“تغريدة” الصحفي وخطر الحرب الأهلية
علي عيد
تثير بعض التغريدات والتدوينات التي يطلقها صحفيون في العالم العربي على مواقع التواصل الاجتماعي، في الآونة الأخيرة، مخاوف من استثمار تأثيرهم وقدرتهم على الوصول في تأجيج نزعة الانتقام داخل المجتمعات، خصوصًا مع حروب وصراعات تتداخل فيها قضايا سياسية مع انقسام عرقي أو ديني طائفي ومذهبي، وربما يشكل حدث قصف إسرائيل مقار “حزب الله” اللبناني في ضاحية بيروت الجنوبية مساء الجمعة، 27 من أيلول، مدخلًا لحرب طائفية أو أهلية.
مثال هذه التغريدات تلك التي يتناقلها جمهور وسائل التواصل الاجتماعي عن صحفيين، بصرف النظر عن صحتها، مستندين إلى ميل هؤلاء الصحفيين أو انحيازهم السياسي، أو مواقفهم الواضحة خلال التغطيات الصحفية، وبشكل خاص عندما ينتمون إلى وسائل إعلام تحظى بمتابعة جمهور واسع.
مثل هذه الظاهرة انتشرت بشكل كبير خلال العقد الأخير، إذ تحول كثير من الصحفيين إلى سياسيين، أو رؤساء أحزاب، أو مستشارين لدى السلطة، ما يعزز فرضية الاستثمار أيضًا في شعبية الصحفي وشخصيته وتاريخه المهني.
لا أتحدث هنا عن ضباط أو موظفي الإعلام الحربي، وهؤلاء مهمتهم التأثير في الخصوم وإضعافهم، وكذلك ترويج ما تريده آلة الحرب التي تديرهم، وأقصد بالصحفيين المعرضين للانزياح المهني، أولئك الذي كسبوا ثقة الجمهور عبر وسائل الإعلام العامة، أو استغلوا شهرتهم في الصحافة لأغراض بعيدة عن المهنة.
مع ما يحصل في الدول العربية، وخصوصًا في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق، نجد أن هناك انقسامًا بالرأي العام، وعمق هذا الانقسام ليس سياسيًا فحسب، بل مجتمعي طائفي، تسببت به آلة دعائية، وأنظمة وسلطات وجدت خلاصها أو ضالتها للتدمير في تعزيز هذا الانقسام.
لا أسعى لاتهام إيران فقط بتغذيتها أذرعًا طائفية، أو حتى أنظمة عربية مثل النظام السوري الذي روّج لـ”كذبة” حماية الأقليات، وما نتج عن ذلك من صراع دمّر دولًا وهجّر الملايين، وتصاعدت معه لغة غرائزية، وخطاب كراهية تسبب بمقتل مدنيين أبرياء.
تغذية خطاب الكراهية والصراعات بين أبناء المذاهب أسهمت فيها دول كبرى، فسياسة الاحتواء المزدوج الأمريكية التي جرى اعتمادها في تسعينيات القرن الماضي، لضمان عدم تفوق دولة على أخرى في المنطقة، كما حصل بين العراق وإيران، أو إيران والسعودية، انتهت إلى الشرق الأوسط الجديد، وأنتجت لاحقًا حربًا بطابع مذهبي عندما ترك الأمريكيون العراق نهبًا لإيران بعد إنهاء نظام صدام، وتمدد نفوذ إيران بخلفية مذهبية إلى دول أخرى.
انخرطت المنطقة العربية عبر الإعلام في الصراع المذهبي بشكل جنوني، وأشارت بيانات جمعها مختبر وسائل الإعلام الاجتماعية والمشاركة السياسية في جامعة “نيويورك” إلى أن حوالى 7 ملايين تغريدة باللغة العربية انتشرت على منصة “إكس” (تويتر سابقًا) بين أوائل شباط ومنتصف آب 2015، كانت تتعلق بالصراع الطائفي الشيعي- السني، بين خطاب مغذٍّ ومناهض لهذا الصراع.
تلك التغريدات التي يشارك فيها صحفيون أو مؤثرون، تركت آثارها في دول مثل سوريا ولبنان، وقد تكون سببًا في حروب أهلية قادمة، يكون ضحيتها المدنيين الأبرياء.
قد يجادل البعض فيما إذا كان الصحفي رجل إطفاء أو مجرد ناقل للحدث، وهو جدل خاطئ من حيث المبدأ، لأن الصحافة والصحفيين مسؤولون عندما يؤدي نقل الحدث بطريقة مستفزة أو غير متوازنة إلى التسبب بنزاعات أو وقوع ضحايا، ولأجل هذا نشأ مفهوم “صحافة السلام”.
فالصحفيون مطالبون بتجنب التحيز القيمي تجاه العنف عند تغطية الحرب والصراع، وينتقل دورهم إلى التغطية البنّاءة للنزاعات، وفق تحليل عالم الاجتماع النرويجي يوهان غالتونغ، إذ ينبغي فهم الأبعاد وتحليل النزاعات بدراسة ثلاثة عناصر هي التناقض (Contradiction) والمواقف (Attitudes) والسلوك (Behavior).
تلك العناصر، وهي مثلث غالتونغ، تفسر طبيعة الصراع وأسبابه، وتقاطع المصالح، والأهداف بين المتنازعين، وكذلك تصورات كل طرف عن الآخر، والسلوك العدواني والتهديد الذي تتبعه الأطراف، وهذا الفهم والتحليل يعني أن الصحفي والصحافة مسؤولان عما يقدمانه من معلومات في أوقات الحروب والنزاعات.
لا شك أن ملايين الناس من السوريين واللبنانيين باتوا ليلتهم خائفين بعد قصف مقار “حزب الله” اللبناني في ضاحية بيروت، وخوفهم ليس نابعًا من طبيعة الحدث بمفرده واحتمالات تمدد الحرب فحسب، بل هناك خوف آخر من النافخين في كير خطاب الكراهية، وهذه المرة، ربما يتجاوز الصراع حدود السنة والشيعة إلى مكونات أخرى، وهذا ما يستدعي فهم حدود المسؤولية الملقاة على عاتق الصحفي.. وللحديث بقية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :