منها "الهجيني" و"الجوفية" و"السَحجة"

الأغنية الشعبية في درعا.. تراث الفرح والحياة والحرب

أفراح آل المسالمة في درعا - 2023 (مشاعل الخليج/ يوتيوب)

camera iconأفراح آل المسالمة في درعا - 2023 (مشاعل الخليج/ يوتيوب)

tag icon ع ع ع

درعا – سارة الأحمد

“دارٍ دعتنا عالفرح، واجب علينا نزورها.. شوفو دار أبو محمد، بضيوفو شعشع نورها”، بترديد هذه الكلمات بدأ مطرب شعبي إحياء حفل عرس في درعا البلد قبل شهر، وواصل بعدها بمجموعة من الأغاني التراثية المشهورة في محافظة درعا.

العرس إحدى المناسبات التي لا تغيب عنها الأغنية الشعبية في درعا، والتي تحمل لهجة سهل حوران، لتعكس احتفاظ أبنائه بعادات وتقاليد خاصة بالأعراس توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد.

وتعرف الأغاني الحورانية الشعبية ببساطتها وعمقها، كما تشبه بيئة المنطقة والطبيعة الجغرافية بتنوعها وقدمها.

أنواع الأغنية الشعبية

رأفت الجباوي (33 عامًا)، مطرب شعبي من قرية أم المياذن بريف درعا الشرقي، قال لعنب بلدي، إن هناك أنواعًا للأغنية الشعبية في درعا، ومنها “المَيسر” و”الهجيني” و”الزَفة” و”الدلعونا”، وتتميز بغناء “الجوفية والجَفرا والسَحجة وزريف الطول والقصيد والحَداء”.

وأضاف الجباوي أن غناء التراث الشعبي قديم قِدم التاريخ، ويحافظ عليه أهل درعا إلى يومنا هذا، في جميع المناسبات كالأفراح والسهرات والحروب والغزل والعمل للرجال والنساء.

ولا تحيد تلك الأنواع من الغناء، حسب الجباوي، عن مقامي “البيات” و”الراست”، كما يرافق القصيد في المضافات الربابة، بينما استُخدم المجوز والطبل والشبابة في الأعراس والمناسبات الصاخبة.

وتابع المطرب أن من نماذج “الدلعونا” في محافظة درعا، تلك التي تقول، “طِلعتْ على الدرجْ طَخه على طَخه، داستْ بقلبي ما قلتش آخه.. والله يا حلوة لانصبلك فَخه واصيدك صيد الحَجل يا عيونا”، وهي تختلف عن غيرها من المحافظات السورية.

وأوضح أن الغناء الشعبي متنوع في حنة العريس، ويقال في هذه المناسبة “يا رِيتكْ مباركة علينا علينا، وتبشري بالصبي يلعب حوالينا”، وذكر أن مما تردده النساء في حنة العروس، “من وادي لوادي احنا مشينا، من وادي لوادي.. ومن بنات الجوادي احنا خذينا، من بنات الجوادي”.

ولحوران أغانٍ تراثية تغنى أهلها فيها بأرضهم وافتخروا برجالهم وما فعلوه عبر الأجيال، من محاربة للقوى التي تعاقبت على احتلال الأرض السورية، وهذا ما أشار إليه الجباوي بترديده أغنية “حوران حورانِ جَنة، بِسهولها والهضاب.. ياما بترابك دِفنا، جيشَ فرنسا والأجناب”.

ويعد “الهجيني” أقدم أنواع الغناء في درعا، وكلمة “هجيني” مشتقة من كلمة الهجانة، وهو الغناء العربي الأصيل، وكان سابقًا يردده الرجال وهم على ظهر الخيل أو الناقة، وفق الجباوي.

وفي هذا السياق ذكر الطبيب وعازف العود والكمان محمد حريدين، وهو من أبناء مدينة طفس، أن أبناء درعا ما زالوا يرددون “الهجيني” في كل المناسبات، وأن بعض المطربين الشعبيين أعادوا ترديد الأغاني عبر ألحان تراثية مختلفة عن السابق، كما فعل المطرب الشعبي أحمد القسيم، حين أعاد غناء هذه الكلمات “جَتنا البنية تِجرَ الثُوب، تِمشي على نَاعم الرِيشِ.. يا صِيتَ أَبوها بين العربان، مع دقاقين المهابيشِ”.

وأَضاف حريدين أن النساء أيضًا يتداولن غناء “الهجيني” ضمن مناسبات عدة، وينتشر هذا اللون عند كبار السن، خاصة كقول “يا قمر يلي مكانك فوقْ، يلي تِشوفَ البعيديني.. أَنا اشهد إِنك تِشوف الشُوق، يا ريت عينك بَعد عيني”.

أما “الجوفية” فعرّفها حريدين بأنها شعر قديم يغنيه أهالي درعا منذ القرن الـ19، وتعود التسمية إلى منطقة الجوف في المملكة السعودية، حيث يتشكل صفان من الرجال بشكل متقابل مع مشي خطوة للأمام والخلف، وتُغنى دون آلة موسيقية، ومن أغانيها “أول القول ذكر الله، أَول القول ذكر الله.. والشياطين نخزيها، والشياطين نخزيها”.

أغانٍ لا تمت للتراث بصلة

السفير السابق والشاعر نور الدين اللباد (63 عامًا)، من مدينة الصنمين شمالي مدينة درعا، قال لعنب بلدي، إن بعض الأغاني تُتداول على أنها من تراث محافظة درعا، وفي الحقيقة لا يتعدى عمرها 40 عامًا، كأغنية من “مفرق جاسم للصنمين “.

وذكر اللباد أن الأغنية من كتابته عام 1983، حين كان طالبًا في السنة الثانية بجامعة “دمشق”، وحضر في نفس العام عرسًا بقرية القنية شمالي محافظة درعا، وخلال غناء المطرب لـ”الدلعونا”، كتب نور الدين اللباد على ورقة صغيرة كلمات أُغنية ليغنيها المطرب تقول:

“من مفرق جاسم للصنمينِ
حاجة تِهل الدمع يا عيني
على وليف كان مسليني
واليوم مْفارق سودا العيونا”.

وأضاف اللباد أنه منذ ذلك الصيف يتم غناؤها على أنها من الأغاني التراثية لمحافظة درعا، وتُنسج حولها قصص عديدة لم تحدث.

توثيق الأغنية الشعبية

حاول العديد من الباحثين توثيق الأغاني التراثية الشعبية لمحافظة درعا، وكان أبرزهم المحامي والمرجع الموسيقي في شؤون التراث الحوراني المتوفى أحمد المسالمة.

وقال المسالمة عام 2011، إنه حاول جاهدًا منذ عام 2009 توثيق التراث الغنائي لمحافظة درعا، ليُغني المكتبة السورية والعربية على حد سواء، من خلال توثيق 60 أغنية من التراث الحوراني.

وذكر أنه أجرى جولات ميدانية على معظم مدن وبلدات محافظة درعا، والتقى كبار السن وجمع كلمات وألحان التراث منهم، باعتبارهم المصدر لتوثيق تقاليد الحياة الاجتماعية في محافظة درعا.

وأضاف أن التدوين شمل الأغاني الوطنية، وأغاني حب الأرض، ومراسم عقد الراية (الصلح)، وأغاني الأفراح التي تعبر بمضمونها عن الحياة اليومية، فضلًا عن أغاني الدبكات بأنواعها، وذلك بمرافقة آلات العزف التراثية كـ”المجوز والشبابة”.

ويوجد العديد من الباحثين والموسيقيين الذين ما زالوا يعملون في توثيق الأغنية التراثية بدرعا، كالباحث عبد الحميد ناصر، ونضال شرف، والموسيقار فادي المصري، وغسان العبود، وتيسير الفقيه، والدكتور نايف أبازيد وغيرهم.

كما تميزت محافظة درعا بفرق شعبية عديدة تحيي باستمرار حفلات للأغنية التراثية في المهرجانات و”الأوبرا” والمراكز الثقافية، منها فرقة “الثقافة”، وفرقة “درعا للفنون الشعبية” التي أُسست عام 1992، وتوقفت خلال اندلاع الثورة في درعا ثم عادت عام 2018، إذ أعيد ترميمها

بعناصر جديدة من الشباب معظمهم من الطلاب الجامعيين باختصاصات الهندسة والصيدلة والطب مدفوعين بحبهم للتراث الشعبي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة