تعا تفرج

عقول مثل الشامبو “2 في 1”

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

نستطيع، نحن أبناء هذه البلاد المنكوبة، أن ننظر إلى شعوب العالم المتقدم بشيء من التباهي والاستعلاء، فالإنسان عندهم، إما عالم مختص، أو جاهل خرف، أما نحن، فتوجد لدينا عقول شبيهة بعالم الشامبو (2 في 1).

تجد عندنا، على سبيل المثال، طبيبًا ذا اختصاص نادر، يتحدث في أشياء ساذجة، لا يصدقها عقل طفل صغير، ويصغي، باهتمام واحترام لحديث رجل خرف، ويطيّب له. وهناك أناس آخرون، مهمتهم الدفاع عن أصحاب العقول “2 في 1” ببسالة، فإذا حكيتَ عن “عالم فيزياء” يخرج مع الناس في صلاة الاستسقاء، يهاجمونك بشراسة، ليثبتوا لك أن ذلك العالم الفيزيائي (الاستسقائي) لم يكن مخطئًا، بل إن ما فعله عين الصواب!

تقول لهم: طولوا بالك يا شباب، حاولوا أن تفهموا وجهة نظرنا. يا أخي نحن، عامة الناس، إذا صعبت علينا معرفة الآليات العلمية التي تؤدي إلى هطول المطر، يجب علينا أن نذهب إلى ذلك العالم الفيزيائي، وهو يشرح لنا كيف تجري عملية التبخر من الأرض، ويصعد البخار إلى الأعلى، وتتشكل الغيوم المحملة بالمطر، ويحدد لنا الفروقات الحرارية التي تؤدي إلى هطول المطر، أو الثلج، أو البَرَد، ويُفهمنا أن ثمة غيومًا ممطرة، وأخرى خلبيّة، ولأجل تحقق الفاعلية الجوية التي تؤدي إلى الهطول، لا بد من هبوب رياح من البحر الأحمر، أو من البحر الأبيض المتوسط، وإذا لم تتوفر هذه الظروف يستحيل أن تمطر. وهذا يعني، في المحصلة، أن خروجه مع الناس في صلاة الاستسقاء أمر في منتهى الغرابة.

ونستطيع أن نزهو على أبناء العالم المتحضر بأشياء كثيرة أخرى، منها أنهم يعيشون في الحاضر، ويخططون للمستقبل، وأما نحن فنهتم لماضينا، وجذورنا، ونتغنى بتاريخنا، ورجالنا العظماء الذين فتحوا بلاد الآخرين، وضموها إلى مملكتنا. صحيح أن الملايين منا، يصرفون مليارات الساعات في مناقشات تتعلق بالماضي، ولكننا، بعدما نصرف كل تلك الساعات، نسير على بينة! ومن جهة أخرى، فإن المبدأ الأساسي، عند أهل الغرب، هو الإباحة، وأما نحن فالأساس عندنا هو المنع، والسبب أن كل ما نستخدمه في حياتنا من أدوات مستورد من عندهم، فحين اخترعوا “لوكس الإضاءة”، شككنا بأن الشيطان هو الذي يدفع بخار الكاز إلى الأعلى، فحرّمناه، وحينما أحضر المستعمر الإنجليزي الحقير، في سنة 1882، صنبور الماء إلى مصر، خاف منه أصحاب الفتاوى، فحرمه أصحاب ثلاثة مذاهب، وأما جماعة أبي حنيفة فسمحوا به، ولذلك أسمينا الصنبور “حنفية”، وحرم مشايخ حلب، في الثلاثينيات من القرن الماضي البندورة، لأنها حمراء مثل طيز الشيطان، ثم حللوها وأطلقوا عليها اسم “أفرنجي”.

حرمنا كل الاختراعات التي كانت تأتينا بالصوت والصورة، من خلال الأسلاك، أو دون أسلاك، مثل الراديو، والتلفزيون، والستالايت، والتلفون الجوال، والإنترنت ثم سمحنا بها. لماذا؟ لأن الناس صاروا، في البداية، يستخدمونها بالسر، و”على الهسي”، ووقتها وجد مشايخنا الأكارم أن بإمكانهم استخدامها لهداية الناس، ولذلك يستحيل عليك أن ترى، اليوم، شيخًا لا يستخدم الكمبيوتر، والتلفون، و”يوتيوب”، و”تيك توك”، وكله لماذا؟ لأجل الهداية طبعًا!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة