تعا تفرج

الهاربون من بلاد الشريعة

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

“أنتم المثقفون، من الأجيال السابقة، ضيعتم القضية، وضيعتم البلد، وأورثتمونا كل هذا الذل”. وجدت هذا التعليق على أحد فيديوهاتي، بتوقيع شاب يحمل اسمًا مستعارًا.

بصراحة، استبشرت خيرًا بهذا المطلع، وقلت في نفسي إننا كنا محرومين من النقد الصريح للذين سبقونا، ولهذا تخلفنا، وخسرنا كل شيء تقريبًا. وكنت على وشك أن أرد على الشاب، وأدعم موقفه، ولكن أملي خاب عندما قرأت تتمة تعليقه: “وأما نحن، مواليد التسعينيات وما بعدها، فسوف نستمر في الجهاد، حتى ندعس على رأس هذا النظام النصيري، المدعوم من الدول الكافرة”! إذن، نحن أمام شاب مجاهد، آخر همومه أن يقف في وجه نظام الأسد لأنه مستبد، مجرم، قاتل… يحمل الحقد على الطائفة العلوية كلها، ويسميها: النصيرية!

هذه الحالة المؤلمة، مع الأسف الشديد، ليست فردية، بل إنني أمتلك من الجرأة ما يكفي لأقول إن الوضع العام بمجمله سيئ، والشاب المولود في التسعينيات، عندما قامت ثورة 2011، كان مراهقًا لا يعرف من شؤون الحياة سوى القليل، الآن هو مجاهد، متعصب للمذهب الذي اعتنقه بالولادة، حاقد على أناس أصبحوا علويين بالولادة، والقسم الأكبر منهم مدنيون، لا يقفون مع النظام، وبدلًا من أن يحكي بالسياسة، وبالمنطق، ويحاول فهم الأسباب التي أوصلتنا إلى هذه الجورة التاريخية السحيقة، تراه يتحدث عن الدعس، والسحق، والمحق… وعندما يتمكن الطرف العدو (النصيري) من إيلامه، وسحقه، تراه يهرب إلى الدول التي يصفها بأنها كافرة، ويقف أمام قاضي اللجوء بما يشبه الخشوع، ويعلن أمامه، بأنه مع حقوق الإنسان، والحيوان، والمثليين، وأنه لا يعادي السامية، حتى إذا حصل على حقوق اللاجئ كاملة، غير منقوصة، وتخلص من الفقر، والجوع، والبرد، وسلطة المخابرات، وسلطة المشايخ، يعود بتفكيره إلى المربع الأول، فإذا شارك في مظاهرة ضد نظام الأسد، تراه يحمل علم “القاعدة”، وصورة “أسد السنة” صدام حسين، ويهتف ضد النظام النصيري، المدعوم من الغرب الكافر.

في ظل هذه الحالة الجديدة، والنفسية الجديدة، لا يستطيع أخو أخته أن يحاور هذا الشاب اللاجئ بعقل، أو بمنطق، فإذا قلتَ له لماذا جئتَ إلى هنا، ولم تبقَ في مناطق الشمال السوري، حيث يطبق شرع الله؟ يضع إصبعه على صدغه ويقول لك: هيك، مراق، أنت أخو كيفي؟ طيب، يا عمي، دعك من الشمال السوري، اذهب إلى أفغانستان، حيث الرجال والنساء يُجْلَدُون في الساحات العامة، وتطبيق الشرع عندهم “على أبو موزة”، يقول لك: أقيم حيث أشاء، فهذه أرض الله. وفي هذه الحالة يجب عليك أن تدرك عمق الهوة التي تفصل بينكما من حيث التفكير، وأنه لم يعد مجديًا أن تعرض عليه أسبابك المنطقية.

تريد أن تقول له: هذه أرض الألمان، وأنت بعت ما فوقك، وما تحتك، وركبت البلم، وسرت في الغابات حتى وصلتها، ولو أراد الألمان أن يحملوك، ويلقوك خارج حدودهم، لا يوجد قوة على وجه الأرض تجبرهم على استقبالك، وأن ما يُلزمهم باستقبالك هو القانون الديمقراطي، لدولتهم التي تسميها أنت: كافرة.. ولكنك تتراجع، لأن الحديث معه عبث.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة