تعا تفرج

الجولاني في خطر

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

أخبرني أحد الأصدقاء، بكثير من المرح، والفرح، أن الرجل الغريب، القادم من تنظيم “القاعدة”، “أبو محمد الجولاني”، أصبح على حافة الرحيل. سألته: كيف عرفت؟ أجابني بأن هناك مظاهرات يومية، في محافظة إدلب، تطالب برحيله، من بينها مظاهرات نسائية.

قلت: هل أنت جاد في اعتقادك بأن المظاهرات يمكن أن تسقطه؟ يا رجل، 13 سنة، بأيامهن ولياليهن، والمظاهرات المطالبة برحيل بشار الأسد مستمرة، وهي ليست خجولة وقليلة العدد مثل المظاهرات التي تخرج ضد “الجولاني”، بل شجاعة، وتعدادها بمئات الألوف، لو جمعت الذين خرجوا خلال السنة الأولى لوجدت الرقم بعشرات الملايين، وقد تخلل بعضَها تمزيق صور بشار، وتكسير تماثيل والده، وتعرض بعضها لإطلاق الرصاص الحي، وبشار لم يرحل. قُتل في سوريا، منذ آذار 2011، ما يقارب مليون إنسان، وتهدمت أبنية كثيرة، وتشرد ملايين السوريين في أصقاع الأرض، وجاع قسم كبير من الباقين تحت سلطة بشار الأسد، ولكنه لم يرحل.

قال: برأيي أن المقارنة ليست في محلها. الأسد شيء، و”الجولاني” شيء آخر. أجبته: نعم، كلامك صحيح. بشار الأسد استمر في الحكم، حتى اليوم، مستفيدًا من لعبة التوازنات الدولية، وإذا كنت ناسيًا أذكرك بـ”الفيتو” الصيني- الروسي الذي رفع ولا يزال يرفع في مجلس الأمن، وبالتدخل العسكري الروسي والإيراني المباشر، وأما المجتمع الدولي، الذي كان متوقعًا أن يتدخل لإسقاط الأسد، مثلما حصل في العراق وليبيا، فغير أسلوبه في التدخل، وأمريكا التي تقود مثل هذه التحالفات، لا بد أنها أصيبت بخيبة أمل بأي تغيير في هذه المنطقة، فإزاحة الدكتاتور صدام حسين، عام 2003، لم تسفر عن إقامة دولة ديمقراطية حديثة في العراق، إذ سرعان ما أعيد الاعتبار للحرب العبثية السنية- الشيعية المستمرة منذ 14 قرنًا، ولعلمك، وعلم القراء الأكارم، أن 80 ألف عملية انتحارية نفذت على الساحة العراقية منذ سقوط صدام، والفراغ الذي نجم عن خروج القوات الأمريكية من العراق ملأته إيران والميليشيات الشيعية الموالية لها، وفي سنة 2014، اتسع نطاق تنظيم “الدولة الإسلامية” (السنية)، وامتد إلى سوريا، فاضطرت أمريكا لتشكيل أسطول جوي ضخم، وتقدمت وحدات عسكرية كردية، مسنودة بقصف طائرات التحالف، فحررت كوباني، ثم الرقة. وإسقاط معمر القذافي، في ليبيا، أدى إلى تناحر جماعات دينية وغير دينية، مدعومة من الخارج، وأصبحت اليمن، بعد سقوط علي عبد الله صالح، مرتعًا لـ”الحوثيين” الذين يقومون اليوم بالقرصنة على الملاحة البحرية العالمية.

المرض العضال، الذي لا يمكن الشفاء منه في منطقتنا، هو استعداد الأهالي لتشكيل حواضن شعبية للمتدينين المتطرفين، مثلما حصل مع كل الأمثلة السابقة، وقسم كبير من أهل إدلب رحبوا بـ”الجولاني” هذا، وقدموا له ما يلزم من دعم وتأييد، ومكنوه من حكمهم، وإجبار نسائهم على ارتداء اللباس الأفغاني، وتحولت إدلب، خلال حكمه، إلى جزيرة منعزلة عن سوريا، معادية لمختلف مكونات الشعب السوري.

هنا نصل إلى بيت القصيد في هذه المناقشة، وهو أن المشكلة ليست في تغيير شخصية “الجولاني”، بل بمعالجة المطبات الأخرى، وأولها رفع الوصاية والتسلط عن المرأة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة