سوريا دولة مؤسسات

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

في أوراقه التي نُشرت حديثًا، يكرر عبد الحليم خدام أن نظام البعث كان نظام مؤسسات، ويستشهد بالدستور رغم أن موازنة الدولة 12 مليار دولار كانت مسجلة باسم حافظ الأسد، كما يقول، وأن حافظ الأسد اتفق مع أخيه رفعت على إعطائه 500 مليون دولار من الأموال العامة مقابل أن يترك الأخير سوريا، ويحتفظ بمنصب نائب الرئيس لمدة عشر سنوات.

اشتكى الرئيس حافظ الأسد في أيامه الأخيرة من أن رئيس الوزراء السابق، محمود الزعبي، قد سرقه وزوّر توقيعه للبنك الخارجي، الذي يودع فيه حافظ الأسد أمواله، وسحب 65 مليون دولار، وهدد الأسد رئيس وزرائه بالإعدام ما لم يعد المبلغ، وبعد إعادته أُعلن عن حادثة انتحاره قبل أسبوعين من وفاة حافظ الأسد، وهذه نهاية تشبه التصفيات التي نالها غازي كنعان وغيره من المخلصين للنظام وبغير شفقة.

أما رفعت الأسد، الذي كان يهدد بقتل مليون مواطن من أجل الحفاظ على نظام البعث، الذي تمتلكه عائلة الأسد، فكان يدخل اجتماع القيادة أيام مرض حافظ عام 1983 ويصرخ بالموجودين “أنا أخو الرئيس ويجب أن أتعامل كالرئيس”. ومع ذلك يظل عبد الحليم خدام يكرر بأن “لدينا دستورًا ونظامًا يخضع له الجميع”، في نفس الوقت الذي كان فيه حافظ الأسد يقرر أسماء رؤساء الوزراء والمسؤولين الكبار لوحده، وما على رجالات النظام إلا الصمت في دولة المؤسسات الدستورية!

وفي دولة المؤسسات هذه، كان رفعت الأسد يمتلك قوات عسكرية باسم “سرايا الدفاع”، عددها 40 ألفًا وغير خاضعة لقيادة الجيش، وينال مديح أخيه الذي يشبهه بالمخرز في عيون الرجعيين، حسب خدام. وكل ذلك بعد مذابح حماة التي نفذها رفعت، وبعد أن نزلت تلك القوات مع المظليين إلى الشوارع في دمشق لنزع حُجب النساء بالقوة.

وفي دولة المؤسسات، كان رفعت يحاصر مدينة دمشق إبان مرض أخيه ليحل مكانه، واضطر علي دوبا وعلي حيدر وبعض الضباط إلى تهريب رجال وقذائف مضادة للدبابات إلى مبنى هيئة الأركان بسيارات الإسعاف لحمايته من قوات رفعت، التي تستعرض هيمنتها في ساحة الأمويين بانتظار موت حافظ الأسد لوراثته، وكان رفعت، حسب خدام، يستنكر استدعاء أطباء القلب من الخارج لمعالجة الرئيس حافظ الذي أصيب بنوبة قلبية، وكأنه يستعجل موته.

وفي دولة المؤسسات، يصدّق رئيس الوزراء عبد الرؤوف الكسم مقولة الحرية في شعارات البعث ويدافع عن نفسه، ويقول خدام: وهنا طلب الدكتور الكسم الحديث، وتوجه بكلامه إلى الرئيس الأسد قائلًا: كل منا يخطئ أنا أخطئ كما تخطئ أنت! فصُعق الأسد، وصمت الموجودون جميعًا أمام الجريمة التي ارتكبها عبد الرؤوف الكسم بمساواة حافظ الأسد بنفسه.

نشرت مجلة “المجلة” وصحيفة “الإندبندنت العربية” الشهر الماضي مقاطع مطولة من أوراق عبد الحليم خدام بعد سنوات من وفاته في 31 من آذار 2020، وحرّر تلك المقتطفات الصحفي السوري إبراهيم حميدي، الذي غطّى الشأن السوري خلال سنوات طويلة مع صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية وخلال عمله الحالي كأمين تحرير “المجلة” اللندنية.

وعلى اعتبار أن رفعت الأسد قبض النصف مليار دولار وتوجه إلى فرنسا محتفظًا بألقابه الرئاسية والرفاقية، فلا بد من ذكر حادثة صغيرة من دولة المؤسسات الفرنسية على سبيل الاستئناس، فالرئيس شارل ديغول محرر فرنسا من الاحتلال الألماني، أصر على تركيب ساعة كهرباء للجناح الذي يسكن فيه في الشانزلزيه ليدفع الكهرباء على حسابه ومن راتبه الشخصي، كرئيس للدولة يقبض راتبًا شرعيًا، وليس مثل حافظ الأسد الذي كان يقبض على مقدرات البلاد والعباد، وغيّر سوريا بشكل كارثي نال حتى اسمها إلى اليوم، لتعرف بـ”سوريا الأسد” كما يردد رجالات النظام.

وللتذكير فإن فيليب ديغول، ابن الرئيس السابق، الذي توفي 13 من آذار الحالي، أجاب باستنكار عن سؤال أحد الصحفيين حول طموحه السياسي قائلًا، إنه “ضابط في البحرية الفرنسية وله الشرف بذلك، فلماذا يطلب شيئًا آخر، هل لأنه ابن الرئيس؟”.

لكن رفعت الأسد الذي صار يعمل بتبييض أمواله ويتاجر بالعقارات، كان يضاعف ثروته وهو يعيل عددًا من عائلات ضباط “سرايا الدفاع” الذين اصطحبهم معه، على اعتبار أنه معتاد على وجود خدم وحشم وعبيد لديه، مثلما كان حافظ معتادًا على وجود المسؤولين مقوّسي الرقاب والمطيعين لكل نزواته، بما فيها نزوته وهو على فراش الموت بتعيين محمد مصطفى ميرو، وهو شخص سيئ السمعة ومدان من قبل الناس ومن قبل مسؤولي البعث، رئيسًا للوزراء، ليمهد للتوريث الذي تحول إلى كارثة جديدة على الشعب السوري، ولا يزال يعاني من أهوالها إلى اليوم.

تم طرد رفعت الأسد من فرنسا وحُجزت أمواله قبل أن يفرّ عائدًا إلى ابن أخيه ليحميه، حيث تتم ملاحقته بجرائم متعددة بما فيها جرائم مذبحة حماة 1982 من قبل المحاكم السويسرية التي طالبت به في 12 من آذار الحالي، باعتبار أن الجرائم ضد الإنسانية لا تموت بالتقادم.

أوراق عبد الحليم خدام لا تبرئه من الجريمة التي لا تزال مستمرة من قبل نظام البعث، ولكنها تخدم الشأن السوري، وتزيل بعض الغموض عن النظام المخابراتي الذي كان خدام أحد دعائمه، وكان يعرف كل كواليس نظام الأسد ويتعاطى مع سرقاته وجرائمه، رغم أنه يكرر دائمًا في أوراقه المنشورة حديثًا، بأن سوريا دولة مؤسسات!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة