مسلسل “تاج”.. سوريا الجميلة قبل “التطوير والتحديث”

تاج الدين الحمال مع رفاقه في أحد مشاهد المسلسل السوري “تاج”

camera iconتاج الدين الحمال مع رفاقه في أحد مشاهد المسلسل السوري “تاج”

tag icon ع ع ع

يتواصل عرض مسلسل “تاج” خلال موسم دراما رمضان، بانتشار واهتمام من قبل شريحة واسعة من جمهور المشاهدين.

المسلسل الذي تنطلق أحداثه من الفترة التي تسبق استقلال سوريا، يقدم كثيرًا من التفاصيل عن تلك المرحلة ونمط الحياة وأسلوب مقاومة الوجود الفرنسي، متخذًا من العاصمة السورية، دمشق، مسرحًا للأحداث.

وككل الحروب وحالات الفوضى التي يمكن أن يعيشها أي بلد، يجد المخلص الشريف، والخائن الذي لا يؤتمن، طريقًا للتعبير عن الذات، وهو ما يحاول العمل أن يقوله، مع الإشارة إلى العوامل التي تحكم حياة الطرفين.

وطالما أن البلاد محكومة بقوة أكبر غير منضبطة ولا تحتكم للقانون، فما يجمع الخائن والشريف هو العمل بالسر، والخوف من الوشاية، فالمخلص لبلده يخاف أن يقع فريسة للجنود الفرنسيين، إذا اكتشفوا عمله السياسي ونضاله وعملياته التي تؤرق وجودهم، بينما يخشى الخائن من سلطة المجتمع، ومن عقاب الشارع الذي يمكن أن يتسبب بدفعه الثمن، كونه عدوًا للجماعة والوطن.

ويحاكي هذه الحالة في مسلسل “تاج” الملاكم تاج، وهو رجل يعمل لخدمة وطنه، ويتقرب لتحقيق هذا الغرض من الجنود الفرنسيين، ما يؤدي إلى وصمه اجتماعيًا، والتعامل معه كجاسوس أو عميل، بينما يتولى دفة الخيانة رياض، وهو خياط منخرط بالحياة السياسية نسبيًا، يمارس الوشاية لمصلحة الفرنسيين ضد أبناء بلده، لكنه يتخفى تحت قناع من الوطنية الزائفة.

الاهتمام الذي أبداه صناع العمل بالمسلسل، عبر إقامة مواقع التصوير من الصفر، وبناء مدينتين مصغرتين محاكاة للبيئة الأصلية، والتكاليف العالية والعمل الشاق الذي سبق مرحلة التصوير، كل هذا انعكس على قبول العمل لدى المشاهد، وتبنيه ومتابعته، مع توضيح يحمي العمل من تهمة التحريف أو التشويه التاريخي، كون القائمين عليه لم يتعاملوا معه أساسًا باعتباره وثيقة تاريخية، وإنما كنقل لمشاهد ولمحات من التاريخ جاءت خلفية زمنية للأحداث.

العمل الذي يعكس جزئيًا حالة سوريا زمن الانتداب الفرنسي، يقدّم بشكل غير مباشر نظرة على الواقع المعاصر، فالحالة العمرانية والخدمية والصورة البهية التي تطلبت أشهرًا من البناء والتجهيز محاكاة للوضع في تلك الفترة، وفق تصريحات لمنتج العمل، تقدّم سوريا في أربعينيات القرن الماضي بصورة أبهى مما كانت عليه عام 2010، أي قبل الثورة السورية وتدمير الكثير من الحواضر والمدن على يد قوات النظام، بمعزل عن شعارات “التطوير والتحديث” التي حملها بشار الأسد عند وصوله إلى حكم سوريا عام 2000 دون انتخابات، وحتى أفضل من الفترة الممتدة إلى ما قبل ذلك ممثلة بحكم والده حافظ الأسد منذ عام 1970.

كما أن المظاهرات في تلك الفترة وحالة العصيان والإضرابات، كانت وسيلة يستعملها الشارع للتعبير عن غضبه أو شعوره الوطني، وبدا ذلك في أحد المشاهد، حين هدد شكري القوتلي ضابطًا فرنسيًا بخروج الشعب للتظاهر وإعلان العصيان، ما لم يتم الإفراج عن طلاب جامعة اعتقلوا خلال مظاهرة تطالب بانسحاب الفرنسيين من سوريا، ليبدي الآخر تجاوبًا مع هذا التهديد، وهو ما عكس حالة خشية من صوت الشارع لم تشهدها سوريا في تاريخها المعاصر، وتحديدًا خلال الثورة السورية التي بدأت في 2011.

ويظهر في العمل علم الثورة السورية في مكتب شكري القوتلي، وفي مكاتب الضباط السوريين في تلك الفترة، إلى جانب حالة خدمية بدت معها دمشق كموقع لتصوير فيلم أجنبي رومانسي، خلافًا لصورة المدينة الحالية التي غطاها الإهمال والفقر، وأبعد أهلها عن النقاشات الجادة والعميقة التي تنشد النهضة، بعد إشغال الناس بتفاصيل احتياجاتهم اليومية، وتحويل رغيف الخبز إلى معاملة حكومية وقرار وزارة تحدد ما يحصل عليه المواطن منه.

بعض العناصر الفنية في العمل قرّبته من خانة المقارنة مع مسلسل “الزند”، على أكثر من مستوى، فالكادر الرئيس للعملين هو نفسه، انطلاقًا من المؤلف عمر أبو سعدة، والمخرج سامر البرقاوي، والمنتج صادق الصباح، والممثل تيم حسن، ومؤلف الموسيقا التصويرية آري جان.

كما أن شخصية البطل الذي لا يقهر في “الزند” حاضرة في مسلسل “تاج”، بمعزل عن تغييرات الشخصية على مستوى الشكل واللهجة، فالعنترية والشتائم ثيمة مشتركة بين الشخصيتين، مع اختلاف في بداية سرد الأحداث، إذ أظهر مسلسل “تاج” دخولًا أكثر برودة مقارنة بـ”الزند”.

يطل العمل على جمهوره بصورة جميلة تمنحه بعدًا سينمائيًا إلى حد ما، ليترك لدى المتابع الانطباع الذي خلقه مسلسل “الزند” على مستوى الصورة والإخراج والإضاءة، مع تصاعد متواصل في الأحداث يعزز حالة التشويق وانتظار الحلقة المقبلة.

ورغم الجدل حول غياب الترجمة من الفرنسية في العمل، فإن العرض الرئيس على المحطات التي تتبنى المسلسل، ومنصة العرض “شاهد”، يترافق بترجمة عن الفرنسية قد تغيب عند سحب العمل أو قرصنته، كون الترجمة خدمة مضافة للعرض، وليست من أساس العمل.

يشارك في بطولة “تاج”، إلى جانب تيم حسن، كل من بسام كوسا، وفايا يونان، وكفاح الخوص، ونورا رحال، وإيهاب شعبان، وموفق الأحمد، وسوسن أبو عفار، وجوزيف بو نصار، ونتاشا شوفاني، وباسل حيدر.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة