تعا تفرج
أبو عمر يعيش الأعداء
خطيب بدلة
يتحدث بعض الناس عن إزهاق الأرواح، باعتباره أمرًا نسبيًا، حسابيًا، فتسمع أحدهم يقول إن عملية إسقاط نظام الأسد، تمت بسلاسة، فلو وقعت صدامات بين قوات ردع العدوان، وجيش النظام، لأزهقت أرواح كثيرة، وأما الأشخاص الذين قتلوا في سوريا، خلال هذه الفترة، فعددهم قليل، ولله الحمد!
يذكرني هذا المنطق بحكايتين، أولاهما، عن طبيب جراح، سئل، بعد تقاعده من المهنة، عن عدد المرضى الذين ماتوا، في أثناء العمليات الجراحية التي أجراها في حياته، فقال: والله تلاتة “بس”! وثانيتهما، عن رجل يشارك في حوارات “تيك توك”، بحساب يضع في بروفايله صورة الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، دخل في جدال صاخب مع امرأة، كانت تقول إن صدام حسين قَتَل، سنة 1988، في حملة الأنفال، 182 ألف كردي، فغضب، وقال للسيدة: أنت كذابة، القائد أبو عدي، (يا دوب) قتل، في تلك الموقعة، خمسين ألفًا.
يتخذ الحديث عن القتل، في الثقافة العربية الإسلامية، منحيين متعاكسين، هما: الإقلال والإكثار، ففي حالة الدفاع عن قائد سفاح، يقللون من عدد ضحاياه، وعندما يحتلون موقع الضحية، يلجؤون إلى الإكثار، فيقول قائلهم إن نظام الأسد قتل، من الشعب السوري، مليونين، وإذا أحب أن يرفع جرعة التهويل، يؤكد أن معظم الذين قتلوا من النساء والأطفال!
لدى الإنسان العربي، والمسلم، إحساس دائم بالهزيمة، ولذلك تراه يفرح، ويطرب عندما يسمع بكارثة تعرضت لها دولة عدوة، أدت إلى مقتل أناس مدنيين، حتى ولو كانت تلك الكارثة طبيعية، كالعواصف، والبراكين، والزلازل.. ويفرح أكثر، عندما تكون خسارة الدولة العدوة نتيجة لعمل قتالي ممنهج، مثلما حصل في تفجير مقر المارينز بلبنان، سنة 1983.
صحيح أن ضحايا تفجير المارينز كلهم من الجنود، ولكن تلك العملية انطوت على تعقيدات لو تتبعتَ مسارها لوجدتها بالغة الطرافة، يمكننا أن نستعرضها فيما يلي: لنفرض أن الشخص الذي فرح بمقتل الجنود الأمريكان، اسمه أبو عمر، مسلم سني، ثائر ضد نظام الأسد، ولم يكن يعرف، يومئذ مَن يكون منفذ العملية، ثم جاء في الأخبار أنه واحد من عناصر “حزب الله”، اسمه إبراهيم عقيل، فشعر بالغبطة، والإعجاب بهذا الحزب المقاوم، قاهر الأمريكان، واستمر أبو عمر يفرح بانتصارات “حزب الله”، وصولًا إلى سنة 2000، ثم سنة 2006، واستقبل نازحين جنوبين في بيته وهو ممتلئ بالغبطة والسعادة.. وفي سنة 2011، قامت ثورة ضد نظام الأسد، واشترك أبو عمر فيها، وفي سنة 2012، عندما اهتز عرش بشار الأسد، حصلت مفاجأة من العيار الثقيل، إذ بدأت جحافل “حزب الله” تعبر الحدود، لإجهاض الثورة، وظهر ممثلُه في لبنان، حسن نصر الله، على التلفزيون وصار “يبعبص” بأصابعه ويقول: إذا كنا بعتنا ألف مقاتل، على سوريا بدنا نبعت ألفين، وإذا بعتنا ألفين، وإذا بعتنا ألفين بدنا نبعت أربعة..
هنا نصل إلى الزبدة، وهي أن أقصى مشاعر الخيبة ألمت بأبي عمر، ولكنه استرد معنوياته، في سنة 2024، عندما قتلت الدولتان اللتان يعاديهما، أمريكا وإسرائيل، إبراهيم عقيل، وحسن نصر الله، وصار يوزع شعيبيات، ويعيش أعداءه!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :