خبراء يشككون بإمكانية تنفيذ الخطة

 الانسحاب الأمريكي من العراق.. “قسد” أول المتضررين

مدرعة أمريكية شمالي العراق - 16 أيلول 2024 (AFP)

camera iconمدرعة أمريكية شمالي العراق - 16 أيلول 2024 (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – يامن مغربي

يقترب العراق من الاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية على سحب الأخيرة لقواتها، مع الإبقاء على قوة صغيرة فقط، وخلال مدة زمنية تبدأ في 2025، وتنتهي مع نهاية عام 2026.

ويأتي الحديث عن انسحاب القوات الأمريكية في ظل استقطاب سياسي وعسكري عالٍ تشهده المنطقة، مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد “حركة المقاومة الإسلامية” (حماس) في فلسطين المحتلة، وجنوبي لبنان ضد “حزب الله”، من جهة، واستمرار نشاط تنظيم “الدولة الإسلامية” على الحدود العراقية- السورية، وتنفيذه عمليات بين الحين والآخر، من جهة ثانية، وتعرض القوات الأمريكية في العراق وسوريا لضربات من قبل ميليشيات تدعى “المقاومة الإسلامية”.

حتى لحظة نشر هذا التقرير، لم يُعلن عن الاتفاق بشكل كامل بين الطرفين، إلا أن التصريحات الصادرة عن مسؤولين أمريكيين خلال الأيام الماضية تشير إلى الاقتراب بشكل كبير من إقراره، بعد سنوات على طرح الأمر بشكل جدي بين الطرفين، العراقي والأمريكي.

هذا الانسحاب حال بدء تنفيذه، سيكون له تأثير مباشر على عدة أطراف إقليمية، وكذلك على أطراف سورية محلية، وعلى رأسها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي تسيطر على مناطق شمال شرقي سوريا، وتحظى بدعم أمريكي أوقف عدة مرات احتمالية تدخل عسكري تركي ضدها خلال السنوات الماضية.

غير ممكن وسط الاستقطاب

صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية نقلت عن مسؤولين أمريكيين، في 20 من أيلول الحالي، قولهم، إن بغداد وواشنطن توصلتا بالفعل لاتفاق يقضي بانسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف من العراق بحلول نهاية 2026.

وأضافت أن مئات من أفراد هذه القوات المتمركزة في بغداد ومناطق أخرى في العراق ستبدأ المغادرة بحلول أيلول 2025، ثم تنسحب القوات الموجودة في مدينة أربيل (عاصمة إقليم كردستان العراق) بنهاية عام 2026.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية قوله، إن الخطوط العريضة لخطة الانسحاب اكتملت، ولا تزال بعض التفاصيل النهائية بحاجة إلى تسوية مع أعضاء آخرين في التحالف، فيما من المرجح أن تبقى قوة أمريكية صغيرة بصفة استشارية، ودعم لوجستي للقوات الأمريكية المتمركزة في سوريا بموجب اتفاقية أمنية ثنائية جديدة.

ويوجد في العراق حاليًا 2500 جندي أمريكي، و900 جندي في سوريا.

مدير مركز “جيواستراتيجي للأبحاث” (مقره ألمانيا)، إبراهيم كابان، قال لعنب بلدي، إن مسألة انسحاب القوات الأمريكية ترتبط بالصراع بين إيران وأمريكا في العراق، خاصة أن الأخير يعد ساحة نفوذ كبيرة لطهران الداعمة للميليشيات هناك، مع وجود توازنات لحضور كل من الطرفين في البلاد.

وأضاف أن إيران تريد عراقًا خاليًا من الوجود الأمريكي الذي يبدو حضورًا اضطراريًا بسبب ظروف المنطقة، فيما لا يبدو أن هناك توافقًا على هذا الحضور من عدمه بين المكونات السياسية العراقية، بما في ذلك القوى السنية والكردية والشيعية.

ويرى كابان أن هناك حاجة لقوى غير تابعة لإيران في العراق الذي سيتحول إلى السيطرة الإيرانية بالكامل في حال الانسحاب الأمريكي، لذا تبدو مسألة الانسحاب في غاية الصعوبة، وهناك قوى عراقية تسعى بشتى الوسائل لبقاء هذه القوات في عدة مواقع عسكرية بالرمادي وعين أسد وكردستان العراق.

وتتضمن الخطة، التي كشفت عنها “وول ستريت جورنال”، السماح لقادة العراق بـ”الادعاء أنهم أنهوا وجود تحالف القوات الأجنبية”، لكن القوات ستبقى مع الإدارة الأمريكية المقبلة.

وتشهد أمريكا، في تشرين الأول المقبل، انتخابات رئاسية يتنافس فيها كل من مرشحة الحزب “الديمقراطي”، كاميلا هاريس، والمرشح “الجمهوري”، دونالد ترامب.

كما ستسمح الخطة للقوات الأمريكية باستخدام العراق لدعم القوات الأمريكية في سوريا.

الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، يرى في حديث لعنب بلدي أن هناك عوامل تضعف احتمالية انسحاب القوات الأمريكية من العراق في ظل الظروف الحالية.

وفق المعلن، تستمر فترة الانسحاب لعامين تقريبًا، وخلال هذه الفترة الزمنية الطويلة قد تتغير الظروف الميدانية مع ارتفاع الاستقطاب في المنطقة واستمرار وجود تنظيم “الدولة”، واحتمالية حصول خروق أمنية وزيادتها في العراق، ما يدفع قوات التحالف للاستنفار وإعادة جدولة الانسحاب.

وأضاف شواخ أن الحديث عن الانسحاب يأتي في وقت يسبق الانتخابات الأمريكية، ما يزيد التشكيك في مصداقية الخطوة، وقد تكون موجهة للناخب الأمريكي بوجود جدول زمني واضح للانسحاب، وهي إحدى الأوراق الانتخابية المهمة التي تعتمد عليها الأحزاب الأمريكية (سحب القوات خارج البلاد)، بالإضافة إلى المصالح الأمريكية واحتمالية استغلال أطراف أخرى كروسيا أو الصين وكذلك إيران لهذا الانسحاب، وهو ما يعني إضعاف مصالح واشنطن في العراق.

كيف تتأثر “قسد”؟

تعتمد “قسد” بشكل مباشر على الدعم الأمريكي لحماية وجودها شمال شرقي سوريا، فيما لعبت واشنطن دورًا مانعًا لأي تحرك تركي ضدها خلال السنوات الماضية.

ورغم أن الحديث عن الانسحاب الأمريكي من المنطقة يدور حول العراق تحديدًا ولا يشمل القوات الأمريكية الموجودة في سوريا، فإن وجود 2500 جندي وقواعد عسكرية أمريكية يعني تقديم الدعم بشكل كبير لـ”قسد” في حال وجود أي تهديدات، خاصة مع تزايد الحديث حول اتفاق مقبل بين النظام السوري وأنقرة، لإنهاء وجود القوات الكردية شمال شرقي سوريا.

وسبق أن وقعت أنقرة مع بغداد، في نيسان الماضي، اتفاقية أمنية واسعة النطاق، وفي 15 من آب الماضي، قام وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، بزيارة إلى أنقرة لتنفيذ الاتفاقيات الموقعة بما في ذلك جوانبها الأمنية.

ومنذ تنفيذ عمليتي “نبع السلام” و”غصن الزيتون” العسكريتين في الأراضي السورية من قبل تركيا، في 2018 و2019، كرر المسؤولون الأتراك تهديداتهم بعملية عسكرية ثالثة تستهدف المناطق التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا.

ولعبت الظروف الداخلية والإقليمية وكذلك الدولية، وتعقيدات الملف السوري، دورًا مهمًا في تأجيل العملية التي سبق وصرحت أنقرة بأنها جاهزة لتنفيذها.

وبناء على ذلك، سيحمل الانسحاب الأمريكي من العراق تأثيرًا مباشرًا على “قسد” ووجودها، حتى مع بقاء قوات أمريكية في سوريا.

وفق الباحث شواخ، فإن التأثير يرتبط بشكل طبيعي بتقييم “قسد” للخطة التي أعلن عنها، وإن كان تقييمها أن هذه الخطة ستنفذ بالفعل فسيكون هناك أثر مباشر، خاصة أن العام الثاني (2026) سيكون مخصصًا لانسحاب الجزء الأخير من القوات المرتبطة بعملية “العزم الصلب” المسؤولة عن العمليات في سوريا والعراق ومقرها أربيل.

وأضاف أن الانسحاب سيدفع “قسد” لمرونة أكبر في مفاوضاتها مع الأطراف المحلية والإقليمية كتركيا والنظام، خاصة مع حديث عن جولة مفاوضات قريبة بين “المجلس الوطني الكردي” وحزب “الاتحاد الديمقراطي”، ووجود محاولات دائمة من قبل الأخير لبدء مفاوضات جديدة مع النظام.

وبالتالي ستعمل “قسد” على إبداء مرونة أكبر في التعاطي معها، وقد يدفعها هذا الأمر لعقد شراكات واتفاقيات مع الجانب الروسي، والبحث عن مصالح مشتركة أكبر وتقديم خدمات جديدة لضمان بقائها وحمايتها في حال انسحبت القوات الأمريكية.

فيما أشار مدير مركز “جيواستراتيجي للأبحاث”، إبراهيم كابان، إلى أن الحضور الأمريكي في المنطقة يسهم مباشرة بحماية “قسد”، وخاصة من التهديدات التركية وكذلك من النظام السوري والميليشيات الإيرانية.

وبالتالي سيؤثر الانسحاب على خيارات “قسد” المقبلة”، بحسب رأيه، وسط جملة من الأسئلة حول إمكانية انعزال “قسد” عن القوى المتصارعة، أو عقدها صفقات جديدة لحماية نفسها، مستبعدًا في الوقت نفسه إمكانية تنفيذ اتفاق الانسحاب بسبب معطيات المنطقة الحالية وظروفها.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة