي”، وأحقية الانتقادات والاتهامات التي تواجهها “الإدارة الذاتية”، بأنها كيان ينوي الانفصال عن سوريا.

ما “العقد الاجتماعي”

غيرت “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا هيكليتها وتسميتها بعد الانتهاء من إعداد “العقد الاجتماعي” الخاص بها، في 12 من كانون الأول 2023.

ونص “العقد الاجتماعي” الجديد على التسمية الجديدة وهي “الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا”، وصارت تتكون من إقليم واحد، وهو إقليم شمالي وشرقي سوريا، ويتضمن سبع مقاطعات.

وتدير “الإدارة الذاتية” مناطق شمال شرقي سوريا بشكل أساسي، وتحظى بدعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، وهي على خلاف أساسي مع تركيا على الحدود الشمالية، وتعتبر قواتها امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” المحظور والمصنف إرهابيًا لديها.

وتضمن “العقد” الجديد تغييرات طالت هيكلية البلديات في جميع مناطق سيطرتها شرق نهر الفرات، مشيرًا في أحد بنوده إلى أن “هيئة البلديات ستتحول إلى تجمع واتحاد للبلديات”.

كما عُدلت تسمية “المجلس العام” لـ”الإدارة الذاتية” إلى “مجلس شعوب شمال وشرق سوريا”، إلى جانب إطلاق خطوة لاستحداث بعض المؤسسات وفقًا لـ”العقد الاجتماعي الجديد”، مثل “مؤسسة الرقابة”، وستكون تابعة لـ”مجلس الشعوب”، بدلًا عن المجلس التنفيذي، و”مجلس الجامعات”.

ونص “العقد” على أن اللغات العربية، والكردية، والسريانية، هي اللغات الرسمية في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، وعلى “ضمان حقوق الشعب الكردي، والشعب السرياني، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، والحفاظ على الخصائص التاريخية والبنى الديموغرافية الأصيلة للمناطق الكردية، ورفض أي تغيير ديموغرافي في مناطق الشعب السرياني الآشوري”.

ونوّه “العقد الاجتماعي” في المادة “120” إلى أن “شكل العلاقة في جمهورية سوريا الديمقراطية، يحدد فيما بين الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال شرقي سوريا مع المركز (دمشق)، والمناطق الأخرى على جميع المستويات، وفق دستور ديمقراطي توافقي”.

هذا الأمر قابل للتعديل في حال تم التوافق على “دستور ديمقراطي” في سوريا.

وعقب الإعلان عن اعتماد “العقد الاجتماعي الجديد”، أصدر “المجلس العام” في “الإدارة الذاتية” بيانًا قال فيه، إن إعداد هذا “العقد” استغرق عامين من العمل.

حماية لـ”العقد”

في 7 من شباط الحالي، قال، حسن الأحمد، الرئيس المشترك لمجلس العدالة الاجتماعية في “الإدارة الذاتية”، إنه بعد إقرار “العقد الاجتماعي”، لا بد من استحداث مؤسسات جديدة، منها محكمة لحمايةالعقد، بحسب المادة “119” الواردة في ميثاق “العقد” نفسه.

وأضاف أنه يمكن لأي فرد أو جهة أو مؤسسة الاعتراض على القوانين والقرارات التي ستصدر عن هذه المحكمة حال مخالفتها لبنود “العقد الاجتماعي”، وعند تقديم طعن لأحد القوانين لـ”محكمة حماية العقد” تنظر فيه وتبطله مباشرة، إذا لم يطابق المواثيق الواردة فيه.

الأحمد أشار إلى أن المحكمة ترتكز في تشكيلها على تصديق ثُلثي أعضاء “مجلس الشعوب الديمقراطي” بشرط أن يتمتع أعضاؤها بـ”الخبرة القانونية والنزاهة”.

وفي 1 من شباط الحالي، قال الرئيس المشترك لـ”مجلس الشعوب الديمقراطي” في “الإدارة الذاتية”، فريد عطي، إن “الإدارة الذاتية” تعمل على وضع آلية لاستحداث مؤسسات جديدة، مثل المفوضية العليا للانتخابات، ومحكمة حماية العقد الاجتماعي، والمؤسسة العامة للرقابة المالية والمحاسبة.

وفي 2 من حزيران 2016، أطلقت “الإدارة الذاتية” “العقد الاجتماعي للفيدرالية الديمقراطية لروج آفاشمال سوريا“.

وعدّل “المجلس التأسيسي للفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا“، في 5 من كانون الثاني 2017، بعض نصوص “العقد”، وألغى كلمة “روج آفا” (غرب كردستان) من العنوان وأبقى عليها في متنه.

في 10 من حزيران 2021، وبناء على التفويض الممنوح لها، بدأت “الرئاسة المشتركة للمجلس العام للإدارة الذاتية” بتشكيل لجنة باسم “لجنة صياغة العقد الاجتماعي والميثاق الأساسي في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، مهمتها إعادة صياغة “العقد الاجتماعي”.

وحددت “الرئاسة المشتركة للمجلس العام في الإدارة” حينها هيكلية وبنية اللجنة، على أن يكون عدد أعضائها 150 شخصًا، مع احتفاظها بحق إضافة أعضاء آخرين عند اللزوم.

ولاحقًا، بلغ العدد النهائي لأعضاء اللجنة 157 شخصًا، بعد أن وضعت “الرئاسة المشتركة” عدة شروط عامة وعريضة لعضوية اللجنة، وهي: إتمام الـ18 من العمر، وعدم وجود حكم بجرم شائن، والإقامة في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، والتمتع بخبرة قانونية أو سياسية أو إدارية أو اجتماعية.

التركيبة الإثنية والعرقية للجنة إعادة صياغة العقد الاجتماعي

تعزيز سلطة أمر واقع

عادة، لا يرتبط مفهوم “العقد الاجتماعي” بملامح انفصال، إنما يمهد لنظام حكم رشيد بين الجمهور والسلطات الحاكمة بشكل عام، بحسب ما يراه القانوني السوري ومدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله.

العبد الله قال لعنب بلدي، إن فكرة صياغة “عقد اجتماعي” بمبادرة منفردة من طرف “الإدارة الذاتية”، دون التشاور مع أطراف أخرى، هو مؤشر سلبي، إذ يفتح الباب أمام الانتقاد، ويظهره على أنه “عقد من طرف واحد”.

وفي الحالة القائمة اليوم شمال شرقي سوريا، يظهر طرح “الإدارة” لـ”العقد الاجتماعي” على أنه “عقد اجتماعي أسسته سلطة، وتحاول فرضه على الأطراف القائمة.

 

“الناحية الخطرة فيما يتعلق بالعقد الاجتماعي أن هناك أربع مناطق نفوذ في سوريا، وهي سوريا المفيدة التي تحكمها دمشق، وشمالي سوريا الذي تحكمه فصائل (الجيش الوطني) بدعم تركي، وشمال غربي سوريا حيث تحكم (جبهة النصرة)، وشمال شرقي سوريا حيث (الإدارة الذاتية) المدعومة غربيًا، ولا يجمعها أي تواصل، بالتالي إحداث عقد اجتماعي لكل منها لن يؤسس لاستحداث عقد اجتماعي وطني”.

محمد العبد الله

مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”

 

الباحث المتخصص بشؤون شمال شرقي سوريا في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” سامر الأحمد، يرى من جانبه أن استحداث “العقد الاجتماعي” هو محاولة من “الإدارة الذاتية” لإثبات شرعيتها أمام جهات محلية ودولية.

وبناء على جملة من المشكلات التي يعانيها “العقد”، أبرزها عدم إمكانية تطبيقه، وعدم إقراره من قبل هيئة منتخبة، قال الأحمد، إنه لا يمكن اعتبار هذه الخطوة على أنها ميل نحو الانفصال، إنما هي تكريس لسلطة الأمر الواقع.

وأضاف أن هذا التكريس ينقسم إلى قسمين، الأول نظري متعلق بإصدار القوانين والقرارات، وهو ما لن تأخذه أي جهة على محمل الجد، حتى الولايات المتحدة التي تدعم “الإدارة الذاتية”، كون هذا الدعم قد يثير حفيظة حليفتها أنقرة.

والقسم الثاني هو خطوات فعلية تحاول “الإدارة” تنفيذها، من خلال إشراك مزيد من وجهاء القبائل في إدارة المنطقة، في سبيل شرعنة نفسها على أنها “إقليم”.

وخلصت دراسة أعدها مركزجسور للدراسات” حول آلية وأهداف صياغة “العقد الاجتماعي”، إلى أن “الإدارة الذاتية” تهدف لخلق مظلة شرعية لنفسها ضمن مناطق سيطرتها.

ويراد من الشرعنة، بحسب الدراسة، إمكانية تشريع وقوننة السياسات الداخلية، والسيطرة على الاحتجاجات والمظاهرات المناهضة لـ”الإدارة” من خلال المشاركة الشكلية لوجهاء وممثلي الكتل الاجتماعية المختلفة الموجودة داخل هذه المناطق في عملية صياغة “العقد الاجتماعي”.

إلى جانب أن “الإدارة” أرادت القفز بخطوة منفردة إلى الأمام، لتعزيز نفوذها كسلطة أمر واقع، دون الحاجة للتشاركية الحقيقية مع القوى المجتمعية والسياسية الموجودة في المنطقة كأحزاب “المجلس الوطني الكردي”، والقوى السياسية العربية والكردية الأخرى غير الموالية لها.

الدراسة أشارت إلى أن إجراء “الإدارة” انتخابات عامة، هو تمهيد قانوني للالتفاف على الضغوط الأمريكية والمطالب الشعبية بإجراء تغييرات في كوادر “الإدارة” وقياداتها للحد من الفساد ومعالجة السياسات الاقتصادية والأمنية.

مشكلات تواجه “العقد الاجتماعي”

النسخة الأولى من “العقد الاجتماعي” التي أطلقتها “الإدارة الذاتية”، لقيت انتقادات واسعة، أبرزها جاء من منظمات حقوقية.

انتقادات عديدة وُجهت لـ”العقد الاجتماعي” الذي أغفل عند صدوره أول مرة، عام 2014، عدة مبادئ حقوقية أساسية، مثل حظر الاعتقال التعسفي، والحق في المراجعة القضائية دون إبطاء، والحق في محامٍ خلال الإجراءات الجنائية، وفق تقرير لـ“هيومن رايتش ووتش”، بالإضافة إلى عدة إشكاليات أساسية ضمن ديباجة “العقد”.

ولم تشِر النسخة الجديدة من “العقد الاجتماعي” إلى حظر الاعتقال التعسفي، لكنها أشارت في المادة “56” إلى أن “للجميع الحق في محاكمة عادلة”، ونصت المادة “57” على أنه “لا يجوز الاعتقال أو دخول أو تفتيش الأماكن الخاصة، أو دور السكن، إلا بإذن قضائي أو في حالات الجرم المشهود”.

وفي المادة “58”، “لا تقيّد الحريات الفردية من دون مسند قانوني”.

ويعرّف “ميثاق العقد الاجتماعي” وفق “الإدارة الذاتية” بأنه مجموعة من القوانين والقواعد التنظيمية والمرجعيات الإدارية، يجب على المؤسسات اتباعها في تعاملها مع السكان ليحدد العقد العلاقة بين الفرد والمسؤول.

ويعتبر “الميثاق” المعمول به حاليًا في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” نتيجة لتوافقات بين الأحزاب الكردية في المنطقة، وشكلًا من أشكال الاتفاق لإدارة المناطق بعد أن انسحب منها النظام السوري عام 2012.

الباحث سامر الأحمد قسّم المشكلات التي تواجه “العقد” إلى ثلاثة مستويات، أولها طريقة الإنتاج والتشريع، إذ لم ينتج لجنة منتخبة، ولم يعرض للنقاش مع أحزاب سياسية أو لجان مجتمعية، مشيرًا إلى أن اللجنة التي عملت على إنتاجه محسوبة على حزب “الاتحاد الديمقراطي” (الجناح السوري لحزب “العمال الكردستاني”).

 

“أشرفت على إنتاج (العقد) جهة معيّنة وليست منتخبة، إذ لم تشهد مناطق سيطرة (الإدارة الذاتية) أي انتخابات حتى اليوم، رغم أنها قائمة منذ نحو عشر سنوات ادعت خلالها الديمقراطية مرارًا”.

سامر الأحمد

باحث متخصص بشؤون شمال شرقي سوريا في مركز “عمران”

 

وعلى المستوى الثاني، يرى الباحث أن مضمون العقد والفلسفة التي يقوم عليها تعتبر من صلب مشكلاته، إذ يحوي عددًا من الأفكار والنقاط الغريبة عن ثقافة المنطقة وطبيعتها الجغرافية والسياسية.

الباحث يرى أيضًا أن المستوى الثالث من المشكلات يتركز في قابلية تطبيق هذا “العقد”، إذ يرى أنه تجميع لمجموعة من القرارات التي صدرت سابقًا، إلى جانب احتوائه على مفاهيم أطلقت ولم تنفذ كما هي الحال مع مصطلحات التعددية، والديمقراطية، والحريات، التي تستخدمها “الإدارة الذاتية” دون تطبيقها.

الدراسة التي نشرها مركز “جسور للدراسات” أشارت إلى موقف تركيا الرافض بالضرورة لخطوة “العقد الاجتماعي”، على أنه من التحديات التي تواجه مشروع “الإدارة” في تطبيق هذا “العقد”.

وأرجع ذلك إلى أن خطوة من هذا النوع تؤكد مخاوف أنقرة من تشريع أو المضي نحو إقامة كيان تابع لـ”العمال الكردستاني” على حدودها الجنوبية، بالتالي قد ينتج عن الاعتراض التركي ضغط على “الإدارة الذاتية” من جانب الولايات المتحدة لمنع إقرار “العقد”.

كما أن استمرار عجز “الإدارة الذاتية” عن مواجهة التحديات والأزمات المعيشية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، وما يترتب على ذلك من ضعف في استمرار احتكار القوة، سيصعب عليها تحقيق أي تقدم بخطوة جديدة في إطار شرعنة وجودها وسلطتها، بحسب الدراسة، إلى جانب غياب المشاركة الحقيقية لمكونات المجتمع، إذ يُلاحظ غياب المكون العربي عن دوائر صناعة القرار في “الإدارة الذاتية”، وغياب تمثيل واسع للكرد بعد استبعاد أحزاب “المجلس الوطني الكردي”، والأحزاب السياسية الكردية الأخرى غير الموالية لمشروعها.

جندي أمريكي إلى جانب مدنيين من أبناء المنطقة الشرقية في سوريا- 23 كانون الأول 2022 (سينتكوم)

خطوة نحو الانفصال؟

بعد أيام على الإعلان عن “العقد الاجتماعي”، خرجت انتقادات له من جهات معارضة عديدة، أبرزها “المجلس الإسلامي السوري” الذي وصف “العقد” بأنه “مشروع انفصال مبطّن”.

منسق مجموعة الدراسات والاستشارات في “الائتلاف الوطني السوري”، عبد الله كدو، رفض أي محاولة للتفرد بصياغة “عقد اجتماعي” في سوريا، ولفت إلى أن ذلك يجب أن يُبنى على توافق “الإرادة الحرة للسوريات والسوريين بالعيش معًا”.

وأضاف أن طرح صيغة “عقد اجتماعي” من أي طرف لا تؤخذ فيه بعين الاعتبار آمال وتطلعات جميع مكونات الشعب السوري في كامل الأراضي السورية، هو عمل غير مقبول شكلًا ومضمونًا، واعتبر أنه “يدفع باتجاه تقسيم سوريا أرضًا وشعبًا”.

وفي أحد بنوده، تحدث “العقد الاجتماعي” عن علم “الإدارة الذاتية”، مشترطًا رفعه بجانب علم “الجمهورية السورية الديمقراطية”، وبالتالي حدد علمًا خاصًا بـ”الإدارة”، واشترط تغيير اسم سوريا، ما ظهر على أنه شرط فرضته “الإدارة” للانخراط في تسوية ما.

استبعد القانوني السوري محمد العبد الله أن يرمي “العقد” إلى تحديد اسم سوريا لاحقًا، أو فرض شروط للعودة إلى سوريا، خصوصًا أنها لم تغادر أصلًا حتى تعود.

العبد الله قال لعنب بلدي، إن الحديث عن علم موازٍ يرفع بجانب علم سوريا يوحي بمطالب بلامركزية، لا مطالب أو نية بانفصال، لكن من حيث إمكانية تطبيق ذلك، استبعد أن يقبل به المركز في دمشق، حتى مع الضغط الروسي في هذا الاتجاه.

وأضاف أن إشارة “الإدارة الذاتية” إلى علمها إلى جانب علم “الجمهورية السورية الديمقراطية”، هو اعتراف بوحدة الأراضي السورية، واعتراف بالحكومة المركزية القائمة فيها، بالتالي لا يظهر أي “نيات انفصالية”، بحسب العبد الله.

 

“ما تعنية (الإدارة الذاتية) في المادة الثامنة من (العقد الاجتماعي) حول علمها الخاص، هو إشارة إلى أنها مستعدة للبقاء تحت علم الحكومة المركزية، في حال اعترفت هذه الحكومة بوجود الإدارة القومي”.

محمد العبد الله

مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”

 

نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي في “الإدارة الذاتية” حسن كوجر، قال، في 23 من كانون الأول 2023، إن “الإدارة” أصدرت مبادرة سياسية لـ”الدولة السورية” تهدف لحل أزمة سوريا وضمان وحدة أراضيها وسيادتها، نحو بناء “دستور ديمقراطي موحد”، وهذا ما أصدره “العقد الاجتماعي”.

كوجر اعتبر أن “المبادرة” نفسها تدل على أن “الإدارة الذاتية” ليست انفصالية، بل تسعى لوحدة الأراضي السورية.

عناصر في الجيش الأمريكي في دوار “المعامل” عند مدخل مدينة دير الزور أثناء احتجاجات لمدنيين رافضين عبور رتل عسكري روسي من مناطقهم- 19 تشرين الثاني 2021 (فيس بوك/ فرات بوست)

مقدمة لواقع سياسي ودستوري

ارتبط مصطلح “العقد الاجتماعي” بوصف “الدستور السوري الجديد” مرارًا، بحسب ما تكرر ذكره على لسان مسؤولين في “الإدارة الذاتية” أحدثهم الرئيسة المشتركة لـ”المجلس العام” فيها، سهام قريو، التي رأت أن صياغة “العقد” تمثل “خطوة أولى لكتابة دستور جديد لسوريا”.

مدير البحوث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، معن طلاع، قال لعنب بلدي، إن “الإدارة الذاتية” تحاول من خلال “العقد الاجتماعي” فرض واقع سياسي ودستوري جديد على الملف السوري.

وأضاف أن أطروحة “العقد الاجتماعي” يمكن قراءتها بأكثر من طريقة، الأولى من زاوية ضرورات الضبط المحلي، واستكمال ديكورات الحكم في البيئة المحلية، إذ تحاول إظهار التنوع الموجود في مناطق سيطرتها، وطريقتها في إدارة هذا التنوع، وإنتاج مساحة للتفاعل السوري- السوري، وتصويرها على أنها إطار يمكن تعميمه.

وأرجع طلاع رغبة “الإدارة الذاتية” بتقديم نفسها بهذا الشكل، إلى فشلها المتكرر بتصدير نفسها على أنها مظلة سياسية لمجموعة مكونات سورية، ولعل “الانتفاضة القبلية” التي شهدتها دير الزور منتصف العام الماضي هي خير مثال على ذلك.

الحقوقي السوري، ومدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، ربط شرعية “العقد الاجتماعي” بحجم اشتراك مكونات المنطقة في إعداده، مشيرًا إلى الدستور السوري الذي أعده النظام عام 2012، إذ يعتبره الأحمد “منقوص الشرعية” كونه لم يحظَ بمشاركة السوريين جميعًا.

ولم ينفِ الأحمد احتمالية أن يكون “العقد الاجتماعي” خطوة نحو الانفصال، لكن لا يمكن الجزم في الأمر، خصوصًا أن المادة “5” منه تقول، “إن الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا جزء من جمهورية سوريا الديمقراطية”.

واعتبر أن شرعية أي “عقد اجتماعي” أو “دستور” تستمد من حجم المشاركة به، وقبوله على الصعيد المحلي، وبالنظر إلى حالة “الإدارة الذاتية”، يمكن التساؤل عما إذا كان لـ”العقد” جانب تقني يهدف لوضع قوانين تسيّر حياة سكان مناطق شمال شرقي سوريا.

ويمكن قراءة “العقد” على أنه “وضع مؤقت”، يراد منه ضبط القوانين في المنطقة الجغرافية التي تسيطر عليها “الإدارة”.

مدير البحوث في مركز “عمران”، اعتبر من جانبه أن “عيوب العقد الاجتماعي” أكبر مما يتضمنه من بنود، إذ يمكن النظر إلى الاسم نفسه على أنه عيب فيه، إضافة إلى طريقة إنتاجه غير التمثيلية وبالتالي غير الشرعية.

وأضاف أن “الإدارة الذاتية” تفتقد للقدرة على تنفيذ “العقد الاجتماعي”، لعدم وجود مؤسسات تخدم هذه المهمة.

 

“الإشكالية الكبرى في العقد الاجتماعي هو أن (الإدارة الذاتية) طرحته ليكون القانون الأعلى في المنطقة التي لا يوجد فيها قانون أساسًا، ويشرف على المؤسسات القانونية فيها كوادر غير مؤهلة، لا تملك الموثوقية أو المصداقية”.

معن طلاع

مدير البحوث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”

في خضم طرح سياسي

في 20 من كانون الأول 2023، قال قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، إن النظام السوري لا يزال يعوّل على الحل الأمني والعسكري، وهو ما ظهر خلال تحركاته بمحافظة دير الزور.

ودعا خلال مشاركته في المؤتمر العام الرابع لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، في 20 من كانون الأول، إلى تكثيف الجهود والعمل على تنظيم صفوف المعارضة “الوطنية” في عموم سوريا.

وأضاف أن “المعارضة المرتبطة بأجندة خارجية لا تملك أي برامج وأصبحت خارج المعادلة”، كما أن القوى الدولية لا تملك “برامج قوية” لقيادة الحل، ولا تظهر إرادة لإجبار جميع الأطراف على الخروج من الأزمة.

ورأى عبدي أن “المعارضة التابعة للخارج” فشلت بإيجاد أي حل لـ”الأزمة السورية”، معتبرًا أنها تركت الساحة للمجموعات “الإرهابية والراديكالية”.

وأضاف أنه كان لا بد من ظهور “المعارضة الحقيقية”، ما دفع لتأسيس “مجلس سوريا الديمقراطية”، بحسب عبدي.

ويشكّل “مسد” مظلة سياسية لـ”الإدارة الذاتية” و”قسد”، بحسب ما يعرّف عن نفسه عبر موقعه الرسمي.

عبدي أشار إلى أن “قسد” اتخذت من “مسد” مظلة سياسية، لتمثلها في المحافل السياسية الدولية والمحلية.

 

أُسس “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، أواخر عام 2015، بالتزامن مع تأسيس “قسد”، ليتحول تدريجيًا إلى ذراع سياسية للقوات المشكّلة من تحالف فصائل عربية وكردية وسريانية، التي تلقت الدعم الدولي في حربها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.

ويتبنى “الائتلاف” وأطياف المعارضة السورية المنبثقة عنه موقف تركيا نفسه من “الإدارة الذاتية” وذراعها السياسية “مسد” والعسكرية “قسد”، على أنها امتداد لحزب “العمال الكردستاني” في سوريا.

وعلى مدار السنوات الماضية ،طرحتالإدارة الذاتية خططًا للحوار مع النظام السوري والوصول إلى حل توافقي، لكن رفض النظام المستمر أفشل هذه الخطط والمبادرات، بحسب تصريحات سابقة لمسؤولين كرد.

وينظر النظام السوري إلى “الإدارة الذاتية” على أنها “كيان انفصالي” مدعوم من قبل دولة خارجية (الولايات المتحدة)، وبناء عليه، أبدى دعمه سابقًا للانتفاضة القبلية المسلحة التي شهدتها محافظة دير الزور ضد “قسد”.

خطوات جديدة

انتخب “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) خلال مؤتمره الرابع الذي عقد بمدينة الرقة، في 20 من كانون الأول 2023، محمود المسلط، وليلى قره مان، رئيسين مشتركين له، بمشاركة من ممثلين عن “الإدارة الذاتية”، المظلة السياسية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

وحملت الأسماء الجديدة ملامح تغيير، إذ ينحدر المسلط من خلفية عشائرية، وهو ابن شقيق رئيس “الائتلاف الوطني” المعارض، سالم المسلط، وفي الوقت نفسه كان يقيم في الولايات المتحدة، وتجمعه علاقات جيدة مع الأمريكيين والأتراك.

ومن جانب آخر، تعد ليلى قره مان عضوًا في حزب “العمال الكردستاني” المدرج على لوائح “الإرهاب” التركية والدولية، حالها حال سلفها إلهام أحمد.

ووفق النظام الداخلي الجديد لـ”مسد”، ألغى الأخير الهيئة التنفيذية من هيكليته، التي كانت تشغل رئاستها القيادية البارزة فيه إلهام أحمد، وأحد كوادر “العمال الكردستاني” في سوريا.

سبق ذلك أيضًا وعود قدمتها “الإدارة الذاتية” لإحداث تغييرات على صعيد إدارة محافظة دير الزور، التي نشبت فيها مواجهات مسلحة في آب وأيلول 2023، على خلفية اعتقال “قسد” لقائد “مجلس دير الزور العسكري”، وتحولت لانتفاضة تطالب بحقوق المكون العربي في المنطقة.

وطرحت “الإدارة“، بحسب ما أعلنته في 22 من تشرين الأول 2023، جملة من المخرجات مكونة من 42 بندًا، أبرزها إعادة هيكلة المجالس المحلية والتشريعية والتنفيذية والبلديات، وترتيب قوى “الأمن الداخلي” و”مجلس دير الزور العسكري” خلال ستة أشهر.

قائد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) مظلوم عبدي خلال مرايم تشييع مقاتليين في "قسد"- 22 من آذار 2023 (SDF press)

قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي خلال مرايم تشييع مقاتليين في “قسد”- 22 من آذار 2023 (SDF press)

مقالات متعلقة