أبعاد أمنية واجتماعية تغيّب النساء عن الحراك في إدلب

مظاهرات في الذكرى الثانية عشرة للثورة السورية في إدلب - 15 من آذار 2023 (الجزيرة)

camera iconمظاهرات في الذكرى الثانية عشرة للثورة السورية في إدلب - 15 من آذار 2023 (الجزيرة)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ريم حمود

تغيب المشاركة النسائية عن الحراك المدني في إدلب ضد سياسات “هيئة تحرير الشام”، بينما يستمر هذا الحضور في فعاليات وأنشطة أخرى كذكرى الثورة السورية في عامها الـ13.

وتشهد إدلب حالة رفض لسياسات هيئة “تحرير الشام”، صاحبة السيطرة العسكرية في المنطقة، وسط مظاهرات مستمرة، أعرب المتظاهرون فيها عن مطالبهم بإسقاط قائد الفصيل، “أبو محمد الجولاني”، والإفراج عن المعتقلين وتبييض السجون ومحاسبة المعتدين على المعتقلين.

ورغم النشاط المدني للنساء في شمال غربي سوريا، في إطار منظمات المجتمع المدني، بالعمل المدني والتنموي والإغاثي والاستجابة الطارئة وتمكين النساء، لم تشارك إلى الآن سيدات في الحراك ضد سياسات “تحرير الشام”، وسط ضغوط وتضييق مجتمعي وعسكري تتعرض له المرأة في المنطقة.

مخاوف من القبضة الأمنية

الناشطة المدنية شذى بركات، قالت لعنب بلدي، إن الخوف من المعتقل رافق الشعب السوري منذ الصغر، مستشهدة بما فعله النظام السوري من “إبداع باستعمال أساليب تعذيب وقتل وإخفاء قسري منذ بداية الثورة السورية التي اندلعت عام 2011”.

الخوف من المعتقل لم ينتهِ عند النظام السوري، بل يتكرر في مناطق حكومة “الإنقاذ”، مشيرة إلى أن النساء السوريات محبطات مما عشنه من تهجير واعتقال لأبنائهن والتضحية بكل شيء من أجل المظاهرات السابقة التي يجب أن تُقطف ثمارها الآن، ومن الخروج مجددًا بثورة قد تترتب نتائجها بنفس الطريقة على الشعب.

وترى بركات، التي تكرس جهودها لدعم المهجرين وتمكين النساء، أن الظرف في الوقت الحالي يتكرر لكن بطريقة أسوأ، خاصة بعد التعرض للتهجير والاعتقال والقتل دون الوصول إلى نتائج مجدية حتى الآن.

ومن وجهة نظر الناشطة الحقوقية حلا إبراهيم، لا يوجد رفض لحضور النساء بالمظاهرات، وغياب تبني أي جهة للحراك الشعبي يجعله متاحًا للجميع من نساء ورجال دون الضرورة لتوجيه دعوات للمشاركة.

لكن الخوف من القبضة الأمنية أولًا والمجتمع ثانيًا، من الأسباب التي تمنع مشاركة النساء في الحراك الشعبي ضد “الجولاني” في إدلب، بحسب حلا إبراهيم التي تعمل لدى “رابطة المحامين السوريين الأحرار”.

ووفق تقرير”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” الصادر بمناسبة مرور 13 عامًا على انطلاقة الثورة السورية، يوجد ما لا يقل عن 156 ألفًا و757 شخصًا، بينهم أكثر من خمسة آلاف طفل و10 آلاف سيدة، قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري على يد قوات النظام والأطراف المسيطرة.

ومن بين الحصيلة أكثر من 2500 شخص، بينهم 47 طفلًا و45 سيدة، معتقلون أو مختفون قسرًا على يد “هيئة تحرير الشام”.

استغلال للمطالب

الناشطة الحقوقية حلا إبراهيم، قالت لعنب بلدي، إن من أسباب عدم المشاركة أيضًا الخوف من استغلال وجود النساء لمصلحة حزب “التحرير”، إذ تخرج نساء من أقارب المعتقلين التابعين للحزب في سجون “تحرير الشام” بشكل دوري في مناطق متفرقة من إدلب.

الناشطة حلا تحدثت عن تخوف من أن النساء في حال حضروا المظاهرات من المحتمل أن ينسبوا إلى حزب “التحرير”، وهو ما لا يعبر عن الواقع.

مظاهرات “حزب التحرير” تنشط بمعزل عن المظاهرات المدنية المطالبة بتغيير سياسات “هيئة تحرير الشام” وإسقاط قائدها “الجولاني.

وتخرج مظاهرات بشكل مستمر في دير حسان وكللي والسحارة وبابكة والأتارب وغيرها من المناطق من أهالي معتقلين في حزب “التحرير”، للمطالبة بالإفراج عنهم من سجون “هيئة تحرير الشام”، ورفض سياسة “الاعتقالات التعسفية” التي تنفذها.

وفي 7 من أيار 2023، شن “جهاز الأمن العام” العامل في إدلب حملة اعتقالات ومداهمات طالت أعضاء في الحزب، دون مذكرات رسمية أو قانونية، وفق شهادات لأهالٍ في قرية دير حسان، ما أدى حينها إلى تحركات النساء من أهالي المعتقلين.

ويتهم أعضاء حزب “التحرير” (حزب إسلامي سياسي، لا يعترف بحدود الدول الوطنية، ويطالب بعودة الخلافة الإسلامية) “الهيئة” بـ”تكميم الأفواه، ومحاكاة أسلوب النظام القمعي، وتجميد الجبهات”، في حين تتهم “تحرير الشام” الحزب بـ”شق الصفوف، وتخوين المرابطين، وبث الشائعات”.

أبعاد أمنية واجتماعية

مشاركة النساء في المظاهرات التي تخرج ضد سلطات الأمر الواقع تختلف عن مشاركتهن بمظاهرات إحياء ذكرى الثورة السورية وغيرها من فعاليات واحتجاجات، إذ تحمل الأولى في طياتها أبعادًا عدة تشرحها الباحثة الاجتماعية في مركز “عمران للدراسات” حلا حاج علي.

وقالت الباحثة لعنب بلدي، إنه لا بعد أمني في مشاركة النساء بمظاهرات الثورة السورية في مناطق شمال غربي سوريا، بينما الانضمام للحراك الشعبي يسبب الخوف من خطورة الاعتقال من “هيئة تحرير الشام”، ويحمل بُعدًا اجتماعيًا بشأن تقبل فكرة الاعتقال، مشيرة إلى أن “الهيئة” حريصة على عدم اعتقال النساء تخوفًا من الشحن المجتمعي الذي قد ينتج عنه.

إحجام النساء عن المشاركة بالحراك يعود لسببين، أولهما المجتمع، والآخر الخوف من القبضة الأمنية، إثر التهديدات التي وصلت سابقًا لنساء عاملات بالشأن العام أدى بعضها إلى القتل، ما يجعلهن يتحاشين المشاركة خوفًا من انتهاء الحراك دون تغيير أو تنفيذ للمطالب، وتعريض أنفسهن للخطر بشكل دائم في حال تعرفت السلطات عليهن، وفق الباحثة الاجتماعية.

 

المرأة في مناطق شمال غربي سوريا ليس لديها استقرار عائلي، وفي حال شاركت وكان لديها رأي أو نشاط تُعرض الدائرة الضيقة من عائلتها للخطر، وخاصة أن المجتمع ما زال أبويًا يحمّل الرجل تبعات ما تفعله المرأة.

حلا حاج إبراهيم

باحثة اجتماعية في مركز “عمران للدراسات”

 

وتعتقد الباحثة أن الخوف من القبضة الأمنية هو السبب الرئيس لغياب العنصر النسائي عن هذه المظاهرات، ولا علاقة لخوف الانتساب لحزب “التحرير”، فمناصرو الحزب لا يشكلون نسبة كبيرة.

وترى الباحثة، كرؤية مستقبلية للحراك الشعبي، أن من الممكن أن تشهد المنطقة حركة لمشاركة النساء في حال توسع أكثر وأخذ بُعدًا أكبر بشكل مستمر، دون تعرضه لمواجهة قبضة أمنية.

حراك ضد “الهيئة”

تأتي المظاهرات عقب حالة غضب بين أوساط المدنيين والعسكر شهدتها إدلب، إثر مقتل عنصر من فصيل “جيش الأحرار” في سجون “هيئة تحرير الشام”، إثر تعذيب تعرض له على خلفية ملف “العمالة” الذي يعصف في صفوف “الهيئة” منذ عام.

وأطلقت “هيئة تحرير الشام” ومظلتها السياسية حكومة “الإنقاذ” عدة وعود وإصلاحات، منها عفو عام بشروط واستثناءات، وتشكيل لجان للاستماع إلى الأهالي، وإلغاء رسوم عن الأبنية وإعفاء جزء منها وفق شروط، لكن ذلك لم يمنع من خروج المظاهرات.

وقال وزير الداخلية في “الإنقاذ“، محمد عبد الرحمن، إن الوزارة أخلت سبيل 420 سجينًا، بمقتضى مرسوم العفو، متوعدًا بإخراج أعداد أخرى شملها العفو.

وشُكلت حكومة “الإنقاذ” بدفع من “هيئة تحرير الشام” في 2 من تشرين الثاني 2017، وتدير مفاصل حياة السوريين بمحافظة إدلب، وجزء من أرياف حلب الغربية والشمالية، ومساحة من ريف اللاذقية الشمالي، وجزء من ريف حماة أيضًا.

وكان “المجلس الإسلامي السوري” دعم الحراك الشعبي، في 10 من آذار الحالي، مؤكدًا تجريم كل مظاهر الظلم من سجن بغير حق وتعذيب وفرض ضرائب وتجاوز صلاحيات القضاء، معتبرًا أن التظاهر “حق مشروع لكل المواطنين”.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة