المؤجرون وعودة أبناء المحافظة أبرز الأسباب

طرطوس.. ارتفاع “غير مسبوق” في إيجارات البيوت

أبنية سكنية في منطقة السكن الشبابي بمحافظة طرطوس 8 آذار- 2025(عنب بلدي / زينب ضوا)

camera iconأبنية سكنية في منطقة السكن الشبابي بمحافظة طرطوس 8 آذار- 2025(عنب بلدي / زينب ضوا)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – زينب ضوّا

“العثور على بيت للإيجار في طرطوس مهمة شبه مستحيلة، ولا تتوفر منازل بإيجار أقل من 800 ألف ليرة سورية، أتقاضى مليون ليرة شهريًا، كيف لي أن أتناول الطعام والشراب لآخر الشهر وأدفع إيجار بيت”، هذا ما قاله محمد ديوب، الموظف في شركة خاصة بمحافظة طرطوس لعنب بلدي.

وأضاف محمد أن “أصحاب المنازل لا يرحمون، وإن وجد بيت بسعر 800 ألف فربما يطلب صاحب البيت رفع الإيجار بعد ثلاثة شهر”.

إيجارات العقارات في الساحل السوري وتحديدًا في محافظة طرطوس، تشهد ارتفاعًا رغم الجمود في حركة بيع وشراء العقارات وركود سوق العمل.

ورغم الانخفاض الملموس في سعر صرف الدولار، فإن ارتفاعًا بالأسعار لمسه السوريون تحديدًا في إيجار العقارات التي لم تنخفض أبدًا، في ظل عدم وجود ضوابط تمنع السماسرة من التحكم بالأسعار أو وضع نظام يفرض سعرًا معقولًا لإيجارات المنازل.

وفي الوقت الذي تعاني فيه محافظة طرطوس من واقع خدمي واقتصادي سيئ، جاءت أزمة ارتفاع إيجارات الشقق السكنية لتزيد من معاناة السكان في الساحل وريفه.

لا ضمانات

حلا سليمان، موظفة في القطاع العام، أوضحت لعنب بلدي أن الكثير من أصحاب البيوت لا يوقعون عقودًا مع المستأجرين، مستغلين حاجة الناس إلى بيت بأسرع وقت، خصوصًا في حالات الخروج الاضطرارية من المنزل وبدئهم بالبحث عن منزل آخر.

ونوهت إلى أن أسعار الإيجارات في الساحل السوري ترهق العائلات ذات الدخل المحدود، قائلة، إن سكان الساحل معظمهم من الطبقة الفقيرة، ويضطرون للعمل المضاعف لسد احتياجاتهم الشهرية، وأكبر مرتب يمكن أن يحصل عليه الشخص في القطاع الخاص هو مليون ونصف مليون ليرة سورية، بينما في القطاع العام لا يتجاوز 300 ألف ليرة سورية.

حلا ليست الوحيدة في هذه المعاناة، فـ”أبو محمد”، الذي يعمل في تنظيف الشوارع العامة، يتكبد معاناة في تأمين إيجار البيت لعائلته المكونة من خمسة أشخاص، واصفًا الحالة المعيشية بأنها زادت سوءًا، ويطالب الحكومة باتخاذ تدابير بوضع سعر معقول لإيجارات المنازل.

ويشترك ماجد عيسى مع “أبو محمد”، فبعد فصله من عمله استأجر محلًا تجاريًا في شارع الثورة، كان مالكه يتقاضى شهريًا منه مبلغ مليون ونصف مليون ليرة سورية، واليوم يطلب منه مليوني ليرة، رغم مرور ثلاثة أشهر ونصف فقط من استئجاره المحل.

مَن المسؤول

يلقي حسين الخليل، وهو صاحب مكتب عقاري في طرطوس، اللوم على أصحاب البيوت، فهم من يطلبون أسعارًا مرتفعة، من ثم يعرضون البيت للإيجار عند صاحب المكتب الذي هو بدوره يتقاضى عموله توازي سعر أجرة أول شهر.

وقال حسين لعنب بلدي، إن الكثير من أصحاب البيوت يشترطون على المستأجر “الدفع سلف” لعدة أشهر قبل السكن في البيت أو المحل التجاري.

وأشار إلى أن العديد من أصحاب البيوت يعتمدون مبدأ “الثقة” بين المؤجر والمستأجر، وبعد مضي “مدة الثقة” التي عادة ما تكون ثلاثة أشهر، يرفع صاحب البيت الأجرة على المستأجر.

الصيف يعتبر فصلًا ترتفع فيه الإيجارات، إذ يستغل أصحاب العقارات حركة السياحة ويرفعون الإيجارات “بشكل كبير”، بحسب صاحب المكتب العقاري.

وذكر أن إيجار البيت زاد بنسبة 20%، وهذا يختلف بين الريف والمدينة، كذلك حسب موقع البيت ومساحته، إذ لا يوجد بيت في المدينة إيجاره أقل من 800 ألف ليرة، ولا يمكن العثور على غرفة يقل إيجارها عن 400 ألف ليرة، بينما يصل إيجار البيت في الريف، على سبيل المثال منطقة الشيخ بدر، إلى 500 ألف ليرة.

وحسب معلوماته، فإن المغتربين في الخارج لديهم نية لشراء المنازل في طرطوس، خاصة سكان طرطوس المسافرين والذين يعملون في البحر، أي من أبناء جزيرة أرواد، إضافة إلى المغتربين أصحاب القدرات العالية في الشراء، وهذا سبب أساسي لرفع أسعار العقارات والإيجارات.

ما الأسباب

قال الدكتور المتخصص بالقوانين العقارية عمار يوسف، لعنب بلدي، إن السبب الأساسي في ارتفاع الإيجارات هو انخفاض القدرة الشرائية لليرة السورية وزيادة الطلب على العرض.

وتابع أن ارتفاع الإيجارات خصوصًا في الساحل السوري ناتج عما جرى عند سقوط النظام، إذ إن جزءًا كبيرًا من المكون الذي كان موجودًا في دمشق وباقي المحافظات السورية عاد إلى بيته أو ليستأجر في محافظته، ما زاد الطلب على البيوت وتسبب بارتفاع الإيجارات بشكل غير مسبوق.

وأوضح يوسف أن من المستحيل أن تملك الحكومة إجراءات مباشرة للحد من ارتفاع الإيجارات لسبب بسيط هو عقد الإيجارات القائم على مبدأ “شريعة المتعاقدين”، فلا شيء يلزم المؤجر أن يؤجر بيته إلا بحالة تم وضع ضوابط لموضوع قيمة الإيجار.

ويرى يوسف أنه يمكن، على المدى البعيد، العمل على مبادرات حكومية لإنشاء وحدات عقارية بهدف تأجيرها للمواطنين بأسعار مدروسة لضبط السوق العقاري وزيادة العرض، وهذا سيقلل من الارتفاع في الإيجار.

خفض الضرائب على مواد البناء المستوردة لا يؤدي إلى انخفاض بأسعار الإيجارات، لأنه لا يسبب أساسًا بشكل كبير ارتفاع أسعار العقارات، لأن سعرها مرتبط بموقع ومكان والخدمات التي يحتويها العقار، والارتفاع يأتي لعدم وجود الاستثمار والجمود الذي يمر به العقار في الوقت الحالي، بحسب يوسف.

وفيما يخص أسعار العقارات في طرطوس، هناك عوامل أخرى مرتبطة بواقع محافظة طرطوس باعتبارها مدينة سياحية، إذ إن قرب العقار من البحر أو بعده ووجوده ضمن المدينة أو الريف يؤثر في هذا الموضوع، إضافة إلى أن هناك عوامل أخرى مرتبطة بعوامل استثمارية واقتصادية، مثل أسعار البيع والشراء السائدة وأسعار الأراضي والمواد البناء والتضخم وقيمة العملة المحلية، إضافة إلى أن للإيجار الشهري والسنوي في المنطقة دورًا في تحديد سعر الشقق.

قلة السيولة النقدية بين أيدي الناس، وتذبذب سعر صرف الدولار، أثرت على أسعار العقارات منذ سقوط النظام السوري، في 8 من كانون الأول 2024، باعتبار أن القيمة المادية لأي عقار تحدد به.

وتشهد إيجارات المنازل في سوريا، ولا سيما بالمدن الكبرى، ارتفاعًا مستمرًا مدفوعًا بجملة من العوامل الاقتصادية والمعيشية.

ورغم التحسن النسبي في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار وتراجع أسعار بعض السلع في السوق، لا يزال قطاع الإيجارات يواصل اتجاهه التصاعدي.

يعود هذا الارتفاع إلى عدة عوامل رئيسة، أبرزها تزايد الطلب على المساكن نتيجة عودة بعض السوريين بعد سقوط النظام السوري، وشح المعروض من الشقق السكنية، وعدم قدرة العديد من السكان على شراء العقارات، بحسب ما رصدته عنب بلدي، ما دفعهم إلى الاعتماد على الإيجار رغم تكاليفه المرتفعة.

وتتفاوت قيمة الإيجارات بين الأحياء داخل المدن الكبرى، حيث تلعب عوامل، منها الموقع الجغرافي ووجود الخدمات الأساسية والقرب من مركز المدينة، دورًا حاسمًا في تحديد الإيجارات.

ويعاني سوق العقارات في مناطق ومحافظات أخرى مثل دمشق وضواحيها من الجمود في عمليات بيع وشراء الشقق السكنية، خصوصًا بعد سقوط نظام الأسد، وتوقف الدوائر الحكومية التي تجري معاملات التسجيل والفراغ العقاري ونقل الملكية، منذ 8 من كانون الأول 2024.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة