تحديات حرية الصحافة في سوريا.. بعد الأسد

عنب بلدي تفتتح مكتبها في دمشق لأول مرة بعد سقوط نظام الأسد في ظل وجود تحديات تواجه البلد والصحافة - 16 من آذار 2025 (أوريول أندريس)

camera iconعنب بلدي تفتتح مكتبها في دمشق لأول مرة بعد سقوط نظام الأسد في ظل وجود تحديات تواجه البلد والصحافة - 16 من آذار 2025 (أوريول أندريس)

tag icon ع ع ع

مر اليوم العالمي لحرية الصحافة، في 3 من أيار، على السوريين لأول مرة دون الماكينة الإعلامية لنظام الأسد، الذي سقط في 8 من كانون الأول 2024.

وارتفعت سوريا مرتبتين في حرية الصحافة، بعد أن كانت تحتل المرتبة 179، في عام 2024، في أثناء حكم نظام الأسد، لتحتل المرتبة 177، وفق “التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2025“، الذي أصدرته “منظمة مراسلون بلاحدود”.

و”أنهى سقوط الدكتاتور بشار الأسد خمسة عقود من القمع الوحشي والعنيف الذي مارسته سلالة الأسد ضد الصحافة”، بحسب المنظمة، ومع أن الصحفيين باتوا يتمتعون بحرية، لا تزال هشة في ظل عدم الاستقرار السياسي والضغوط الاقتصادية المتزايدة.

وبحسب “مراسلون بلاحدود”، فقد تراجعت الضغوط السياسية على الصحفيين في أعقاب سقوط النظام السوري، بينما لا تزال المؤسسات الإعلامية المحلية تعمل جاهدة على إحداث إطار مستدام للصحافة المستقلة، كما تتواصل دعوات الصحفيين السوريين ووسائل الإعلام الوطنية، إلى جانب الجمعيات المحلية المدافعة عن حرية الصحافة، إلى سنّ دستور جديد يكفل حقهم في الوصول إلى المعلومات.

لانا نعسان آغا، صحفية سورية تعمل منتجة في قناة “TRT العربية”، قالت لعنب بلدي، إن الحرية الصحفية صارت موجودة في سوريا بعد القمع الذي مارسه النظام سابقًا على وسائل الإعلام، وباتت أغلب المؤسسات الإعلامية قادرة على التعبير ونقل المعلومات سلبًا وإيجابًا.

وشاركت لانا، في فعالية أقامتها “رابطة الصحفيين السوريين”، في 3 من أيار الحالي، لإطلاق تقريرها الأول للحريات الصحفية في سوريا، في “المركز العربي للتدريب الإذاعي والتلفزيوني، في دمشق، بمناسبة يوم حرية الصحافة العالمي، وتضمنت الحديث عند دراسة أطلقتها الرابطة بعنوان “الصحافة الأخلاقية والقوانين الناظمة لها في سوريا”.

وصفت لانا الفعالية بأنها “بذرة انطلاق لتجمع الصحفيين السوريين من خلال منبر واحد يجمعنا، لتطوير العمل الإعلامي في سوريا الجديدة، تماشيًا مع التطور الإعلامي الهائل في العالم”.

وتتمنى لانا كصحفية تفعيل قانون الجرائم الإلكترونية، خصوصًا أن هناك الكثير من الأخبار الكاذبة، المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تخلق الفتنة والفوضى، لعل وضع هذا القانون يحد منها، بحسب لانا.

أجواء تفاعلية في الفعالية التي أقامتها رابطة الصحفيين السوريين في دمشق للحديث عن حرية الصحافة في سوريا 4 من أيار (عنب بلدي / عمر علاء الدين)

فعالية أقامتها رابطة الصحفيين السوريين في دمشق للحديث عن حرية الصحافة في سوريا – 4 أيار 2025 (عنب بلدي / عمر علاء الدين)

عودة بعد غياب

وبعد خمسة أشهر من وصول الإدارة الجديدة إلى الحكم في سوريا بقيادة الرئيس في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، تناول التقرير المتغيرات منذ سقوط نظام الأسد وقرار حل المؤتمر العام لاتحاد الصحفيين السابق والتعاميم والتراخيص التي أصدرتها وزارة الإعلام، والتسهيلات التي قدمتها للعمل الصحفي.

وحضر الفعالية، عدد من الصحفيين السوريين المستقلين والذين يعملون مع وسائل مختلفة، في الخارج أو الداخل السوري.

إبراهيم حسين، مدير “المركز السوري للحريات الصحفية”، قال إن هناك تحسنًا في البيئة الإعلامية في سوريا، بعد سقوط نظام الأسد، إذ تبنت وزارة الإعلام خطابًا يعزز حرية التعبير ويكافح التضليل، كما أن هناك جهودًا مبذولة من الوزارة لحماية الصحفيين، بحسب حسين.

وتبقى المخاوف من استمرار بعض القيود على حرية الإعلام في سوريا، ومصير وسائل الإعلام التي كانت مقربة من النظام السابق بحجة ملكيتهما لشخصيات مرتبطة به، كإذاعة “شام إف أم”  وصحيفة “الوطن”.

وأشار التقرير إلى محاولات رابطة الصحفيين التواصل مع وزارة الإعلام للحصول على توضيحات حول هذه الإجراءات، إلا أنها لم تتلق أي رد حتى لحظة إعداد التقرير، مما يثير مخاوف بشأن الشفافية والأسس القانونية التي تستند إليها هذه القرارات.

وأشاد إبراهيم حسين، خلال حديثه عن التقرير، بعودة وسائل إعلام سورية كانت تعمل بالخارج، وكان محرمًا عليها الدخول والعمل في سوريا، لكنها تعمل اليوم تعمل بحرية.  كليًا أو جزئيًا، ومنها عنب بلدي، التي كانت من أوائل وسائل الإعلام التي عادت إلى سوريا واستأنفت عملها في الداخل، بعد نشاطها في المنفى.

ووفق ما صرح به مدير تحرير عنب بلدي، علي عيد، لرابطة الصحفيين ، فإن “عنب بلدي تعمل بحرية في العاصمة وريفها، دون ترخيص مع حصولها بشكل وأسبوعي، وبيسر على إذن للطباعة”.

مدير “المركز السوري للحريات” أشاد أيضًا بعودة إذاعتي “روزنة” و“آرتا”، حيث تعمل الأخيرة على إنتاج برامج في دمشق والسويداء، والملفت أن البث يتم باللغات المحكية كاللغة الكردية مثلًا، وهذا الأمر كان ممنوعًا في السابق.

رسائل وخطوات

محمد صطّوف، مدير وحدة الرصد في “المركز السوري للحريات الصحفية”، قال لعنب بلدي، إن التقرير تضمن أيضًا استبيانًا مركَّز شارك فيه 72 صحفيًا وصحفية، سألت فيه الرابطة عن معرفتهم بالقوانين الناظمة للعمل الإعلامي وتجاربهم بخصوص الحريات الإعلامي في مرحلة ما بعد سقوط الأسد.

ويرى معظم الصحفيين المشاركين بالاستبيان تطورًا ملحوظًا فيما يتعلق بالحريات الإعلامية، منذ 8 من كانون الأول وحتى نهاية نيسان، بحسب صطوف.

ونشهد في سوريا انفتاحًا للحريات الإعلامية، بحسب مدير مركز الرصد، لكن مع وجود بعض المنغصات من إرث نظام الأسد، كالقوانين الناظمة للعمل الإعلامي وهي بحاجة إعادة تطوير ، وتعديلات جوهرية في مضمونها، حتى ترتقي لشكل الحريات الإعلامية التي يطمح إلها الصحفيون السوريون.

وتأمل الرابطة من المعنيين وأصحاب القرار النظر في الفجوة والثغرات التي أوجدها نظام الأسد في أدلجة الإعلام السوري على مدى العقود الماضية، وضمنتها كتوصيات في تقرير الحريات الإعلامية، بحسب محمد صطّوف.

ومن التوصيات التي أوردتها الرابطة في ختام التقرير: 

  • التأكيد على التزام الحكومة الجديدة بمحاكمة المسؤولين عن الجرائم ضد الصحفيين، من خلال تشكيل لجان تحقيق مستقلة، وتعقب المتورطين قضائيًا على الصعيدين الوطني والدولي.  

  • إلغاء القوانين والتشريعات التي شرعنت القمع الإعلامي، بما يضمن عدم تكرار هذه الانتهاكات في المستقبل.

  • مراجعة شاملة للقوانين المتعلقة بحرية الصحافة والتعبير والحق في الحصول على المعلومات، بما يضمن تعزيز استقلالية الإعلام وحماية الصحفيين، مع مواءمة التشريعات مع المعايير الدولية. 

  •  الإفراج الفوري عن جميع الصحفيين المعتقلين، والكشف عن مصير الصحفيين المختفين قسريًا، مع توفير تعويضات عادلة لهم ولعائلاتهم، تضمن تحقيق العدالة وتعويض الأضرار التي لحقت بهم.

  • دعم الجهود المبذولة في توثيق الانتهاكات المرتكبة ضد الصحفيين، وضمان أن تكون هذه الملفات جزءًا من عملية العدالة الانتقالية. 

  • فرض عقوبات رادعة ضد الأفراد والكيانات المسؤولة عن هذه الانتهاكات، لضمان عدم الإفلات من العقاب.

  • إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية والأجسام النقابية الصحفية التي كانت تحت سيطرة النظام السابق، وتحويلها إلى مؤسسات مستقلة تعمل لخدمة المصلحة العامة.

  • وضع آليات رقابة فعّالة لمنع استخدام الإعلام كأداة للقمع أو التضليل، وضمان استقلاليته في أداء رسالته، والسماح للإعلاميين بحرية تشكيل النقابات مع ضمان استقلاليتها والمساواة في الدعم والتمكين

  • العمل على تعزيز الاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى حماية الصحفيين في مناطق النزاع، وزيادة التعاون مع المنظمات الدولية لضمان توفير حماية فعّالة للصحفيين وتجنب تكرار الجرائم ضدهم في المستقبل.

  • إطلاق برامج تدريبية متخصصة حول آليات التوثيق وحقوق الصحفيين، ونشر التوعية القانونية للصحفيين والمدافعين عن حرية التعبير. 

  • تعزيز ثقافة المساءلة من خلال الإعلام المستقل والمراقب، وذلك لضمان بناء بيئة صحفية أكثر نزاهة وشفافية.

تأخر استباب الأمن يقيد الحريات

أشاد براء العثمان، عضو المكتب التنفيذي المؤقت لاتحاد الصحفيين، بواقع الحريات الصحفية بعد سقوط نظام الأسد، فهذا الواقع يمكن لمسه من خلال الإجراءات التي اتخذتها وزارة الإعلام منذ اليوم الأول، بإصدار التصاريح الإعلامية، وتسهيل عمل الإعلاميين في جعمي المواقع، مؤكدًا، في حديث لعنب بلدي، أن الاتحاد يعمل على قانون الإعلام الذي يهيئ الظروف القانونية للممارسة الصحفية.

ويعمل الاتحاد على توطيد شبكة علاقات مع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية الموجودة على الأرض، لتسهيل عمل الإعلاميين، كما أطلق الاتحاد رابطًا إلكترونيًا للإبلاغ عن اي شكاوي أو مخاطر تصيب الصحفي ويجري متابعتها فور ورودها، لضمان استمرار العمل الصحفي بكل استقلالية.

ومن المعوقات التي تواجه الحريات الصحفية في سوريا، بحسب العثمان، تأخر استباب الأمن، فسيطرة الدولة على كامل الجغرافيا السورية، وعدم وجود سلاح خارج يد الدولة، يتيح الوصول للمستوى المطلوب على صعيد الحريات الصحفية في البلاد، مع انتظار تشكيل مجلس الشعب الذي سيقر كل التشريعات ذات الصلة بالحريات الصحفية.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة