رأس العين.. معسرون ينشدون الهجرة لتسديد الديون

تدفع قلة فرص العمل السكان في رأس العين إلى هجرة "غير نظامية" - 12 تشرين الثاني 2024 (عنب بلدي)

camera iconتدفع قلة فرص العمل السكان في رأس العين إلى هجرة "غير نظامية" - 12 تشرين الثاني 2024 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – رأس العين

إثر تراكم الديون عليه، التي وصلت إلى 8500 دولار أمريكي (128 مليون ليرة سورية)، ينتظر عدنان أقرب فرصة للعبور بشكل غير نظامي (تهريب)، من مدينته رأس العين شمال غربي الحسكة إلى تركيا، أملًا بالعثور على عمل لسداد ديونه.

قرار الهجرة بات الخيار الوحيد والإجباري أمام عدنان (42 عامًا)، إذ تكبّد خسائر متتالية خلال ثلاثة أعوام، بسبب ضعف الإنتاج في أرضه الزراعية (55 دونمًا)، وضعف تسويق المحاصيل، ما أدى إلى زيادة الديون عليه.

في نهاية المطاف، اضطر عدنان إلى بيع ما تبقى من مشروعه الزراعي، وهو منظومة طاقة الشمسية، بسعر 2700 دولار، ويأمل أن يكفيه المبلغ للوصول إلى تركيا والعمل فيها، لسداد ديونه وتأمين احتياجات عائلته المؤلفة من ستة أشخاص.

ارتفاع تكاليف المعيشة، وقلة فرص العمل، وتراجع الإنتاج الزراعي، أدى إلى تراكم الديون مع عجز عن سدادها، ما دفع العديد من سكان رأس العين إلى اتخاذ قرار الهجرة “غير النظامية” إلى تركيا، رغم المخاطر.

ويرى البعض أن هذا الطريق قد يكون الحل الوحيد لتحسين أوضاعهم، فالمنطقة محاصرة وضيّقة جغرافيًا بين تركيا و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتعتبر الحدود التركية منفذها الوحيد نحو الخارج.

لا طاقة لهم على السداد

خيار الهجرة لا يقتصر على الرجال والشبان، إنما شمل السيدات في رأس العين، التي تضم نحو 115 ألف نسمة، ويعتمد معظمهم على الزراعة كمصدر دخل أساسي، في وقت تبلغ فيه أجور العمال اليومية حوالي 6.5 دولار أمريكي (بين 80 ألف ليرة سورية و100 ألف).

بهدف تأمين تكلفة دخول تركيا عبر “التهريب”، اضطرت السيدة عبير لبيع منزلها في قرية مضبعة بريف رأس العين بمبلغ 9000 دولار، وذلك للعمل في الزراعة، حيث الأجور اليومية في تركيا أفضل.

وبعد وفاة زوجها منذ سبع سنوات، لم تعد الأربعينية عبير قادرة اليوم على تأمين احتياجات عائلتها، رغم أنها تعمل مع بناتها الثلاث في أعمال المياومة غير الثابتة، لكن الأجور لا تغطي احتياجاتهن الأساسية.

وقالت السيدة لعنب بلدي، إنها حاولت مع بناتها العبور إلى تركيا في الصيف، لكنهن تعرضن للاعتقال من قبل حرس الحدود التركي (الجندرمة)، وأُعدن إلى رأس العين مع فرض غرامة قدرها 150 دولارًا أمريكيًا على كل واحدة منهن (الغرامة كانت بالليرة التركية وبلغت 5000 ليرة).

وتنتظر السيدة وبناتها حاليًا فرصة جديدة للعبور، بعد أن وعدها “المهرب” بالتمكن من العبور في الشتاء، إذ يساعد الضباب والأجواء الممطرة على تسهيل العملية.

أما قرار الشاب أحمد بالهجرة “غير النظامية” إلى تركيا، فجاء بعد أن فقد الأمل بالعثور على فرصة عمل في رأس العين، وتراكمت عليه الديون التي بلغت 3500 دولار أمريكي.

منذ عام، وصل الشاب (34 عامًا) إلى رأس العين قادمًا من لبنان بعد صعوبة البقاء هناك إثر التصعيد العسكري فيها، حيث كان يعمل على شاحنة في نقل البضائع.

وحاول أحمد الدخول أكثر من مرة إلى تركيا لكنه فشل، ولا يزال يأمل في قدوم الشتاء والضباب، عسى أن يحظى بفرصة المرور، ما يمكنه من تحسين وضع عائلته المعيشي (لديه طفلان)، وسداد ديونه.

وتعد رحلات “التهريب” إلى تركيا محفوفة بالمخاطر، وتبدأ بالتعرض للاحتيال، وقد تصل إلى مواجهة خطر الموت، إلى جانب تكاليف باهظة ترهق الراغبين في العبور، إذ يلجأ العديد من السكان إلى “المهربين” للفرار من الظروف الصعبة.

وبحسب رصد مراسل عنب بلدي، فإن تكلفة “التهريب” من رأس العين إلى تركيا تتراوح بين 2000 و5000 دولار أمريكي، حسب الطرق التي يسلكها “المهربون” ومدى خطورة المناطق التي يعبرونها.

جهود لتأمين فرص عمل

تعتمد رأس العين بشكل رئيس على قطاع الزراعة، ما يحد من تنوع فرص العمل المتاحة للسكان، كما لا توجد أي جامعة، إذ تنتهي السلسلة التعليمية فيها مع تجاوز الطالب مرحلة التعليم الثانوي.
رئيسة مكتب الخدمات الاجتماعية في رأس العين، انتصار دودة، قالت لعنب بلدي، إن المجلس المحلي يعمل على الحد من ظاهرة الهجرة وفقًا للإمكانيات المتاحة.

وأوضحت أن المجلس والمؤسسات العاملة في رأس العين تمكنت من توفير فرص عمل لنحو 6000 شخص خلال العامين الماضيين، ولا يزال المجلس يبذل الجهود لخلق المزيد من الفرص.
وأضافت أن المجلس افتتح معملًا للأجبان والألبان و”كافتيريا”، ويجري حاليًا إنشاء “مول” تجاري يوفر عشرات الوظائف.

وأشارت إلى ضرورة تدخل المنظمات ودعم مشاريع سبل العيش، خصوصًا في القطاع الزراعي الذي يعد شريان الحياة للمنطقة، مؤكدة على الحاجة الملحة للدعم الدولي لتحسين الوضع الاقتصادي.

غرامات لضبط “التهريب”

تراجعت عمليات التهريب خلال العامين الماضيين نتيجة تشديد أمني فرضه الجانب التركي، وشملت التدابير تركيب كاميرات حرارية متقدمة، ونشر عدد كبير من الجنود الأتراك على طول الحدود.

وفي تصريح سابق لعنب بلدي، قال المتحدث باسم المجلس المحلي في رأس العين، زياد ملكي، إن المجلس المحلي أصدر، بالتعاون مع المؤسسات العسكرية في المدينة، عدة قوانين تهدف إلى مكافحة تهريب البشر عبر الطرق غير الشرعية.

وأوضح أن من بين هذه القوانين فرض عقوبات صارمة على الأفراد المتورطين في التهريب، تشمل السجن لفترات تصل إلى خمس سنوات أو أكثر.

وأضاف ملكي أن المجلس قرر فرض غرامات مالية على الأشخاص الذين يُقبض عليهم في أثناء محاولتهم دخول تركيا بطرق غير قانونية، حيث تبلغ الغرامة 5000 ليرة تركية للمرة الأولى، و7000 ليرة للمرة الثانية، و10000 ليرة تركية مع السجن لمدة ثلاثة أشهر للمرة الثالثة.

وأشار إلى أن المجلس يعمل قدر الإمكان على توفير فرص عمل، ودعم المشاريع الصغيرة، وتسهيل الإجراءات لتخفيف الضغوط الاقتصادية على السكان.

وتعتبر رأس العين منطقة أساسية لعبور الأشخاص الى تركيا عبر طرق التهريب على الرغم من خطورتها، ويلجأ الكثير من الأشخاص القادمين من محافظة الحسكة والرقة ودير الزور للقدوم إلى رأس العين للعبور إلى تركيا عبر طرق التهريب.

واستقر عدد من الأشخاص القادمين من المحافظات الأخرى في رأس العين بسبب محاولاتهم العديدة والفاشلة للعبور إلى تركيا، وقد أسس بعضهم أعمالًا خاصة نتيجة لصعوبة العبور أو استحالته، بينما عاد الباقون إلى مناطقهم بعد فقدان الأمل في العبور.

وفق تقرير أعدته عنب بلدي في أيلول الماضي، فإن العديد من الأشخاص في رأس العين يقعون ضحايا لأساليب “النصب” التي يمارسها “المهربون”، حيث يطلقون وعودًا بطرق آمنة مقابل مبالغ كبيرة، ثم يختفون بعد تسلم الأموال، أو يتركونهم في منتصف الطريق وسط مخاطر الإصابة والموت خلال محاولات العبور التي تنتهي بالفشل.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة