ما الذي يريده النظام السوري من إحصاء أعداد اللاجئين

أول دفعة من اللاجئين السوريين وصلت عام 2013 مدينة هانوفر الألمانية من لبنان واستقبلها مسؤولون ألمان (dpa)

camera iconأول دفعة من اللاجئين السوريين وصلت عام 2013 مدينة هانوفر الألمانية من لبنان واستقبلها مسؤولون ألمان (dpa)

tag icon ع ع ع

كشف رئيس المكتب المركزي للإحصاء في سوريا، عدنان حميدان، أنه يتم العمل حاليًا على إعداد مذكرة تفاهم بين المكتب، ووزارتي الخارجية والداخلية لإحصاء أعداد المهاجرين السوريين في الخارج، مشيرًا إلى دور البعثات الدبلوماسية.

ونقلت صحيفة “الوطن” المحلية، في 28 من آذار، عن حميدان قوله إن وزارة الداخلية معنية في موضوع إحصاء أعداد المهاجرين، باعتبار أنها المعنية في رصد حركة السكان المسافرين والقادمين إلى سوريا عبر إدارة الهجرة والجوازات، إضافة إلى دور الأحوال المدنية.

وشدد حميدان على معرفة صفات وخصائص المسافرين، من ناحية العمر أو القوة العاملة أو من حيث الجنس من الذكور والإناث، كاشفًا أنه لا توجد معلومات دقيقة عن الهجرة حتى الآن من المنظور السكاني والديمغرافي، والتوجه لتشكيل قاعدة عن المهاجرين، بالتنسيق مع الجهات المعنية، لتبيان تركيبة السكان.

تقصير وفوضى

وذكر حميدان أنه بمجرد وضع معلومات دقيقة عن أعداد المهاجرين، فستتم معرفة هجرة العمالة وأعمار العمالة التي هاجرت، وسيتم ذلك عندما تكون لدينا معلومات دقيقة عن أعداد المهاجرين، مشيرًا إلى تقصير كبير في هذا الموضوع، ويجب أن يكون هناك مبادرة منذ فترة في هذا الصدد.

واعترف حميدان بالفوضى في الأرقام التي كانت تصدر عن المكتب، ومن هذا المنطلق فإنه تم العمل من خلال التعاميم التي صدرت من رئيس الحكومة، التي تتضمن التعاون مع المكتب ودعمه لإصدار بيانات صحيحة.

“إظهار للاهتمام”

يثير سلوك النظام السوري بسعيه لمعرفة أعداد اللاجئين وصفاتهم، جملة من التساؤلات في هذا التوقيت، وللإحاطة بالأسباب المحتملة لهذه الخطوة، أوضح مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، الدكتور سمير العبدالله، لعنب بلدي، أنه لتفسير هكذا تصرفات، علينا أن نضعها ضمن السياق الذي تجري به الأحداث في الفترة الأخيرة.

وأشار العبدالله أن هنالك “محاولات للتطبيع مع النظام، وتسعى بعض الدول إلى إعادة تهيئته، وبموجب ذلك، يمكن أن نتوقع السبب وراء تحركه هو طرح موضوع عودة اللاجئين في الاجتماعات، التي تجري بين النظام والأمم المتحدة، والدول التي تتواصل معه بشكل متكرر”.

وذكر العبدالله أنها “إحدى الأدوات لإعادة تهيئته، لكن النظام لم تكن لديه أي معلومات مفصلة عن اللاجئين، حتى أن الأرقام لديه تقريبية، خاصة في الدول التي ليست له علاقات مباشرة معها أو في الدول الأوروبية التي لاتسمح بإرسال معلومات السوريين طالبي اللجوء للنظام السوري”.

لذلك ومن هذا المنطلق يمكن تفسير ذلك، بأن النظام يريد أن يظهر أمام محاوريه من الدول الغربية والأمم المتحدة، بأنه يهتم بمواطنيه ولديه معلومات ديمغرافية عنهم، بحسب العبدالله.

وتعد الحرب السورية من أكبر أزمات اللاجئين في العالم، إذ تُظهر الإحصائيات وجود نازحين سوريين قسرًا في أكثر من 125 دولة حول العالم، نتيجة للحرب التي تشهدها سوريا منذ عام 2011، يبلغ عدد اللاجئين السوريين الذين فروا من البلاد حوالي 6.8 مليون شخص، وفقًا لتقديرات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

يوجد معظم هؤلاء اللاجئين في البلدان الخمسة المجاورة لسوريا، وهي تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر. ويُشكل الأطفال أكثر من 47% من اللاجئين، بينما تبلغ نسبة الإناث حوالي 48%.

فيما بلغ عدد اللاجئين السوريين في ألمانيا حوالي 800 ألف سوري، وهو أعلى رقم تم تسجيله منذ عام 2011.

وتحتاج العودة الطوعية لهؤلاء إلى جملة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية، في ظل تهالك قدرات سوريا في جميع المجالات.

وعلى اختلاف الدوافع في اللجوء، فإن ممارسات النظام القمعية والأمنية، كانت من الأسباب التي دفعت الكثيرين نحو الهجرة، وعودة هؤلاء اللاجئين بالضرورة تحتم زوال الممارسات التي سببت هجرتهم، إضافة إلى إرساء نظام ديمقراطي في سوريا، وتحقيق المناخ السياسي الآمن، ودولة المواطنة، بحسب الدكتور سمير العبدالله.

تنسيق استخباراتي

في سياق ليس بعيدًا عن التنسيق مع البعثات الدبلوماسية في الخارج، كان “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، أشار في تحقيق له، أنّ لاجئين سوريين رفضوا الإدلاء بشهاداتهم ضد مجرمي حرب في عدة دول أوربية، جراء ترهيبهم من قبل عملاء النظام السوري في الخارج وملاحقة ذويهم في الداخل السوري.

ووفقًا للتحقيق، فإنّ سفارات النظام السوري في كل من بيلاروسيا وبلجيكا وقبرص ومصر وفرنسا واليونان والعراق واليابان والأردن ولبنان وروسيا والمملكة العربية السعودية وتركيا وأوكرانيا والمملكة المتحدة واليمن، متورطة بتلك الأعمال الأمنية والاستخباراتية.

وأدان التحقيق الذي أعده “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، في أيار عام 2023، السفارات السورية بالتواطؤ مع الأجهزة الأمنية، في جمع تقارير استخباراتية عن المواطنين السوريين في الخارج و اللاجئين السوريين.

وقال المركز في تحقيقه إنّه قام بتدقيق أكثر من 14 وثيقة من 483 ألف وثيقة، استطاع الحصول عليها في الفترة ما بين عامي 2013 و2015، من مرافق مهجورة تابعة لوزارة خارجية النظام السوري والسفارات والقنصليات والملحقات الدبلوماسية.

وحذّر المركز من أنّ افتتاح المزيد من السفارات السورية في دول أخرى، سيضيق الخناق على المواطنين السوريين في الخارج، وخصوصًا اللاجئين والمعارضين منهم.

تحصيل الأموال

في ظل الأزمة الاقتصادية وتردي الواقع المعيشي في سوريا، يعاني حوالي 12.1 مليون سوري، أي أكثر من نصف عدد السكان، من انعدام الأمن الغذائي، وفق أحدث تقارير برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة.

وإلى جانب الأزمة الاقتصادية وتردي الواقع المعيشي في سوريا، يلجأ آلاف الشبان إلى مغادرة البلاد هربا من التجنيد الإجباري في الجيش، وتلك المعاناة انسحبت نحو النظام الذي اعترف في أكثر من موقع بعجزه أمام هذا الواقع.

وكاحتمال آخر لأسباب سعي النظام لمعرفة أعدد المهاجرين، قال الدكتور سمير العبدالله، لعنب بلدي، إن “النظام في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها، يريد معرفة أعداد المهاجرين والتوزيع الديمغرافي لهم، ليصدر بعد ذلك قوانين تسمح له بتحصيل المزيد من الأموال منهم، كرفع قيمة البدل، أو رسوم جوازات السفر أو إطالة مدتها أو تقصيرها، وهذا كله بالتأكيد يحتاج إلى بيانات وأرقام دقيقة تساعده في ذلك”.

اقرأ أيضًا: الرقم الإحصائي غائب في سوريا

أرقام غير متطابقة 

ويُنتقد مكتب الإحصاء بشكل متكرر من قبل خبراء الاقتصاد والباحثين في هذا المجال، لغياب البيانات الإحصائية الصادرة عنه، إلى جانب امتناع المكتب الإحصائي عن إعطاء أية معلومة، من الممكن البناء عليها للصحفيين.

وكانت الباحثة رشا سيروب، انتقدت في 26 من نيسان 2022 عبر حديث إلى صحيفة “الوطن”، الرقم الإحصائي في سوريا، واعتبرته “مشكلة ليس لها حل، كونه يعاني من عدم الكفاية والشمول وغياب المشاركة والشفافية.

وهذا ما يمكن لحظه في تصريحات المسؤولين، في حال تم ذكر رقم ما، إذ إنها غالبًا ما تكون أرقامًا غير متطابقة”.

إضافة إلى انخفاض جودة البيانات وعدم توفرها بالوقت المناسب، مايعني وضع سياسات وسيناريوهات خاطئة وغير منطقية، بحسب سيروب.

ويسفر غياب الرقم الإحصائي الوطني، إلى انتشار بيانات ومعلومات صادرة عن جهات خارجية، التي يقول عنها بعض المسؤولين إنها “ذات أغراض سياسية”،مضيفة أن المكتب شريك في الأخطاء الناتجة عن عدم صوابية القرارات الحكومية.

يعتبر المكتب المركزي للإحصاء الجهة الرسمية، المسؤولة عن الإحصاء وجمع البيانات، والمعلومات المتعلقة بالأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، تأسس في عام 2005، ويتبع لرئاسة مجلس الوزراء.

كما يعد السلطة الوحيدة المخولة بحق طلب الإحصاءات، ولا يجوز لأي جهاز أو شخص طبيعي أو اعتباري أن يقوم ببحوث إحصائية، عن طريق توجيه الأسئلة الإحصائية أو الاستمارات، أو إصدار أي نشرة متضمنة لمعلومات أو أرقام إحصائية إلا بعد موافقة مسبقة من المكتب المركزي للإحصاء.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة