الصحافة التعاونية.. تعالوا نتحالف في سوريا

tag icon ع ع ع

علي عيد

شيئًا فشيئًا يصبح الأمل ضعيفًا ببناء مؤسسات إعلامية مستقلة في البيئات الهشة، ولا يقتصر التحدي على سوريا، بل يشمل صحافة العالم، لكن ما زالت هناك دوافع كافية تضمن وجود إعلام مستقل في البلاد المزدهرة اقتصاديًا والتي تخضع حكوماتها لسلطة وأخلاقيات القانون والتشريعات.

السبب الرئيس لانعدام فرص صحافة مستقلة في سوريا هو أنها ليست موجودة بالأصل طوال ما يزيد على 60 عامًا، وهو عمر التجربة السياسية مع سلطة عسكرية وحزبية شمولية متناوبة منذ عام 1958، في حين ظهرت قبلها صحافة خاصة ناورت في حدود الممكن منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1946، وحتى ما قبل ذلك في نهايات القرن الـ19 وحتى عشرينيات القرن الـ20، خلال فترة الحكم العثماني.

مهددات الصحافة المستقلة اليوم إضافة للسلطة، هي ضغط المال، ومنافسة خصوم غير تقليديين قادمين من المستقبل.

تجاوز المهددات الثلاثة (السلطة، المال، المستقبل) في بلد مثل سوريا يبدو مستحيلًا ليس على الأفراد فحسب بل على الدولة ذاتها إذا قررت أن يحظى الناس بصحافتهم لا بصحافة السلطة.

ليست هناك نية ولا مصلحة للسلطة بإعلام خارج سيطرتها، وليست هناك قوى اقتصادية خارج منظومة تحالف السلطة لرعاية وتمويل هذا الإعلام، كما لا يمكن التعويل على السوق والإعلانات ومدفوعات الجمهور في تمويل الإعلام بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور، ونهاية الأمر، ليست هناك قدرة على مواكبة التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي وسطوة وسائل التواصل بما فيها من تزييف وتضليل، فالكوادر داخل البلاد تأخرت كثيرًا تحت تأثير العاملين السابقين وفي ظروف الحرب والنزاع.

الحل المتاح هو الصحافة التعاونية القائمة على تحالف الأفراد والمؤسسات الصغيرة المستقلة ومؤسسات المجتمع المدني لإنجاز مهمة المضمون المستقل، وبالتالي تقوية عمل الصحافة ودورها في الرقابة والتنمية.

استطاعت تحالفات على مستوى العالم تحقيق انتصارات هائلة لحرية تدفق المعلومات وكشف الفساد، ونجحت في تقليص النفقات، وظهر أثر تلك التحالفات في تحقيقات صحفية أثرت في الحياة العامة داخل كثير من الدول، وساقت متهمين بالفساد من رجال السلطة والمال إلى العدالة.

بما أن سوريا بلد مغلق، وصعب على أي صحفي من خارجها أن يحقق اختراقًا، فلا مناص من تعاون بيني يسد الفراغ، ويلعب دورًا رقابيًا يمثل مصالح الجمهور، ويمكن الاستفادة من تحالفات أوسع منع صحفيين ومؤسسات خارج البلاد، هدفها المصلحة العامة، والقضايا الإنسانية، ومكافحة الفساد.

ومثال على هذا النوع من التعاون غير التحقيقات التي نتجت عن كشف “أوراق بنما” ( Panama Papers)، نلحظ مثلًا تحقيقات “زيرو أمبونيتي”  (ZERO IMPUNITY) الخاصة بالقضاء على الإفلات من العقاب في جرائم العنف الجنسي بالنزاعات المسلحة، لفريق من 12 صحفيًا مستقلًا، وهو العمل الذي حرّك المؤسسات التشريعية في ثلاث دول هي أوكرانيا والولايات المتحدة وفرنسا لتغيير القوانين الخاصة بالعنف الجنسي، مع الإشارة إلى أن سوريا حظيت بجزء من هذا الجهد في تحقيق “اغتصاب الأطفال، جريمة الحرب الأخرى لنظام الأسد” (Le viol d’enfants, un autre crime de guerre du régime Assad).

إذًا، متى يمكن أن نرى صحافة تعاونية، ومحتوى إعلاميًا يشارك فيه صحفيون من داخل وخارج سوريا، من مؤسسات ومنظمات متعددة أو حتى من المستقلين، وأن يكون هدف هذا المحتوى متماشيًا مع أهداف الكشف عن الفساد وتسليط الضوء على الجوانب المعتمة في بلد تحتاج ملفات الفساد والصراع فيه إلى مئة عام حتى يتم كشف حقائقها وخباياها.

الجزر الجغرافية السورية اليوم، فرضت جزرًا من أنواع أخرى، ثقافية واقتصادية واجتماعية وقانونية، كلها تحتاج إلى الفحص والتدقيق، والكشف عن مكامن الخلل، وهذا هو دور الإعلام العابر للعصبيات والأحزاب والمال والجغرافيا.

لقد حققت بعض التجارب الإعلامية الصغيرة نوعًا من التعاون غير المدروس، لكن الرغبة الحقيقية في التعاون لم تتولد بناء على المصلحة العامة، بل نتيجة ضغط التمويل، وتراجع الاهتمام بالمشروع السوري لمصلحة مشاريع أخرى، عدا عن الأزمة الاقتصادية الناشئة عن الحرب الروسية على أوكرانيا.

قد تعتقد كثير من المشاريع والمؤسسات المستقلة السورية أنها قادرة على الصمود ببرنامج هدفه سوريا، والواضح أنه هدف بعيد المنال، وأن هناك تنازعًا من أجل البقاء حتى ولو تغيرت الزوايا، وهذا ظرف مفهوم ومبرر، لكنه لا يلغي الحقيقة الأهم، وهي أن الإعلام المستقل المسؤول له مهمة واحدة وتسمية واحدة، هي إعلام المصلحة العامة، وزبونه الأهم هو الجمهور.. وللحديث بقية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة