ينتشر رغم تعارضه مع قيم المجتمع

النظام يلاحق صنّاع المحتوى “المخلّ بالآداب”

لقطة شاشة من إعلان وزارة الداخلية إلقاء القبض على أصحاب منصات في سوريا- أيلول 2024 (وزارة الداخلية)

camera iconلقطة شاشة من إعلان وزارة الداخلية إلقاء القبض على أصحاب منصات في سوريا- أيلول 2024 (وزارة الداخلية)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

تحت عنوان “حماية القيم المجتمعية من المحتوى الفاسد المنتشر عبر بعض المنصات الإلكترونية”، نفذ فرع الأمن الجنائي التابع لوزارة الداخلية في حكومة النظام السوري حملة اعتقالات استهدف من خلالها مجموعة من صنّاع المحتوى المقيمين في مناطق سيطرة النظام.

منتصف أيلول الحالي، قالت وزارة الداخلية، إنها ألقت القبض على شخص مسؤول عن عدة منصات إلكترونية سورية تقدم محتوى ترفيهيًا ساخرًا، مرفقة إعلانها بتسجيل مصور أوضح اعتقال سبعة أشخاص

محمد عساف، ضابط في فرع “مكافحة الجرائم الإلكترونية”، قال في تسجيل مصور بثته وزارة الداخلية، إن الحملة التي نفذها فرع الأمن الجنائي جاء في إطار متابعة المنصات الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي التي يتم من خلالها نشر محتوى مسيء للأخلاق والآداب العامة.

ملاحقة “صارمة”

لا تعد هذه الحملة الأولى من نوعها، إذ أجرت وزارة الداخلية حملات سابقة استهدفت فيها صنّاع محتوى قالت إن محتواهم يتعارض مع القيم العامة للمجتمع السوري، وفق تعبيرها.

كما سبق أن وجّهت وزارتا العدل والداخلية في حكومة النظام السوري، بملاحقة مشرفي منصات على مواقع التواصل الاجتماعي، لنشرها محتوى “هابطًا مخلًّا بالآداب العامة”.

صحيفة “الوطن” المحلية قالت، في 9 من أيلول الحالي، إن هناك 15 منصة على مواقع التواصل الاجتماعي تتم ملاحقتها قضائيًا، وصدرت مذكرات بحث بحق أصحابها، بناء على تقارير ودعاوى موجّهة من “وزارة الإعلام” بحق أصحاب تلك المنصات، دون أن تكشف عن هوية الأشخاص الملاحقين وأسماء منصاتهم.

وذكرت “الوطن” نقلًا عن مصادر قضائية في دمشق، أن أصحاب تلك المنصات “تمادوا في نشر مقاطع ومنشورات لا تليق بالمجتمع السوري، وبالتالي تتم ملاحقتهم لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم”

تأتي هذه التحركات في وقت تنتشر به “اسكتشات” (مشاهد قصيرة) ومقاطع مصوّرة يؤديها أشخاص مغمورون أو ممثلون بأدوار ثانوية، يطغى عليها البعد الإيحائي والتلميحات الجنسية، في سبيل حصد المشاهدات.

وتتبنى هذه المقاطع منصات إلكترونية تنشر محتواها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وتهدف “الاسكتشات” إلى تسليط الضوء على قضية معيّنة في مجتمع ما، بانتقادها ولفت الأنظار إليها، غالبًا بطابع كوميدي، يستغرق عرضه ما بين دقيقة وعشر دقائق.

محتوى يرفضه المجتمع

هذه المنصات التي تقدم محتوى “هابطًا” أو غير راقٍ أخلاقيًا ومليئًا بالإيحاءات الجنسية أو حتى بالكوميديا السوداء التي تعتمد على الإيحاءات الجنسية، تنعكس بشكل سلبي على القيمة الأخلاقية في المجتمعات الشرقية، ومنها المجتمع السوري، وفق ما يراه عمر الصحناوي، مدير مركز تدريب للغات في محافظة السويداء جنوبي سوريا.

تأخذ هذه المنصات حيزًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، وفق ما أوضحه الصحناوي لعنب بلدي، موضحًا أنه يمكن قياس هذا الأمر من خلال كمية المشاهدات العالية جدًا التي تحصل عليها.

ويعود السبب الرئيس في انتشار هذه المنصات إلى ضعف الرقابة الإعلامية، معتبرًا أن انعكاس هذا المحتوى على حياة الناس كان واضحًا من خلال انتشار عادات دخيلة على المجتمع، قد يكون من أبرزها المساكنة أو العلاقات الجنسية غير الشرعية.

من جهتها، ترى ليال الحجار، وهي ناشطة مدنية تقيم في محافظة السويداء أن سبب انتشار هذه الفيديوهات طبيعة المجتمع وعاداته وتقاليده وانجذابه لهذا المحتوى، نظرا إلى التقييد الديني وحساسية مفاهيم الشرف والعرض والأخلاق وانخراطها الكبير بعقلية المجتمع، وبالتالي أي محتوى “هابط” هو غريب بالنسبة لهذه المجتمعات وتثير فضوله فيرغب بمشاهدتها، وفق رأيها.

عمار طالب، جامعي يقيم في محافظة درعا قال لعنب بلدي، إنه لا يتعمد متابعة المحتوى “الهابط” المنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، لأنه ينتهك القيم الأخلاقية والدينية.

ويرى عمار أن وراء أعداد المشاهدات العالية لهذا النوع من الفيديوهات هو متابعته من قبل أطفال ومراهقين دون رقابة، مضيفًا أنه يؤيد فكرة معاقبة القائمين على هذه المنصات، لأنها تعزز الأفكار الخاطئة، وخصوصًا لدى الجيل الناشئ.

تهمة فضفاضة

تحارب حكومة النظام هذه المنصات في إطار قانون “جرائم المعلوماتية” الذي سنّته عام 2022، ووصفته عدد من المنظمات الحقوقية بأنه أداة إضافية “لقمع حرية التعبير عن الرأي”.

موقع “سناك سوري” المحلي، أشار إلى أن المادة “26” من قانون “جرائم المعلوماتية” التي اعتمدتها وزارة الداخلية لإلقاء القبض على الدفعة الأخيرة من صنّاع المحتوى تحمل عنوان “جرائم المساس بالحشمة أو الحياء”، إلا أن هذه المادة لا تنطبق على حالة المنصات التي جرى توقيف أصحابها.

تنص المادة “26” من قانون “جرائم المعلوماتية” المتعلقة بجرائم المساس بالحشمة أو الحياء على:

  • يُعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنة وبغرامة من مليون إلى مليوني ليرة كل من قام بمعالجة صور ثابتة أو متحركة أو محادثات أو تسجيلات صوتية عائدة لأحد الناس بوسائل تقانة المعلومات لتصبح منافية للحشمة أو الحياء، وقام بإرسالها له أو للغير أو عرضها عليه أو على الغير أو هدد بنشرها عن طريق الشبكة، وتشدد العقوبة لتصبح الحبس من سنة إلى سنتين وغرامة من مليوني ليرة إلى ثلاثة ملايين ليرة إذا قام الفاعل بنشرها على الشبكة.

  • يُعاقب بالحبس من سنتين إلى ثلاث سنوات وبغرامة من ثلاثة ملايين إلى أربعة ملايين ليرة كل من هدد بالنشر أو نشر على الشبكة صورًا ثابتة أو متحركة أو محادثات أو تسجيلات صوتية منافية للحشمة أو الحياء عائدة لأحد الناس ولو حصل عليها برضاه، وتشدد العقوبة لتصبح السجن المؤقت من خمس سنوات إلى سبع سنوات وغرامة من أربعة ملايين إلى خمسة ملايين ليرة إذا وقع الجرم على قاصر.

ويتفق العديد من الخبراء القانونيين مع ما جاء في التقرير على أن تهمة “الإساءة لقيم وأخلاق المجتمع السوري” فضفاضة لا معيار لها، إذ يمكن إلقاء القبض على أي صانع محتوى وتوجيه هذه التهمة له، في ظل غياب الإعلان عن معايير واضحة لإنتاج المحتوى، والمحاذير التي يجب تجنبها حين يتم النشر عبر وسائل التواصل، وتوضيح القوانين التي يحاكم على أساسها صناع المحتوى.

موقع “المدن” اللبناني نقل عن مصادر لم يسمِّها أنه عقب حملة الاعتقال الأخيرة، شهدت العاصمة دمشق عمليات هروب جماعية لأصحاب المنصات الرقمية في وسائل التواصل الاجتماعي نحو لبنان، جراء حملة الاعتقال من قبل فرع مكافحة الجرائم المعلوماتية التابع لفرع الأمن الجنائي.

مصلحة مشتركة

لا يمكن اعتبار حملة النظام ضد صنّاع المحتوى “الهابط” خطوة إيجابية لناحية ضبط المحتوى، كما لا يمكن اعتبارها في سياق فرض رأي وقمع حريات، بحسب ما يراه الكاتب والسيناريست السوري حافظ قرقوط.

وقال قرقوط لعنب بلدي، نحن أمام نظام يعمل بالأساس على “تهميد المجتمع”، فهو نظام يبيح تجارة المخدرات ويقف خلف الدراما التي عرضت على الشاشات خلال السنوات الماضية، والتي لاقت الكثير من الانتقادات فيما يتعلق بقيم المجتمع السوري بالذات.

ينظر النظام إلى الدراما “الهابطة” على أنها رسالة تفيد بأن سوريا تتمتع بسقف حريات كبير، وفق ما يراه قرقوط، لكنه الآن يقتنص الفرصة لإعطاء رسائل من نوع آخر تتمثل بعدم وجود مساحات واضحة تمامًا ضمن قوانين واضحة يمكن الاعتماد على رأي قانوني فيها، ما يشير إلى حالة الفوضى في هذا السياق.

قرقوط اعتبر أن النظام قادر على ضبط محتوى منصات وسائل التواصل الاجتماعي بالقبضة الأمنية في حال وجود رغبة حقيقية، وقد لا تكون للنظام السوري مصلحة كبيرة في ضبطه لأنه شريك معها في هدم المجتمع.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة