tag icon ع ع ع

حسام المحمود | يامن مغربي

تصاعد الحديث مؤخرًا عن دور سعودي محتمل لاستضافة المملكة أعمال اللجنة الدستورية السورية، وسط مساعي المبعوث الأممي إلى سوريا لتجاوز خلاف المكان الذي تمسكت به موسكو بعد الجولة الثامنة، حين اعتبرت سويسرا التي تستضيف في ثاني أكبر مدنها، جنيف، اجتماعات اللجنة، طرفًا لم يعد محايدًا في هذا المسار، بسبب موقفها المعارض للغزو الروسي لأكرانيا وما ترتب عليه من إجراءات ومواقف.

الذهاب إلى الرياض، كان ضمن نقاشات بيدرسون مع وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، في زيارته الأحدث إلى دمشق في 17 من آذار الحالي، إذ نقلت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، عن مصدر دبلوماسي في دمشق لم تسمِّه، أن بيدرسون طرح خلال اجتماعاته بدمشق مقترحًا بأن تكون العاصمة السعودية الرياض مقرًا لانعقاد هذه الاجتماعات، وقد يجري ذلك في حال الحصول على موافقة جميع الأطراف.

هذا التصريح تبعه في اليوم التالي ما نشرته صحيفة “الشرق الأوسط” حيال موقف المعارضة السورية، متمثلة في هذا المسار بـ”هيئة التفاوض”، إذ قال رئيس “الهيئة”، بدر جاموس، إنه طرح على الأمم المتحدة وأبلغ “الإخوة في السعودية” برغبة “هيئة التفاوض” في أن تكون الاجتماعات بالرياض، وجرى ذلك في بداية المفاوضات حين كان هناك رفض لجنيف.

وأضاف بدر جاموس، “وبعدها المبعوث الخاص اقترح نيروبي، ووافقنا على ذلك، وحاليًا دعا إلى جنيف ووافقنا على ذلك أيضًا”.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع معنيين ومطلعين على الملف السوري، الدور المترتب على موافقة السعودية المحتملة وإمكانية الذهاب إلى الرياض، ومستقبل هذا المسار السياسي العالق منذ حزيران 2022، ولم تحقق جولاته الثماني السابقة ما يفاجئ السوريين في الواقع، على المنحى الإيجابي.

الرياض بديل محتمل.. لماذا؟

حين التقى بيدرسون بالمقداد، في 17 من آذار، تطرق المبعوث الأممي إلى ضرورة استئناف أعمال اللجنة الدستورية، فالظروف الراهنة في سوريا مرتبطة بالعملية السياسية، وقال، “نعلم جميعًا أنه حتى نتمكن من الابتعاد عن التحدي الأمني والتحدي الاقتصادي، فنحن بحاجة إلى إحراز تقدم على الصعيد السياسي، وأخشى أنه ليس لدي جديد لإخباره بهذا الشأن”.

لم يحصل بيدرسون على جواب علني أو موقف واضح من النظام حول استبدال الرياض بجنيف، وتجاهل الإعلام السوري الرسمي موضوع اللجنة الدستورية ودعوة بيدرسون لمواصلة الاجتماعات في جنيف، وربط الأوضاع الاقتصادية بالعملية السياسية، واكتفت الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا( باستعراض ما قالت إنها “التسهيلات التي تقدمها الحكومة السورية للأمم المتحدة ومكاتبها في سوريا”.

اللقاءات والمباحثات التي تمحورت حول الرياض، أوحت بمناقشات من هذا النوع، بالنظر إلى التوقيت، إذ سبقت زيارة بيدرسون زيارة المقداد إلى السعودية في 14 من آذار، للقاء نظيره السعودي، فيصل بن فرحان.

وذكرت “سانا”، حينها، أن المقداد بحث مع ابن فرحان مختلف جوانب العلاقات الثنائية وسبل دفعها وتعزيزها، إلى جانب مناقشة المستجدات والموضوعات ذات الاهتمام المشترك.

ولم يعقد الجانبان مؤتمرًا صحفيًا في ختام المباحثات، كما لم يصدرا بيانًا مشتركًا حول ما جرت مناقشته أو التفاهم أو الاتفاق عليه، مع غياب البيانات المنفصلة أيضًا.

كما أجرى بيدرسون، في 25 من آذار، اتصالًا هاتفيًا بوزير الخارجية السعودي، جرى خلاله بحث آخر المستجدات الخاصة بالأوضاع في سوريا، على مختلف الأصعدة، والجهود التي يتم بذلها إزاء حل الأزمة السورية، وفق ما ذكرته الخارجية السعودية.

اجتماع موسع لهيئات المعارضة السورية في مؤتمر "الرياض 2" - 22 من تشرين الثاني 2017 (رويترز)

اجتماع موسع لهيئات المعارضة السورية في مؤتمر “الرياض 2” – 22 من تشرين الثاني 2017 (رويترز)

مقومات سعودية.. واقع متبدل

رغم غياب الموقف الرسمي السعودي وعدم صدور أي تصريحات تتعلق بإمكانية استضافة أعمال اللجنة الدستورية، فإن طبيعة العلاقات السياسية بالنسبة للمملكة مع كل الأطراف المعنية بمواصلة المسار لا تجعلها خيارًا صعبًا.

اتخذت علاقات المملكة مع النظام السوري، منذ زلزال 6 من شباط 2023، شكلًا مغايرًا لما استمرت عليه طوال أكثر من عقد من الزمن، حين قطعت العلاقات السياسية المعلنة وسحبت سفيرها من دمشق، وهي خطوة اتخذتها كثير من الدول العربية في 2012 بسبب تعاطي النظام السوري بأسلوب قمعي مع احتجاجات الشارع التي طالبت برحيله.

في زمن القطيعة هذا، استضافت السعودية مؤتمر “الرياض 1″، في 10 من كانون الأول 2015، وانبثق عن محادثاته تشكيل “الهيئة العليا للمفاوضات السورية”، كمرجعية سياسية لتوحيد المعارضة والسورية، وإعادة تشكيل وفدها الذي سينخرط في المفاوضات.

وتوسعت الأجسام المنخرطة في “الهيئة” وشملت، في تشرين الثاني 2017، منصتي “القاهرة” و”موسكو”، بناء على مخرجات مؤتمر “الرياض 2”.

مستوى الدعم السعودي والرعاية للمعارضة على أكثر من مستوى انحسر بشكل تدريجي، وصولًا إلى تخفيف حدة اللهجة الدبلوماسية تجاه الأسد، قبل إعادته إلى الجامعة العربية، ومشاركته في أول قمة عربية منذ 2010، إذ أتاحت السعودية للأسد فرصة العودة من بوابتها، من خلال المشاركة بقمة جدة، في أيار 2023، ثم القمة العربية الإسلامية حول الأوضاع في غزة، في تشرين الثاني من العام نفسه، إلى جانب الزيارات الوزارية المتبادلة (أربع للمقداد وواحدة لابن فرحان).

وفي شباط الماضي، أرسلت المملكة قائمًا بأعمال سفارتها إلى العاصمة السورية، في تمثيل دبلوماسي سعودي هو الأول من نوعه منذ 2012، في دمشق.

حل وسط؟

العودة إلى “الحضن العربي” تحت ظل التخيل السعودي لم تحمل للنظام السوري انفراجات سياسية عربيًا، كما أن الرياض نفسها اتجهت لقياس خطواتها مع دمشق، بالنظر إلى المبادرة الأردنية، المدعومة عربيًا، للحل في سوريا، والحصول على نتائج عكسية لكل ما هو مطلوب من دمشق، بغية التوصل إلى حل سياسي بناء على قرار مجلس الأمن الدولي “2254”.

المخدرات والمحاولات الحثيثة لتهريبها من سوريا عبر الأردن، وطبيعة العلاقة مع إيران، ووجودها العسكري ونفوذها في سوريا، الذي استجلب ضربات إسرائيلية جوية لا تنتهي لدمشق وحلب، ومحافظات أخرى، وغيرها من القضايا، حاولت المبادرة الأردنية التوصل لتفاهمات مع النظام حيالها، لكن ما جرى فعلًا هو تفاقم في هذه المشكلات وغيرها، لا وضع حدود أو حلول لها.

أمام هذه العوامل والظروف يمكن للمملكة الوقوف على مسافة ثابتة من الملف السوري إن أرادت، دون اقتراب مجاني من النظام، لا حلول فيه أو وعود بحلول، كما أن الأمريكيين والأوروبيين لا يشجعون العرب على تقديم تنازلات للنظام تتعدى العودة إلى الجامعة العربية، والموقف العام من السعودية لا يوحي برفض أو اعتراض لاستضافتها المسار، إلى جانب تجاربها السابقة في الملف السوري من جهة، وملفات إقليمية أخرى.

ورغم إيمان غربي مبكر بعدم جدوى اللجنة الدستورية، وضرورة البحث عن بديل، تبدي بعض الأطراف العربية وأخرى فاعلة في الملف السوري تمسكًا أكبر بالمسار، لكن دون نتائج، فالموعد الأولي للجولة التاسعة حُدد منذ شباط 2022، ولم تنعقد بعد، والحاجة لبديل بدت واضحة بعد دعوة بيدرسون للذهاب إلى جنيف في نهاية نيسان، وهو ما يقابل بصد روسي لا يخرج عنه موقف النظام بالضرورة.

في مادة رأي نشرتها مجلة “المجلة” السعودية، في 22 من آذار، قال الصحفي السعودي مالك الروقي، إن إقامة المفاوضات بين النظام والمعارضة في الرياض ستنزل “هيئة التفاوض” وبشار الأسد من الشجرة التي علقوا فيها، فالأسد عالق في العقوبات، و”هيئة التفاوض” عالقة بتضاؤل أهميتها في المجتمع الدولي، وفي الداخل السوري، بعد مضي كل هذه السنوات.

كما اعتبر الروقي أن إقامة المفاوضات في الرياض يعني التعويل عليها في مرحلة ما بعد الاتفاق، إن حدث، في التنمية والاستثمار والإعمار، وعودة المهجرين، وهي الدولة القادرة على خلق ضمانة للمهجرين وقوى المجتمع المدني، وخلق تفاهم مع لاعبين دوليين في سوريا، مثل تركيا وقطر والولايات المتحدة.

اللواء السعودي المتقاعد والباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية عبد الله بن غانم القحطاني، أوضح لعنب بلدي أنه في حال تأكيد عقد هذه المباحثات في الرياض، فهذا لا يشكل تراجعًا من السعودية في علاقتها مع دمشق، مقدار ما هو مسعى لإحلال السلام والاستقرار في المنقطة بشكل عام.

وبيّن القحطاني أنه في حال قبول السعودية باستضافة المباحثات فهذا لا يعني انسحابًا في علاقتها مع النظام أو المعارضة السورية، فالهدف الوصول للاستقرار في الدول العربية، وليس لجهة بذاتها.

وبحسب القحطاني، فالمملكة لا تعمق علاقاتها بالأطراف التي لا تفي بالتزاماتها، بما فيها النظام السوري، كما أن المخدرات تهدد دول مجلس التعاون الخليجي، وتحديدًا السعودية، ومن يساعد في نشرها وتهريبها عدو، وليس صديقًا، وفق رأيه.

 

رسالة السعودية واضحة، للشعب السوري والنظام والمعارضة، وهي أن مستقبل سوريا بأيديهم، مع ضرورة العودة للمنطق والبعد عن الأنانية، فإلى متى والحكومة السورية تناور وكأنها باقية للأبد، وحكاية الرئيس الخالد للأبد تعبر عن عقلية يجب أن تنتهي وتزول.

محمد غانم القحطاني

باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية

 

ما اللجنة الدستورية؟

-أُقر تشكيلها في مؤتمر “الحوار الوطني” بمدينة سوتشي الروسية، في 30 من كانون الثاني 2018.

-الغرض منها إصلاح الدستور وفقًا لقرار مجلس الأمن “2254” (صدر في 2015) القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي شامل غير طائفي، ووضع دستور للبلاد، وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية بموجب الدستور الجديد، خلال 18 شهرًا.

-أقرتها القمة الثلاثية بين رؤساء تركيا وروسيا وإيران (سوتشي) في أيلول 2019.

-تتكون من ثلاثة وفود، تضم المعارضة والنظام وممثلين عن المجتمع المدني وخبراء تختارهم الأمم المتحدة.

-عُقدت أولى جولاتها في 30 من تشرين الأول 2019، وصولًا إلى الجولة الثامنة في حزيران 2022.

المقداد يستقبل بيدرسون في دمشق ومناقشات حول اللجنة الدستورية- 17 من آذار 2024 (سانا)

المقداد يستقبل بيدرسون في دمشق ومناقشات حول اللجنة الدستورية- 17 من آذار 2024 (سانا)

إلى الرياض.. الرفض والقبول

التردد السعودي بافتتاح رسمي لسفارة الرياض في دمشق، وعدم توقف عمليات تهريب المخدرات نحو الخليج، يعني أن التنسيق السياسي والأمني لم يصل بعد لمرحلة قد يقبل النظام فيها بعقد الجلسات في السعودية، مع ما يحتاج إليه من موازنة لعلاقاته مع السعودية كذلك.

وبقدر ما قد يعوّل النظام السوري على علاقات جيدة مع السعودية، تمثل له منفذًا لعدة ملفات سياسية واقتصادية، فإن ذلك لا يعني أن الموافقة جاهزة على طاولته دون تعقيدات.

ويعود هذا الأمر، وفق الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، إلى أن مكان انعقاد جلسات اللجنة الدستورية خلق إشكالية كبيرة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ورفض جنيف باعتبارها مكانًا “غير محايد” بالنسبة لروسيا، وهو ما يضاف إلى إشكاليات أخرى تتعلق بالمباحثات وجدولها وقيمتها أو التقدم بالعملية، وهذا جزء من استراتيجية المماطلة التي يتبعها النظام السوري.

وتعتمد هذه الاستراتيجية على انتظار المتغيرات سواء داخل الدول نفسها كأمريكا وأوروبا، أو حتى في الدول الإقليمية وما تفرزه من تغييرات، كما حصل عقب الزلزال كمثال، وفق طلاع، الذي أوضح أن النظام يعول على المتغيرات لا على العملية السياسية، فهو لا يؤمن بها.

عضو الهيئة المصغرة في “هيئة التفاوض” (لجنة صياغة الدستور) ديما موسى، قالت لعنب بلدي، إن مشكلة النظام لا تتعلق بالمكان، بل يراه مجرد ذريعة إضافية للتهرب من العملية السياسية ككل، دون جدية للانخراط في أي مسار.

وأضافت أن “الهيئة” اقترحت الرياض كعاصمة عربية استضافت مؤتمرات “الرياض 1” و”الرياض 2″، وكذلك القاهرة، لوجود جامعة الدول العربية فيها، وذلك بعد رفض النظام جنيف، دون أن يقدم رد فعل إيجابيًا على المقترحين.

واتهمت موسى في حديثها وفد النظام بعدم رغبته بتحقيق أي نتائج يمكن البناء عليها للوصول إلى أي توافق على أي نقطة متعلقة بالدستور أو ما يمكن أن يفضي في نهاية المطاف لحل، إذ يسعى لطي القرار الأممي “2254” والكلام عن الحل السياسي.

وإلى جانب الرياض والقاهرة، طُرحت العاصمة العراقية، بغداد، كمكان لعقد الاجتماعات، والأخيرة قد يفضلها النظام نظرًا إلى العلاقات التي تجمعه مع الحكومة العراقية من جهة، ولحجم النفوذ الإيراني فيها من جهة أخرى، وهذا الخيار يراه طلاع مناسبًا للنظام باعتباره بيئة تمكنه من التصرف بحرية أكبر.

وأوضح أن التحول الذي أبدته السعودية تجاه النظام السوري لا يزال ضمن إطار “التكتيك” وليس تحولًا استراتيجيًا، ويرتبط بشكل مباشر بمبدأ “خطوة بخطوة”، ولهذه الأسباب لن يرغب النظام بالرياض، فلبغداد الأولوية في استضافة “اللجنة”، وهو ما تعارضه الولايات المتحدة أيضًا.

فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي (يمين) وغير بيدرسون (يسار) أيلول 2023 (واس)

فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي (يمين) وغير بيدرسون (يسار) أيلول 2023 (واس)

تغيير المكان لا يغير النتيجة

امتلكت السعودية منذ تشكيل هيئات المعارضة السورية في 2011 علاقات وثيقة مع الأخيرة، تباينت وفق الظروف السياسية، الإقليمية والدولية، ولعبت دورًا أساسيًا في تشكيل “هيئة التفاوض” عبر مؤتمر “الرياض 1”.

كما سبق ولعبت أدوارًا برعاية مفاوضات بين أطراف متحاربة في الإقليم، كما في الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، مع الإعلان عن “اتفاق الطائف”، الذي أنهى الحرب فعليًا، أو “اتفاق مكة” في 2008 بين حركتي “فتح” و”حماس” الفلسطينيتين.

ويكمن الفارق بين تلك الاجتماعات والاتفاقيات، واجتماعات اللجنة الدستورية، بأن الرياض لم تكن على انحياز لطرف من الأطراف حينها، على الأقل بشكل علني، بينما انحازت بشكل كامل للمعارضة السورية منذ إغلاق سفارتها في دمشق 2012، وإن تباينت العلاقات بين الطرفين.

قد لا تعدّ الرياض اليوم منحازة بالشكل الذي يجعلها أقرب لطرف دون آخر، لكن ذلك قد لا يعني أيضًا أن عقد الجلسات على أرضها سيغير من النتائج التي تتمخض عن مخرجات جولات المسار، خاصة مع ارتباط الملف السوري، أكثر من أي وقت مضى، بالتفاهمات الإقليمية والدولية.

من جهة المعارضة، فإن تغير نتيجة الجولة التاسعة المقررة في نيسان المقبل، يرتبط بتغيير في مقاربة النظام للملف السياسي، وفق ديما موسى، ويرتبط هذا بأن يمتلك النظام الإرادة الحقيقية والدوافع الوطنية لتطبيق القرار الأممي “2254”، ولو كان يملكها لما وضع الحجج لعرقلة الاجتماعات، بحسب رأيها.

وترى “الهيئة” أن “التصدي لمحاولات دفن القرار 2254 والعملية السياسية هو أمر واجب”، وعلى مجلس الأمن أن يتحرك لاتخاذ خطوات بديلة ووضع خطة قابلة للتطبيق، مشيرة إلى إمكانية العمل مع دول أساسية في الملف السوري يمكن لها أن تلعب دورًا إيجابيًا، كالسعودية وتركيا ومصر.

وربطت “هيئة التفاوض” اختيار مكان انعقاد الجلسات بأن يحتوي على بعثات للأمم المتحدة لتسيّر العملية التفاوضية، وأن يكون محايدًا.

وأوضح معن طلاع أن النظام يستخدم اسم مكان عقد الجولة المقبلة ضمن إطار مزدوج، فهو يتفاعل إيجابًا مع أطروحات بيدرسون في اختيار المكان ومع انطلاق أعمال اللجنة من جديد، كما يعوّل على المتغيرات، لا سيما ما ستفرزه الانتخابات الأمريكية، أو في ملف غزة وما ينتج عنه من ترتيبات جديدة في النظام الإقليمي.

ويعتقد طلاع أن عملية اختيار المكان تضيف تحديًا إضافيًا لمسار مليء بالعثرات والفجوات، وتدل على أن مرحلة التيه السياسي مرحلة مزمنة ومليئة بما يعطلها دون أي مؤشر جدّي لإنتاج مخرجات حقيقية في المدى المنظور، بحسب رأيه.

المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون في "منتدى أنطاليا الدبلوماسي" - 1 من آذار 2024 (Antalya Diplomacy Forum)

المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون في “منتدى أنطاليا الدبلوماسي” – 1 من آذار 2024 (Antalya Diplomacy Forum)

بدر جاموس يوضح

أين تقف المعارضة؟

أجرت عنب بلدي حوارًا مع رئيس “هيئة التفاوض السورية”، بدر جاموس، أوضح فيه أنه لم يتم تقديم أي طلب رسمي من الأمم المتحدة لتكون الرياض مكانًا لانعقاد اللجنة الدستورية، موضحًا أن النظام يراوغ بقصة الأماكن لإفراغ الاجتماعات من أهدافها الحقيقية.

بالتأكيد السعودية دولة عربية ولها وزن إقليمي ودولي، ولو قبلت استضافة اللجنة الدستورية تحت إشراف الأمم المتحدة، ستدعم المعارضة الفكرة، أضاف جاموس، معتبرًا أن الدور العربي مهم لدعم الحل السياسي في سوريا وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة.

ولا تعتقد المعارضة أن النظام يريد أي تفعيل للعملية السياسية أو لاجتماعات اللجنة الدستورية، وما يسعى له هو إضاعة المزيد من الوقت على حساب الشعب السوري، بينما تريد المعارضة أن يتحمل العرب والسعودية مسؤوليتهم بحل القضية السورية، ولهذا دعمت عقد اجتماعات الورشة بالرياض في حال موافقتها.

عندما أعلنت الأمم المتحدة، في أيلول 2019، برسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، عن تشكيل اللجنة الدستورية، استندت إلى قرار مجلس الأمن “2254” لعام 2015، وحددت الاختصاصات والعناصر الأساسية واللائحة الداخلية للجنة دستورية، لتكون ذات مصداقية، متوازنة وشاملة للجميع، بقيادة وملكية سورية، وبتيسير من الأمم المتحدة، وعلى أن تُعقد اجتماعاتها في جنيف، بحسب جاموس، وبالتالي فإن الوسيط والميسّر لاجتماعات اللجنة الدستورية هو الأمم المتحدة عبر المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، وهو الذي يقوم بدعم الرئيسين المشاركين للجنة الدستورية للتوصل إلى توافق وتقريب وجهات النظر بين الأعضاء من خلال بذل مساعيه الحميدة عند الحاجة. أما الدولة المضيفة لهذه الاجتماعات فتقوم بتوفير القضايا اللوجستية والدبلوماسية التي يمكن أن تُسهّل عمل هذه اللجنة، وتضمن أمن وسلامة أعضاء اللجنة، وتُحاول مع غيرها من الدول المعنية بالقضية السورية أن تلعب دور المراقب.

واعتبر بدر جاموس أن الرياض بالتأكيد تستطيع استضافة مثل هذه الاجتماعات المهمة والحساسة على المستوى العربي والدولي، وعلاقاتها السياسية والدبلوماسية الجيدة مع جميع الأطراف، العربية والإقليمية والدولية، تؤهلها لتكون مكانًا يحظى بتوافق، ولن يجد أي طرف سببًا لرفض هذا المكان.

وترحب “هيئة التفاوض السورية”، التي تُشارك كطرف في اجتماعات اللجنة الدستورية، بأي مساعٍ تقوم بها المملكة العربية السعودية لإقناع النظام السوري بالمضي قدمًا بشكل جدّي في خطوات كتابة دستور جديد لسوريا، بحسب جاموس الذي أضاف أن ما يهم “الهيئة” هو الوصول إلى نتائج ملموسة، وكتابة دستور جديد كجزء من الحل السياسي، وكسلّة من سلال الحل السياسي، بدلًا من أن يستمر النظام باللعب بمسألة المكان والتهرب من الاستحقاق الدستوري الذي لا بد منه.

واعتبر رئيس “هيئة التفاوض” أن وفد “الهيئة” تعامل بجدّية والتزام في جميع اجتماعات اللجنة الدستورية الثماني الماضية، دون تقديم أي تنازلات عن الأساس الديمقراطي الذي يتطلع له الشعب السوري، ودون أي تراجع عن المبادئ التي قام السوريون بثورتهم من أجلها، معتبرًا أن ولاية اللجنة الدستورية ومهمة “هيئة التفاوض” الأساسية أن تُنجِز كتابة دستور جديد لسوريا المستقبل، لأن هذا الدستور هو من أساسيات الحل السياسي الذي ينشده السوريون، والذي يستند إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن “2254” بشكل كامل وصارم، الذي وحده يمكن أن يؤمن الاستقرار والأمن المستدامين، مع تأكيدنا على ضرورة تفعيل العملية التفاوضية لبقية سلال هذا القرار تزامنًا مع عمل اللجنة الدستورية.

وتعهد بدر جاموس بالعمل بكل الوسائل والطرق، إذ تعمل “الهيئة” على مستويات أخرى، داخل مجلس الأمن وخارجه، من أجل إيجاد وسائل ضغط لتطبيق القرارات الدولية بشكل كامل وصارم، وإلزام جميع الأطراف بالمضي قدمًا بالعملية السياسية وفق بيان جنيف والقرار “2254”، كما تعمل مع دول ومنظمات وهيئات دولية مهمة من أجل هذا الغرض.

جولات “الدستورية”

 

  • الجولة الأولى.. “لا ورقات”

بين 30 من تشرين الأول و8 من تشرين الثاني 2019

أسفرت عن ثلاث “لا ورقات” لدراستها قبل بدء الجولة الثانية.

“لا ورقة” المعارضة ركزت على الحرية والعدالة الاجتماعية والفصل بين السلطات والتعددية السياسية والتزام “الجيش الوطني” والمؤسسات الأمنية بحقوق الإنسان.

“لا ورقة” النظام حول “مكافحة الإرهاب”.

“لا ورقة” المجتمع المدني ركزت على إدانة “استنكار العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا”، وضرورة العمل على الإفراج الفوري عن معتقلي الرأي وكشف مصير المختفين قسرًا.

  • الجولة الثانية.. جدول مختلف للنظام

بين 25 و29 من تشرين الثاني 2019

رفض النظام مناقشة مواد الدستور وفق جدول الأعمال الذي تقدم به وفد المعارضة.

قدم النظام جدول أعمال مختلفًا لمناقشة ما أطلق عليه “الركائز الوطنية التي تهم الشعب السوري”.

طالب النظام بإدانة التدخل الأجنبي والتركي و”رفع الحصار عن سوريا”.

  • الجولة الثالثة

بين 20 و29 من آب 2020

أصر وفد النظام على مناقشة وجود “كيانات انفصالية” في سوريا.

أصر وفد المعارضة على أن وحدة الأراضي السورية وسيادتها واستقلالها أولى بالنقاش.

اقترح وفد المجتمع المدني أن يكون النقاش حول إرادة العيش المشترك.

  • الجولة الرابعة.. اتفاق على خامسة

بين 30 من تشرين الثاني و4 من كانون الأول 2020

حددت موعد الجولة الخامسة وجدول أعمالها على أن تبحث المبادئ الدستورية أو المبادئ الأساسية للدستور.

  • الجولة الخامسة

بين 25 و29 من كانون الثاني 2021

وصفها بيدرسون بأنها “مخيبة للآمال” واستمر العمل فيها كما كان في الجولات السابقة ولم يكن نهجها مجديًا.

  • الجولة السادسة

بين 18 و22 من تشرين الأول 2021

وصفها بيدرسون بأنها “خيبة أمل كبرى”، وقال، “هذه الجولة لم توصلنا إلى أي تفاهمات أو أرضية مشتركة”.

  • الجولة السابعة

بين 21 و25 من آذار 2022

اختتمت أعمالها دون بيان ختامي.

وقال بيدرسون في ختام أعمال الجولة، “قدمت جميع الوفود بعض التنقيحات على بعض النصوص المقدمة”.

  • الجولة الثامنة

بين 29 من أيار و3 من حزيران 2022

أعلن في ختامها أنه جرى الاتفاق على عقد الجولة التاسعة في جنيف بالفترة بين 25 و29 من تموز في العام نفسه.

مقالات متعلقة