خبراء يتحدثون لعنب بلدي عن الخلفيات

مملوك علنًا في موسكو بصفة مستشار للأمانة العامة للجمهورية

من لقاء علي مملوك مع سكرتير مجلس الأمن الروسي في موسكو- 22 من نيسان 2024 (روسيا اليوم)

camera iconمن لقاء علي مملوك مع سكرتير مجلس الأمن الروسي في موسكو- 22 من نيسان 2024 (روسيا اليوم)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – هاني العبد الله

بعد أشهر على غيابه عن الساحة، مع توارد أنباء عن تعرضه لوعكة صحية أو اغتياله أو تغييبه عن المشهد، ظهر علي مملوك في موسكو مجتمعًا مع مسؤولين روس بصفته مستشارًا لبشار الأسد، ما أثار التساؤلات حول أسباب ودلالات تلك الزيارة.

وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، نشرت بيانًا اقتصر على صياغات إنشائية حول تلك الزيارة، دون الإفصاح عن الأهداف، مشيرة إلى أن مملوك اجتمع مع سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، لتعزيز العلاقات الثنائية بين النظام السوري وروسيا، والتأكيد على دعم سوريا الكامل وتأييدها للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

وذكرت الوكالة أن اللواء مملوك وصل إلى روسيا للمشاركة في مؤتمر بطرسبورغ الدولي الـ12 للممثلين السامين المسؤولين عن شؤون الأمن، الذي جرت أعماله في بطرسبورغ بين 23 و25 من نيسان الحالي.

أهداف خفية للزيارة

الباحث في مركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، تحدث لعنب بلدي أن زيارة مملوك إلى موسكو وراءها أهداف خفية غير معلنة، مشيرًا إلى أنه من المرجح أن الزيارة كانت بطلب من روسيا، لمناقشة أين وصلت الأمور بشأن هيكلة الأجهزة الأمنية التي بدأها النظام السوري بضغط من روسيا منذ حوالي ستة أشهر، في محاولاتها لإعادة تأهيل النظام من البوابة العربية.

وأضاف حوراني، وهو ضابط منشق عن جيش النظام، أن روسيا ربما ناقشت في لقائها مع مملوك الخطوات اللاحقة لتلك التغييرات الأمنية، باعتباره من الشخصيات الخبيرة في الجانب الأمني للنظام السوري، نظرًا إلى طول خدمته في الأجهزة الأمنية، وقيامه بالعديد من الزيارات في وقت سابق خلال الثورة خارج سوريا كزيارته للرياض وروما.

زيارة مملوك إلى روسيا ربما ناقشت ملفات الجهاديين في سوريا، إذ تحاول روسيا متابعتهم وخاصة الذين ينحدرون من جمهوريات كانت سابقًا ضمن دول الاتحاد السوفييتي، لاعتبارها أنهم يشكلون خطرًا عليها نظرًا إلى مناصبتهم العداء لها، وفق ما ذكره حوراني.

وتزامنت الزيارة مع تدريبات بحرية مشتركة أجريت بين القوى البحرية التابعة للنظام وقطعات بحرية روسية موجودة في سوريا، وهذا يدل، بحسب رأي حوراني، على رغبة روسيا في إرسال رسالة واضحة على إمساكها بالجانب الأمني والعسكري لدى النظام، إضافة إلى مناقشة ملفات تتعلق بالأمن الإقليمي ومسؤولية روسيا عنها نظرًا إلى وجودها في سوريا، وخاصة ما يتعلق بتهريب المخدرات.

في السياق ذاته، يرى الدكتور نصر اليوسف، المختص في الشأن الروسي، أن النظام السوري يعتمد إلى حد كبير في تحديد مواقفه وتصرفاته على ما يريده الجانب الروسي، وهذا ليس غريبًا لأن النظام يدرك أنه لولا تدخل موسكو عسكريًا في سوريا لسقط في 2015، وإذا مضينا بالتكهن في تحليل البيان المقتضب من قبل الجانب الروسي في نهاية الزيارة، فإنه يتضمن نقطتين لا ثالث لهما، “بحث الوضع في الشرق الأوسط، والتعاون الروسي السوري الهادف لضمان أمن سوريا”.

وأضاف اليوسف لعنب بلدي، أن “هناك محاولات من إيران وحلفائها لزج النظام بصورة أقوى فيما يجري حاليًا من تطورات مرتبطة بالقضية الفلسطينية، ولا سيما مع تزايد الضغط على الأسد بسبب تنصله من حرب غزة.

ويرى اليوسف أن النظام أوفد علي مملوك إلى روسيا لكي يتلقى تعليمات محددة من الجانب الروسي، وكيف يمكن أن يتصرف في هذه الظروف.

ظهور مفاجئ أم روتيني؟

وكالة “سانا” وصّفت علي مملوك في سياق زيارته إلى روسيا بأنه “مستشار شؤون الأمن الوطني في الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية”، وذلك بعد حوالي أربعة أشهر من الحديث عن عزله من منصبه كرئيس لمكتب الأمن الوطني.

وكان النظام السوري، بحسب تسريبات إعلامية، عيّن رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، كفاح ملحم، رئيسًا لمكتب “الأمن الوطني” خلفًا لمملوك، الذي تم تعيينه بمنصب المستشار الأمني لبشار الأسد في كانون الثاني الماضي.

ظهور مملوك أو الإعلان عن نشاطاته يكون بشكل سري غالبًا، وكان آخر نشاط سياسي معلن قام به، يعود إلى أيار 2023، إذ زار حينها روسيا لحضور المنتدى الدولي للأمن في موسكو، والتقى سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف.

مملوك زار موسكو قبل عام، بصفته السابقة كرئيس مكتب الأمن الوطني، لكن اللافت أن تلك الزيارة لم يتم تغطيتها إعلاميًا، ولم تُنشر صور لمملوك خلال لقائه مع المسؤول الروسي، كما حصل حين زار روسيا مجددًا قبل أيام والتقى ذات المسؤول، إذ تعمدت وسائل إعلام روسيا والنظام نشر صور عن الزيارة، ما يشير إلى وجود رسائل معينة تريد كل من موسكو ودمشق إيصالها من ظهور مملوك.

وتعليقًا على ظهور مملوك بشكل علني في روسيا، قال الدكتور نصر اليوسف، إنه ليس هناك أي تعمد لإظهار علي مملوك، كونه وصل إلى روسيا للمشاركة في منتدى أمني بناء على دعوة رسمية من موسكو، لذا هو ليس اجتماعًا سريًا بل منتدى علني يحضره الكثير من المسؤولين الأمنيين التابعين للدول الصديقة لروسيا، وبالتالي فإن ظهور مملوك لم يكن مفاجئا بل روتينيًا.

شائعات من صنع مخابرات الأسد

زيارة علي مملوك إلى روسيا جاءت بعد جدل واسع دار حول هذه الشخصية الأمنية خلال الأشهر الماضية، ففي كانون الثاني الماضي، ذكرت وكالة “سبوتنيك” الروسية، أنه جرى نقل مملوك إلى المستشفى بسبب مشكلات صحية، دون أن يصدر أي توضيح من النظام عن حالته.

كما انتشرت شائعات على منصات التواصل الاجتماعي قبل أشهر عن مقتل علي مملوك بحادث سيارة على طريق دمر- دمشق، برفقة ضابط روسي، وذكرت وكالة “سنا” المعارضة، أن مصادر سياسية أكدت لها أنها لا تستبعد مقتل مملوك، رجل روسيا الأول والمنفذ لمشاريعها، والتي كانت تعده لمرحلة مقبلة وتهيئ له دورًا سياسيًا في سوريا.

وأفادت “الوكالة” أن مملوك كان على خلاف مع التوجه الإيراني في سوريا، وأن عملية التعيينات التي أجراها النظام مطلع العام الحالي، كانت في سياق إعادة الهيكلة لهذه الأجهزة الأمنية وتحت إشراف روسي.

إلا أن قناة “الميادين” اللبنانية نفت تعرض مملوك لوعكة صحية أو حادث، ونقلت عن مصادر سورية بأن مملوك على رأس عمله وفي مكتبه كالمعتاد.

ومنذ الأنباء التي تحدثت عن تعرض مملوك لوعكة صحية أو مقتله، لم يظهر مجددًا عبر وسائل الإعلام، ما أثار مزيدًا من الغموض حول مصيره.

ويرى الدكتور نصر اليوسف أن هناك فرعًا لدى أجهزة الأسد الأمنية مختصًا في نشر الشائعات، ومن الممكن أنه نشر شائعة تعرض مملوك لوعكة صحية أو وفاته لرصد رد فعل الشارع، لكن مملوك جزء لا يتجزأ من النظام وغير قابل للانشقاق، ومصيره مرتبط بمصير الأسد.

لتعزيز سطوة الأسد

انتشار شائعات حول مقتل مملوك أو تعرضه لمشكلة صحية جاء بعد أيام من الإعلان عن تعيين رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، كفاح ملحم، رئيسًا لمكتب “الأمن الوطني” خلفًا لمملوك، الذي تم تعيينه بمنصب المستشار الأمني لبشار الأسد، إضافة إلى بعض التغييرات الأمنية الأخرى.

وفي هذا السياق، قال الباحث رشيد حوراني، إن تعيين مملوك بمنصب مستشار أمني للأسد مطلع العام الحالي، لا يحمل أكثر من رمزية معنوية واستثمار في خبرته الطويلة، وإفساح المجال لمن خلفه في تقلد المناصب الأمنية الأدنى.

ويرى أن تقسيم الأجهزة والشخصيات الأمنية وتوزع ولائها بين روسيا وإيران، أو تقريب تلك الدولتين لهذه الشخصيات والاعتماد عليهما وخاصة في المجال العسكري، يخضع لتحكم روسيا المطلق.

بدوره تحدث مركز “كاندل للدراسات” عن الأهداف الكامنة وراء تلك التغييرات الأمنية، التي طالت حتى علي مملوك أبرز رجالات الأسد في السلك المخابراتي، وهي:

  • تحويل مكتب الأمن الوطني من مكتب تنسيق بين الفروع الأمنية الأربعة إلى مكتب قيادة مركزية لبقية الشعب والإدارات والفروع الأمنية، وهو ما يعني أن توجيهات بشار الأسد ستصل إلى رؤساء الفروع عبر رئيس مكتب الأمن الوطني وليس بالطريقة المباشرة المعتادة.
  • الحد من قدرة حلفاء النظام على التحكم بالفروع الأمنية واختراقها، والتأثير من خلالها على النظام وضبط بوابة تدخل الحلفاء وحصرها، من خلال رأس الهرم المسيطر على كافة الفروع الأمنية.
  • الحد من صراع الأجهزة والفروع مع بعضها وإخضاعها لقيادة مركزية تسيطر وتتحكم بها من خلال توجيهات رأس النظام.
  • يدرك النظام السوري أن سر قوته واستدامة وجوده تكمن في دوره الأمني على المستوى الإقليمي والداخلي، لذلك يعمل الأسد على تعزيز السيطرة على أوراقه وإعادة رسم استراتيجيته الأمنية من جديد من أجل تحقيق فاعلية أكبر.
  • يحاول النظام من خلال التكيف الشكلي الذي يحدثه ضمن مؤسساته الأمنية، إقناع الدول الغربية والعربية بالانفتاح عليه استجابة للخطوات الإيجابية التي يقوم بها.
  • توجيه الفروع الأمنية لكي تسير في نهج النظام السوري نحو التكيف مع الظروف الدولية والإقليمية، والتي تسير في سياق التطبيع معه، مقابل قيامه بالحد من الدور الإيراني ومعالجة ملف المخدرات عبر إجراء تغييرات أمنية وضبط الحدود.

مملوك خادم الأب والابن

علي مملوك أحد الرجال القلائل الذين اعتمد عليهم الأسد الابن بثقة كبيرة منذ بدء الحرب في سوريا، لذلك وصف بـ”رجل المرحلة”، وهو آخر المتبقين من رعيل الأسد الأب.

مملوك المولود في دمشق عام 1946، تدرج في المناصب داخل الأجهزة الأمنية منذ سبعينيات القرن الماضي، فهو من مؤسسي جهاز الاستخبارات الجوية، كما عُيّن رئيسًا لجهاز المخابرات العامة في 2005.

وبعد اغتيال “خلية الأزمة” في تموز 2012، تم تعيين مملوك على رأس “مكتب الأمن الوطني” خلفًا لهشام بختيار، ليصبح بذلك مشرفًا على عمل جميع أجهزة المخابرات.

وكان لمملوك دور بارز في قمع الحراك المناهض للنظام منذ بداية الثورة السورية، ما دفع دولًا أوروبية والولايات المتحدة لفرض عقوبات عليه، كما صدرت عام 2018 مذكرة توقيف بحقه من قبل القضاء الفرنسي بتهم “التواطؤ مع أعمال تعذيب واعتقالات، وضلوع في جرائم ضد الإنسانية”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة