ذوو الإعاقة في الشمال.. فجوة احتياجات لا تردمها المساعدات

طفل مهجر من حمص إلى الشمال السوري مصاب بالشلل نتيجة خلع ولادي في مخيمات شمالي حلب - 24 من كانون الأول 2021 (الدفاع المدني السوري)

camera iconطفل مهجر من حمص إلى الشمال السوري مصاب بالشلل نتيجة خلع ولادي في مخيمات شمالي حلب - 24 من كانون الأول 2021 (الدفاع المدني السوري)

tag icon ع ع ع

إدلب – عبد الكريم الثلجي

مع استمرار القصف الممنهج لقوات النظام السوري وحلفائها ضد المدنيين شمال غربي سوريا، تتزايد أعداد المصابين بإعاقات جسدية ونفسية، وتشتد الحاجة لتقديم الدعم والمساعدة لهم، كي يتمكنوا من الاستمرار بالحياة، فهم من الفئات المجتمعية الهشة التي تحتاج إلى عناية خاصة.

وتعاني المراكز التي تعنى بتقديم المساعدات الإنسانية لذوي الإعاقة من انعدام أو تقطّع التمويل، ما أثر سلبًا على حياة ذوي الإعاقة، الأمر الذي ضاعف من التحديات التي تواجههم.

مدير العلاقات في جمعية “عطاء الإنسانية”، الدكتور مأمون سيد عيسى، قال لعنب بلدي، إن تردي أوضاع ذوي الإعاقة شمال غربي سوريا يعود إلى أسباب عدة، أبرزها وجود نسب عالية من ذوي الإعاقة في المنطقة.

وتبلغ نسبة الإعاقة في مناطق سيطرة النظام من عدد السكان 27%، وفي مناطق سيطرة “الحكومة السورية المؤقتة” 19%، وبمناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” 37%، وفي مناطق سيطرة حكومة “الإنقاذ” 28%، وفق تقرير صادر عن برنامج تقييم الاحتياجات الإنسانية بالأمم المتحدة في 2021.

وذكر سيد عيسى أن ارتفاع نسب ذوي الإعاقة يعود إلى كثرة القصف من قوات النظام وحلفائها، وإلى نقص الوعي بأسباب الإعاقة، وإلى غياب الاستراتيجيات للتصدي للإعاقة، والحد من النسب المرتفعة لها، إضافة إلى وجود فجوات كبيرة في الخدمات المقدمة على جميع المستويات، منها الصحة والتعليم والحماية، فضلًا عن غياب خطط المواجهة.

تحديات أمام ذوي الإعاقة

يعاني الأربعيني ثائر بلال شللًا في قدميه منذ الطفولة، ويتنقل على كرسي متحرك، تحدى إعاقته ودرس وتخرج في كلية الحقوق بجامعة “دمشق”، كما يعمل في منظمة “سند” المعنية بذوي الإعاقة، وأسس مركزًا للأطفال ذوي الإعاقة في مدينة سلقين شمال غربي إدلب.

وقال ثائر بلال لعنب بلدي، إن أكثر ما يؤلمه هو ذو الإعاقة الذي لا يقوى على قضاء حاجته، ويشعر بالأسف لتزايد أعداد ذوي الإعاقة، مضيفًا أن جميع الأشخاص من هذه الفئة يعيشون “أوضاعًا انسانية صعبة” في الشمال السوري، خاصة القاطنين في المخيمات.

وذكر بلال أن العائلة التي لديها شخص ذو إعاقة تتغير حياتها جذريًا، فهي تعيش معاناة يومية في العناية به وتأمين احتياجاته، وهذا يحملها أعباء مادية إضافية.

وتابع بلال أن من يعيش في مخيمات الشمال السوري من ذوي الإعاقة تكون معاناته مضاعفة، فبيئة المخيمات وأرضها لا تسمحان لشخص على كرسي متحرك بأن يتحرك كما يريد، وفي كثير من الأحيان والأماكن لا يستطيع الحركة بمفرده، كما أن المرافق الصحية بالمخيمات في غالبيتها لا تناسب هذه الفئة المهمشة أساسًا، والوصول إليها أشبه بمغامرة.

“زلزال 6 شباط” عمّق الحاجة

كان للزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وأربع محافظات سورية، في 6 من شباط 2023، أثر كبير على ذوي الإعاقة شمال غربي سوريا، وزاد من معاناتهم وأعدادهم، فهي فئة هشة بالأساس تحتاج إلى من يعينها على تلبية احتياجاتها اليومية، فبعضهم مات تحت الأنقاض، لأنه لا يستطيع الهرب للخارج، وبعضهم ممن نجوا يعيشون ظروفًا إنسانية صعبة.

في هذا السياق قال ثائر بلال، إن ذا الإعاقة تُرك وحيدًا يواجه مصيره خلال الزلزال، فهناك من تركوا لوحدهم في أماكن متطرفة بالعراء يواجهون البرد القارس، وهناك من فقدوا ذويهم ولم يستطيعوا تأمين احتياجاتهم.

وتسبب الزلزال بسقوط آلاف الضحايا مع فقدان عديد من الجرحى أطرافهم أو حدوث إعاقات أخرى لهم، وأسفر عن تسجيل أكثر من 4500 حالة وفاة وأكثر من 10400 إصابة في شمال غربي سوريا، وشرّد أكثر من 57 ألف عائلة.

أبرز الاحتياجات

الدكتور مأمون سيد عيسى قال لعنب بلدي، إن أبرز ما يحتاج إليه الأشخاص من ذوي الإعاقة يتمثل بضرورة تأمين الكراسي المتحركة، وعكازات، وحفاظات (بامبرز)، وفرش خاصة، مع العمل على دمجهم بتعليم الطلاب غير ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى زيادة مراكز التأهيل، ومنها مراكز العلاج الفيزيائي لمعالجة المصابين بالشلل الذين لديهم قرح الفراش وتأمين أدويتهم.

وذكر تقرير صادر عن “وحدة تنسيق الدعم” أن أبرز الاحتياجات للأشخاص من ذوي الإعاقة في الشمال السوري هي تأمين قسائم مالية متعددة الأغراض، ووقود ووسائل التدفئة، وخدمات مخصصة لهم، وتوفير فرص عمل، والتعليم، والوصول إلى المرافق الصحية، وتدريبهم وتنمية مهاراتهم.

ومن الاحتياجات، تأمين كراسي متحركة ووسائل مساعدة في المشي، وتوفير وسائل النقل العام المناسبة، وتجهيز طرقات مناسبة.

وقال ثائر بلال الذي يتنقل على كرسي متحرك، إن معاناة ذوي الإعاقة متجددة في كل عام، خاصة في فصل الشتاء، حيث يتأثرون بالأجواء الباردة مع ارتفاع تكلفة وسائل التدفئة.

وذكر أن وطأة الاحتياجات المعيشية أصبحت أقوى على الأشخاص ذوي الإعاقة، وخصوصًا إذا كان أحدهم معيلًا أو فقد من يعيله، فهو يجد صعوبة في تأمين احتياجاته واحتياجات أسرته سواء أكانت غذائية أو معيشية أو رعاية صحية وأدوية، وهذا يسبب له ضغطًا نفسيًا مضاعفًا.

ضعف في الاستجابة

بحسب ثائر بلال، كان تعاطي المنظمات بطيئًا مع الاستجابة لتقديم الخدمات لذوي الإعاقة ممن تضرروا بكارثة الزلزال.

بدوره قال أحمد الحكيم، من قرية قرصة بمنطقة جبل الزاوية، وهو يعاني فقدان البصر بسبب قصف تعرض له من قبل قوات النظام، إن ذوي الإعاقة فئة مهمشة بالشمال السوري رغم قدرتهم على التفوق، ناهيك بأن نظرة سلبية لهم متمثلة بالشفقة أسهمت بهذا التهميش.

وأوضح أحمد أنه رغم بعض المبادرات الفردية من قبل جمعيات إنسانية وفرق تطوعية، فإن ذلك لا يعتبر كافيًا لتلبية احتياجات هذه الفئة.

وأضاف أن المساعدات الإنسانية المخصصة لذوي الإعاقة تكاد تنعدم، كما لا يوجد توجه لهذه الفئة من قبل المنظمات الإنسانية، مشيرًا الى ضرورة تأمين عناية صحية وكفالة مالية لهم ولعائلاتهم، فهناك نسبة كبيرة منهم يعيلون أسرهم وليس لديهم مورد مادي للعيش.

مراكز غير مدعومة

تعمل عدة منظمات على دعم مراكز لمساعدة ذوي الإعاقة في شمال غربي سوريا، لكن الحاجة أكبر.

وتعمل جمعية “عطاء” على عدة مشاريع عديدة لخدمة ذوي الإعاقة في تركيا، منها مركز “أذيات الحبل الشوكي”، ودار “الاستشفاء لإيواء المشلولين”، ومركز للأطراف الصناعية والعلاج الفيزيائي.

وتعمل منظمة “سند” المختصة بذوي الإعاقة على تقديم خدمات في قطاع الحماية والتعليم والتمكين الاقتصادي، وتتخذ من بلدة كفر تخاريم شمال غرب إدلب مركزًا لها في الداخل السوري، كما افتتحت مركزًا في كفر يحمول شمالي إدلب.

ويوجد مركزان لتعليم المكفوفين بطريقة “برايل” شمال غربي سوريا، الأول لهيئة الإغاثة التركية (IHH) بمدينة اعزاز شمالي حلب، والثاني لجمعية “رفع المستوى” في مدينة إدلب.

وتوجد مراكز التأهيل لذوي الإعاقات الذهنية في محافظة إدلب، وهي مركز “الرعاية الإنسانية”، ومركز “متلازمة داون”، ومركز “بشّر الصابرين”، ومركز “بسمة أمل” في سلقين.

وتعنى “دار السلامة” في منطقة سجو بريف اعزاز بتقديم الخدمات والرعاية للمسنين خاصة من ذوي الإعاقة، وتستقبل نحو 42 شخصًا من مختلف مناطق سوريا، وتعنى بتقديم الخدمات والرعاية لهم.

وقال نزار نجار، مؤسس “دار السلامة”، لعنب بلدي، إن الدار “غير مدعومة” من أي جهة سواء كانت حكومية أو من قبل المنظمات الإنسانية، إنما تعتمد على التبرعات من قبل ميسوري الحال من المغتربين أو من سكان المنطقة، مشيرًا إلى أن الدعم المقدم غير كافٍ وغير مستدام.

وتقدم الدار مختلف الخدمات للنزلاء من مأكل ومشرب ومبيت وتدفئة ورعاية صحية ونفسية ومعالجة فيزيائية، ولمختلف الفئات العمرية، إضافة إلى مراقبة المركز على مدار 24 ساعة عبر حرس ليلي ونهاري، ونقلهم للمستشفيات وقت الحاجة، وتأمين الأدوية اللازمة للمرضى منهم.

فيما يواجه مركز “سويًا” في مدينة أريحا جنوبي إدلب شبح الإغلاق نتيجة توقف الدعم عنه، ما يهدد بحرمان عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة من الخدمات التي يقدمها مجانًا.

ويُعني المركز الوحيد في المنطقة بتقديم الخدمات العلاجية المجانية للأطفال الذين يعانون الإعاقة الذهنية، وبسبب عدم قدرته على تحمل تكاليف الخدمات المقدمة للمرضى بسبب توقف الدعم عنه، فهو مهدد بالإغلاق.

وقال المشرف على المركز، إسماعيل الخطيب، لعنب بلدي، إن المركز كان عبارة عن مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي ومنظمة “أطفال الجنة”، إذ تم افتتاحه لمدة أربعة أشهر، ويستقبل 74 حالة من الأطفال ذوي الاعاقة، من مرضى التوحد أو الصم والبكم بشكل جزئي أو كامل.

وأضاف الخطيب أن مدة المشروع كانت أربعة أشهر فقط، ومنذ تاريخ 15 من تشرين الثاني 2023، بدأت كوادر المركز بالعمل بشكل تطوعي، ولا يزال مستمرًا بتقديم خدماته المجانية.

مكتب لذوي الإعاقة

مدير العلاقات العامة في مديرية الصحة بإدلب، غانم الخليل، قال إن المديرية مهتمة بشريحة ذوي الإعاقة، وأنشأت مؤخرًا مكتبًا مختصًا لرعاية شؤونهم والاهتمام بالحالة الصحية والمجتمعية لهم.

وذكر أن من يدير المكتب هو شخص لديه شلل في قدميه، مضيفًا أن من أهم استراتيجيات المكتب إنشاء قاعدة بيانات حقيقية وفعلية لذوي الإعاقة، لتسهيل عمل المنظمات التي تسعى لرعايتهم من خلال استهدافهم بعدة مشاريع.

وقال الخليل لعنب بلدي، إنه لا توجد إحصائيات دقيقة لأعداد ذوي الإعاقة في الشمال السوري، لكن تشير إحصائية أممية إلى أن 28% من السكان يعانون الإعاقة بجميع أشكالها، منوهًا إلى أن هذا الرقم كبير، وتجب متابعته أكثر للفت النظر تجاه هذه الشريحة واستكمال احتياجاتها، حيث يعمل المكتب المستحدث على تجهيز خارطة خدمات لهذه الشريحة.

وتشهد مناطق شمال غربي سوريا واقعًا طبيًا هشًا جراء تراجع المساعدات الدولية، ما ينذر بأزمة صحية لملايين الأشخاص، في ظل استمرار معاناة السكان من تردي الأوضاع الاقتصادية في المنطقة، بسبب قلة فرص العمل وانتشار البطالة والغلاء الكبير في الأسعار.

وتعيش المنطقة ظروفًا اقتصادية ومعيشية صعبة، ويسكنها 4.5 مليون شخص، 4.1 مليون منهم بحاجة إلى مساعدة، و3.3 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 2.9 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان يعيشون في المخيمات، وفق الأمم المتحدة، في حين تتحدث إحصائيات محلية عن 5.5 إلى 6 ملايين شخص.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة