“إطعام الوحش الجائع” من وسائل التواصل

tag icon ع ع ع

علي عيد

في مقال لها على موقع “ذا كونفرسيشن” (The Conversation France)، تتحدث أليسون واتسون المحاضرة المشاركة في جامعة “نيوكاسل”، حول مهمة الصحفيين ومراسلي الأخبار في “إطعام الوحش الجائع”، وتقصد بذلك السباق المحموم لتقديم المعلومات للجمهور، الأمر الذي يدفع نحو استخدام بيانات وصور ومعلومات من وسائل التواصل الاجتماعي.

وتشير واتسون إلى أن القوانين في بعض الدول الغربية تجيز استخدام الصور والمعلومات من الصفحات الشخصية لأجل المصلحة العامة، على ألا يتم انتهاك الخصوصية.

إذًا، متى تتحقق المنفعة العامة، ومتى تنتهك الخصوصية؟ طالما أن ملايين البشر يقدمون معلومات عن أنفسهم في مواقع التواصل، بل يقوم كثيرون ببث محتوى ينتهك خصوصية الجمهور، عبر النشر الفاضح أو غير الأخلاقي، وإثارة الغرائز والكراهية.

وفرت وسائل التواصل شروطًا للخصوصية يمكن أن يتبعها أي شخص للحفاظ على معلوماته الخاصة، لكن فضول الصحفيين وحاجتهم للمعلومة قد تدفع لابتكار أساليب لاختراق هذه الخصوصية، والحصول على صور أو معلومات أو إثباتات.

وبالسؤال عن الخصوصية، ينسحب الأمر على انتهاك حقوق الضحايا، كأن يعيد الصحفيون أو وسائل الإعلام نشر صور ضحايا كوارث أو جرائم أو حتى حروب.

هل تتحقق المصلحة العامة بنشر تفاصيل الحياة الخاصة حتى للمتهمين أو المدانين بجرائم، وماذا لو أن أسرهم تضررت من تلك الصور أو المعلومات؟

في سوريا مثلًا، لا يتردد الصحفيون في نشر معلومات أو صور خاصة حول أشخاص يعملون في الشأن العام، حتى ولو كان هذا في غير إطار المصلحة العامة.

ولا يجري الالتزام بضوابط وأخلاقيات النشر، كأن يتم الاستئذان من الشخص المعني أو ذويه، وحصل هذا مع سياسيين نشرت صور عن حياتهم الخاصة داخل مسبح أو في حفل راقص، كما جرى اختراق حسابات كثيرين باعتبارهم خصومًا سياسيين.

وفي دول عربية، جرى نبش تغريدات أو تدوينات أشخاص حول قضايا مهمة، وأعيد تقييم موقفهم بعد سنوات طويلة، ومنهم من تعرض للضغط أو حرم من وظيفة، أو جرى تصنيفه بناء على موقف اختلفت ظروفه التاريخية.

لطالما حظرت القوانين في الدول الغربية حتى على الحكومات وأجهزة الاستخبارات التنصت أو انتهاك الخصوصية، لكن تطور واستخدام وسائل التواصل فيما يهدد أمن الدول والمجتمعات أتاح للسلطات انتهاك الخصوصية، بحجة الأمن أو المصلحة العامة.

تثير مسألة الخصوصية على وسائل التواصل جدلًا واسعًا في الأوساط الصحفية، ويبدو أن الالتزام بقواعد صارمة لم يتحقق حتى في أفضل الدول لجهة التشريعات، إذ يدفع التنافس نحو تهشيم الأخلاقيات، وفي حين قد يتمكن البعض من تحصيل حقوقهم من تحت قوس المحكمة، فإن الغالبية العظمى من ضحايا انتهاك الخصوصية في العالم لا يجدون سبيلًا للدفاع عن حقهم.

عدم وجود قوانين رادعة لا يعني أن الصحافة حرة فيما تفعل، وإذا لم يلزمها القانون فإن مدونات السلوك والقواعد الأخلاقية والشعور بالمسؤولية هي ضوابط تدفع لاحترام خصوصية الآخرين، وهو ما تلتزم به قلة من وسائل الإعلام ذات النهج المسؤول.

على الصحفي أن يتوخى الصدق والدقة في نقل المعلومات والصور، وقبلها أن يحصل على إذن صاحبها إن كانت محمية بحقوق نشر.

يعرف كثير من الصحفيين أن جميع محتويات تطبيقي “فيس بوك” و”إنستجرام” مثلًا محمية بحقوق ملكية، وأن توقيع المستخدمين يفسح للشركة المشغلة استخدام البيانات في العرض أو التحرير أو النسخ، ما يعني أن التعامل مع المحتوى يجب أن يتطابق مع سياسات وقوانين الشركة صاحبة الترخيص، وأن بإمكانها مقاضاة أي صحفي أو وسيلة إعلامية بهذا الشأن.

إذا كانت المسؤولية تقع على من ينتهك الخصوصية، فإن مسؤولية أخرى تقع على المشتركين في التطبيقات، لكيلا يقعوا ضحايا، وهذا ربما يدفع في الجانب الأخلاقي إلى قيام الصحفيين بالاستئذان في النقل والنسخ، ومراجعة الضوابط والقوانين.

هناك أنواع من وسائل التواصل صممت لخدمة تعميم المحتوى مثل تطبيق “لينكد إن” (Linkedin)، وهنا تتداخل المصلحة التجارية لزبائن التطبيق وجمهوره، إذ يمكن للصحفي البحث فيه عن أصول الشركات وتتبعها، أو وظائف الأشخاص وتاريخهم المهني، والتعامل معها على أنها معلومات متاحة، ومع ذلك، هناك ضوابط لنقل المحتوى مثل بقية المنصات وحتى وسائل النشر، ومنها الإشارة إلى المصدر، ووضع روابط تشير صراحة إلى الأصل.

تواصل المؤسسات التشريعية العمل على قوانين بخصوص ما سبق، وهناك صراعات بأبعاد تجارية مع الشركات المالكة لتطبيقات التواصل الاجتماعي، وهناك بيئات أكثر خطورة مثل الدول التي تعصف بها الحروب والصراعات، إذ لا يجد الضحايا سبيلًا لمنع استخدام بياناتهم وصورهم الخاصة.. وللحديث بقية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة