بعد سبع سنوات من سيطرة "قسد"

الرقة.. اقتصاد هشّ بإدارة غير كفء

معمل لإنتاج مواد التنظيف ضمن مناطق الإدارة الذاتية- 25 آب 2024 (هيئة الاقتصاد لشمال وشرقي سوريا/ فيس بوك)

camera iconمعمل لإنتاج مواد التنظيف ضمن مناطق الإدارة الذاتية- 25 آب 2024 (هيئة الاقتصاد لشمال وشرقي سوريا/ فيس بوك)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – يامن مغربي

شهد الأسبوع الماضي الذكرى السابعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على مدينة الرقة، شمالي سوريا، بعد معارك ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، بدعم من قوات التحالف الدولي.

أدت المعارك إلى دمار في المدينة الواقعة على ضفاف نهر الفرات، والتي تتمتع بثروات طبيعية في قطاعي الزراعة والنفط، بالإضافة إلى الآثار التاريخية في المنطقة، ما يعني أن لديها تنوعًا اقتصاديًا يسهم في الناتج الإجمالي للاقتصاد السوري، في حال استقرت الظروف الأمنية.

بعد أعوام من سيطرة “قسد” على المنطقة، روجت وسائل إعلام مقربة أو على صلة مع “الإدارة الذاتية” لما اعتبرته تغييرات في البنية التحتية ومشاريع تجارية واقتصادية تابعة لها أو مشاريع خاصة.

لكن تلك الجهود والإعلانات تبقى ضمن الحدود الدنيا لبنية اقتصادية متينة ونظام مستدام، رغم الموارد التي تتمتع بها المحافظة، وكذلك “الإدارة الذاتية” نفسها، ولا تحمل بالضرورة أبعادًا اقتصادية مستدامة.

“إعادة إعمار” محدودة

أعلنت “قسد”، في حزيران الماضي، عن إعادة تأهيل “جسر الرشيد” أو “جسر الرقة الجديد”، بعد عامين تقريبًا من إعادة التأهيل، وذكرت وكالة “هاوار” المقربة من “الإدارة الذاتية” حينها، أن المشروع جاء لتخفيف الضغط عن الجسور المستخدمة على نهر الفرات، ولتسهيل عملية التجارة البرية والزراعية والنقل.

إلى جانب الجسر، تعلن وسائل إعلام مقربة من “الإدارة” بشكل دوري عن مشاريع خدمية واقتصادية، تتعلق بتعبيد  الطرقات وتأهيل شبكات الصرف الصحي وتأهيل الحدائق، وصور عبر وسائل التواصل الاجتماعي تظهر لقطات جميلة للمدينة، بما يشبه عمليات “إعادة إعمار” صغيرة للمدينة، بالإضافة إلى إطلاق ما يقارب 3722 رخصة بناء طابقي، وفق ما نقلته “هاوار” عن الدائرة الفنية في “بلدية الشعب”، وذلك منذ سيطرة “قسد” على المدينة.

وتوجد في المنطقة معامل صناعية منها ما يدخل في قطاع الأغذية و”الكونسروة” أو سحب الحديد والدهانات والأعلاف الحيوانية.

لكن ذلك كله لا ينعكس إيجابًا على اقتصاد المنطقة الذي تسيطر عليه “الإدارة الذاتية” بشكل كامل، كما أعلنت، في 7 من تشرين الأول الحالي، عن تأسيس “مجلس الاقتصاد في إقليم شمال شرقي سوريا” لـ”دعم الاقتصاد المحلي”، ويتبع لـ”هيئة الاقتصاد”.

وسبق أن شهدت المنطقة مظاهرات عدة خلال طالب خلالها المتظاهرون بتحسين الواقع الخدمي والاقتصادي والصحي، ترافقت مع إضرابات لمحال تجارية.

وتعاني المنطقة أعطالًا في قنوات الري تؤثر بشكل مباشر على الزراعة، رغم الإعلانات المتكررة عن إنجازات اقتصادية في الرقة.

الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” مناف قومان، قال في حديث لعنب بلدي، إنه ورغم تعدد الموارد الاقتصادية، ووجود الثروات في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، بما في ذلك الرقة، فإن هناك قصورًا ومشكلات كثيرة لدى من يدير تلك الموارد، مع ارتهانه لأطراف خارجية، ما يقلل من فاعلية القرارات والتدخلات الاقتصادية.

وأضاف أن “الإدارة” وعبر إعلاناتها المتكررة لأعمالها الاقتصادية، تريد تصدير صورة للخارج حول الأوضاع الاقتصادية في المنطقة.

من جهته، قال الدكتور في العلوم المالية فراس شعبو، لعنب بلدي، إن محافظة الرقة لديها ميزات وثروات ومقومات أساسية للنهوض، لكن المشكلة تكمن في من يدير هذه الأموال، و”الإدارة الذاتية” كغيرها من سلطات الأمر الواقع على امتداد الجغرافيا السورية ليس لديها فكر استثماري وتنموي لتطوير مناطقها، وتسعى لتحصيل امتيازات فردية على حساب المجتمع والخدمات، بحسب رأيه.

مشاريع صغيرة.. “قسد” مستفيدة

إلى جانب إعلانات “قسد”، أو وسائل الإعلام المقربة منها،تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي إعلانات  لأبنية حديثة وبيوت جديدة للبيع، ومشاريع صغيرة متنوعة، ما يشير إلى تحركات اقتصادية ولو كانت محدودة، أو على صعيد فردي أو من قبل منظمات إغاثية.

هذه التحركات التجارية تسهم عادة في بناء دائرة اقتصادية، تسهم بالناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، هذا في حال وجود استقرار سياسي وأمني واقتصادي في المنطقة.

وتملك الرقة إلى جانب ثرواتها الطبيعية قوة بشرية عاملة، وتشير منصة “معلومات سوق العمل” التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التابعة لحكومة النظام السوري، وفق إحصاء نشرته في عام 2021، إلى أن معدل المشاركة الاقتصادية الخام بين عامي 2010 و2021 في الرقة بلغ 19.3%.

ويشير معدل المشاركة الاقتصادية الخام في قوة العمل إلى النسبة المئوية لذوي النشاط الاقتصادي في سنة معينة من مجموع عدد السكان في نفس السنة.

وفق قومان، فإن الاقتصاد عبارة عن منظومة متكاملة من إدارة الموارد المتاحة، تسعى نحو تحقيق نمط من الاكتفاء للأفراد على جميع المستويات، وستكون الشركات الصغيرة أو الفردية جزءًا صغيرًا من هذا الاقتصاد، وتأتي أهميتها من واقع قدرتها على خلق فرص عمل وتحريك الأنشطة الاقتصادية.

وأضاف في حديثه لعنب بلدي، أن حجم مشاركة الشركات الصغيرة في اقتصاد المنطقة لا يزال في حدود ضيقة، وبالتالي تقتصر الفائدة والفاعلية على الأفراد، إذ يتحملون مخاطر مالية واقتصادية عالية من ممارسة هذه الأنشطة.

ومن جهة أخرى، قد يعبر انتشار شركات صغيرة ومتناهية الصغر عن غياب فاعلية الجهات الرسمية، التي يفترض بها العمل على توفير بيئة اقتصادية جاذبة توفر فرص العمل، وتسعى نحو جذب الشركات الكبيرة والمتوسطة، وتشجع على إدارة موارد المنطقة بإدارة كفء وفق برامج اقتصادية تنموية، بحسب الباحث.

عمليًا، قد لا تنحصر فوائد المشاريع الصغيرة بالأفراد وحدهم عبر خلق دوائر اقتصادية صغيرة فقط، إذ قد تمتد آثارها إلى السلطات الحاكمة نفسها، وبالتالي تستفيد منها “الإدارة الذاتية”.

وفق الدكتور فراس شعبو، فإن الظروف السيئة والدخل المحدود للأفراد تدفعهم للاتجاه لمشاريع صغيرة تنشأ عنها تحركات اقتصادية لتحسين الواقع المعيشي والخدمي والاقتصادي، الغاية منها تحسين الواقع، وهي قد تسهم فعلًا بذلك على مستوى جزئي، ما يصب في مصلحة المنطقة وسكانها ومن يديرها أيضًا.

لكن ذلك التحسن يرتبط، وفق شعبو، بأن يستخدم من يحكم المنطقة الإيرادات التي يحصل عليها لتطوير الواقع.

في حين يرى الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” مناف قومان، أن “قسد” و”الإدارة الذاتية” مستفيدة من أي فعاليات اقتصادية يتم افتتاحها بالمنطقة لأنها تحمل جزءًا من الأعباء عنها، وتحصّل ضرائب مالية منها، لكن بنفس الوقت قد تكون الفائدة ضئيلة على اعتبار محدودية هذه الشركات في منطقة محددة وأنواع معينة من العمل.

وقدّرت “الإدارة الذاتية” حجم الإيرادات العامة للعام الحالي بمبلغ 670 مليون دولار أمريكي، فيما قدّرت النفقات العامة بمبلغ مليار و59 مليون دولار أمريكي، ليصل العجز المتوقع إلى 389 مليون دولار.

وسبق أن فرضت “لجنة المالية” التابعة لـ”الإدارة الذاتية” ضرائب سنوية على التجار والصيدليات ومستودعات الأدوية، يصل بعضها لـ400 دولار أمريكي.

ويعيش سكان المنطقة أوضاعًا معيشية متردية أسوة بمناطق النفوذ المختلفة على الجغرافيا السورية، في حين تعتبر المناطق التي تسيطر عليها “قسد” الأغنى في سوريا، إذ تضم معظم آبار النفط، كما توصف بـ”خزان قمح سوريا” نظرًا إلى النشاط الزراعي فيها.

ويستمر أبناء المنطقة بالاحتجاج للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية، وتأمين المحروقات، وخرجت سابقًا مظاهرات للمطالبة بتأمين الخبز والسكر في أسواق المنطقة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة