ارتدادات مرتقبة في سوريا لحل “العمال الكردستاني”

مقاتلون من وحدات حماية الشعب التي تعتبر الفرع السوري من العمال الكردستاني في سوريا والتابعة لقسد خلال تدريبات عسكرية شمال شرقي سوريا- 4 من نيسان 2024 (وحدات حماية الشعب)

camera iconمقاتلون من وحدات حماية الشعب التي تعتبر الفرع السوري من العمال الكردستاني في سوريا والتابعة لقسد خلال تدريبات عسكرية شمال شرقي سوريا- 4 من نيسان 2024 (وحدات حماية الشعب)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي- خالد الجرعتلي

تباينت القراءات حول تداعيات إعلان “حزب العمال الكردستاني” عن حلّ نفسه وتخليه عن العمل المسلح، خصوصًا تأثيره المباشر في مناطق شمال شرقي سوريا، حيث يشكّل الحزب تاريخيًا المرجعية الإيديولوجية والعسكرية لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

وتتقاطع المصالح في المنطقة التي ينتشر فيها “الحزب” والأطراف المتفرعة عنه في سوريا، إذ تضرب تركيا المنطقة منذ سنوات، وتطالب بخروج “العمال” منها، بينما تنتشر قوات عسكرية غربية تحت مظلة التحالف الدولي، داعمة لـ”قسد”، التي يتحكم فيها العمال.

الحزب أعلن عن حل نفسه، وإنهاء حركته المسلحة التي كانت توجه ضد تركيا بشكل أساسي، وتتفرع ضد أطراف أخرى في مناطق، وبلدان أخرى.

وقال الحزب، في 12 من أيار الحالي، في بيان نشرته وسائل إعلام كردية منها شبكة “رووداو” (مقرها أربيل)، وألقاه زعيمه الحالي، جميل بايق، إن “قرار نزع سلاحه وحل نفسه هو من أجل الحل الديمقراطي والسلام الطويل الأمد”.

وعقب إعلان “العمال” حل نفسه، قالت صحيفة “حرييت” التركية، إن أنظار أنقرة تتجه إلى تسليم حزب “العمال” أسلحته، وعلى وجه الخصوص، الصواريخ الموجهة والمعدات الأخرى الموجودة في سوريا.

وأضافت أن حزب “العمال” المدرج على لوائح الإرهاب في تركيا، وأمريكا، ودول أوروبية، تلقى شاحنات محملة بالأسلحة والذخائر في سوريا تحت ذريعة القتال ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وفي وقت تتعدد فيه التحليلات حول الملف، يبدو قرار حلّ “العمال الكردستاني”، نقطة تحوّل فارقة في المعادلة السورية، لكنه سيظل مرهونًا بمدى التزام كوادر الحزب بالانسحاب من المشهد، إلى جانب استعداد القوى الكردية والسورية الرسمية على حد سواء للانخراط في تسوية وطنية شاملة، تتجاوز الحسابات الأمنية إلى معالجة القضايا الأمنية والسياسية المتراكمة.

تخفيف الذريعة التركية… ولكن الخلاف أعمق

شكل وجود “العمال” في سوريا ذريعة للتدخل التركي في شمالي سوريا، ورغم أن “قسد” نفت خلال السنوات الماضية، ارتباطها بـ”العمال” ووجود أفراد وقادة منه في المنطقة، اعترف قائدها مظلوم عبدي بوجودهم، لكنه قدم وعودًا بإخراجهم من سوريا في حال الوصول لوقف إطلاق نار مع تركيا.

“الحزب” الكردي الاشتراكي، شكل عوائق أمام تفاهمات “قسد” مع دمشق، إذ رفض خروج أفراده وقادته من المنطقة قبل ضمان أن تحظى “قسد” بمركز قيادي في سوريا، وهو ما سبق أن نقلته وكالة “رويترز” مطلع العام الحالي، مع انطلاق مسار المفاوضات بين الجانبين.

وعلى ضوء حل “العمال” نفسه، بدت مبررات تركيا للتحرك العسكري، واعتبار أن الشمال السوري مصدر قلق أمني، أقل صدى، لكن خبراء تواصلت معهم عنب بلدي يعتقدون أن الواقع أبعد من ذلك.

ويرى الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، أسامة شيخ علي، أن تركيا، التي طالما استخدمت علاقة “قسد” بـ”حزب العمال الكردستاني” كذريعة لتبرير هجماتها، قد تجد في حلّ الحزب فرصة لتخفيف هذا العبء. لكن جوهر الموقف التركي لا يتعلق فقط بوجود صلة تنظيمية مع “العمال”، بل برفضها القاطع لوجود كيان سياسي كردي مستقل في شمال شرقي سوريا، حتى وإن فكّ هذا الكيان ارتباطه مع قنديل.

الباحث قال لعنب بلدي إن أنقرة لا تثق بالقيادات السورية الكردية، وتعتقد أن معظمهم تلقى تأهيله الفكري والعسكري في معسكرات “الحزب” بجبال قنديل، وبالتالي، فإن أي مشروع سياسي كردي سيظل بنظرها تهديدًا للأمن القومي التركي.

وأضاف أن الخيار الأفضل أمام “قسد” يتمثل في الاستمرار بتنفيذ الاتفاق مع الحكومة السورية، والانخراط ضمن الجيش السوري كجزء من تسوية سياسية داخلية، ما يمنحها هامش حركة أوسع على الساحة السورية ويجنبها الاصطدام مع الأطراف الإقليمية.

انتقال من العمل العسكري إلى السياسي

أحدث التعليقات التركية الرسمية حول حل “العمال الكردستاني” كانت في 15 من أيار الحالي، عندما ذكر المتحدث باسم المكتب الإعلامي لوزارة الدفاع التركية، زكي أوكتورك، أن بلاده ستتابع عن كثب “لخطوات الملموسة” على الأرض بخصوص تسليم سلاح “العمال”.

وأضاف أن القوات المسلحة التركية ستواصل عمليات التمشيط، وتحديد وتدمير الكهوف والأنفاق، والألغام، والمتفجرات في مناطق انتشار “الحزب”، حتى التأكد من أن المنطقة خالية من أي تهديد، وفق ما نقلته وكالة “الأناضول” التركية.

مدير مركز “رامان للدراسات”، بدر ملا رشيد، لفت إلى أن التوجه العام داخل “العمال الكردستاني” يشير إلى التخلي عن فكرة العمل المسلح والانتقال إلى العمل السياسي، وهو ما يُتوقع أن ينسحب على “قسد” أيضًا، لاسيما في ظل الاتفاق الذي أبرمه مظلوم عبدي مع الحكومة السورية.

ملا رشيد أوضح لعنب بلدي أن هذا التحول لن يترك فراغًا كبيرًا داخل الساحة الكردية السورية، حيث يظل “حزب الاتحاد الديمقراطي” المرتبط إيديولوجيًا بـ”العمال الكردستاني” هو الحزب المهيمن.

ويعتقد الباحث أن موارد الحزب التي كانت تُوجه لقنديل قد تُعاد توجيهها لدعم “الاتحاد الديمقراطي”، ما يمنحه قدرة أكبر على توسيع قاعدته الشعبية وزيادة حضوره السياسي، خاصة في ظل تراجع دور “المجلس الوطني الكردي” الذي يعتبر منافسه التقليدي، وحظي بدعم من أربيل ذات العلاقة الجيدة مع تركيا.

تحديات التنفيذ ومصير كوادر “العمال”

لم تعلّق الحكومة السورية حتى اليوم على قرار حل “العمال” الذي يهيمن على “قسد” السورية، كما لم تطرح أي مؤشر على موقفها من قرار “الحزب”، في وقت اعتبرت فيه “قسد” و”الإدارة الذاتية” أن حل “العمال” هو أمر إيجابي.

وفي وقت تلف الضبابية تفاصيل القضية حول إلقاء السلاح، ومن الجهة التي ستستلمه، والمطلوبين من “الحزب” لتركيا، وغيرها، تبقى الأبعاد الميدانية في مناطق سيطرة “قسد” بسوريا أكثر وطأة، إذ لم يعرف حتى اليوم مصير المقاتلين الأجانب في “قسد” الذين تطالب الحكومة السورية برحيلهم.

بدوره قال الباحث المتخصص في شؤون شمال شرقي سوريا، سامر الأحمد، لعنب بلدي إن التأثير النظري للحل ينبغي أن يكون كبيرًا، نظرًا لأن كوادر الحزب وخاصة الأجنبية منها كانت تتولى إدارة “قسد” أمنيًا وإداريًا.

وتساءل الباحث عن مدى استعداد هذه الكوادر فعلاً للانسحاب أو التخلي عن مكاسبها، محذرًا من إمكانية ظهور تنظيم جديد يحمل اسمًا مختلفًا لكنه يحتفظ بنفس البنية الصلبة والعصبية التنظيمية.

وأضاف الأحمد أن وجود هذه الكوادر، وخصوصًا في ظل تهديداتها لبعض قيادات “قسد” وحتى لمظلوم عبدي، يعيق تنفيذ الاتفاقات الحالية ويضع عراقيل أمام التحول نحو تسوية سياسية، لكنه يرى أن الخطوة جاءت بتفاهم تركي، ما يرجّح أن يكون لها انعكاسات إيجابية إن مارست أنقرة ضغوطًا جادة لحل الإشكال جذريًا، سواء في قنديل أو في سوريا.

ليس الأول

سبق أن أعلن “حزب العمال” عن حل نفسه بعد عام على اعتقال زعيمه على يد المخابرات التركية في مدينة نيروبي بكينيا، عام 1999، لكنه أعاد تشكيل نفسه لاحقًا، واستأنف عملياته ضد الجيش التركي.

وفي عام 2013، انخرط الحزب مجددًا بمحادثات سلام مع تركيا، وعلّق عملياته العسكرية تمهيدًا لعقد مؤتمر ينهي حالة العداء مع أنقرة، لكنه أعاد استئناف نشاطه المناهض لأنقرة عام 2015، بعد أن هاجمت الأخيرة مواقع له بالقرب من الحدود العراقية.

وتطالب تركيا بحل جميع الفصائل العسكرية المتفرعة عن “العمال” في كل من العراق وتركيا وسوريا، وهو ما لم يوضحه بيان الحزب.

ودعت الحكومة التركية مرارًا إلى إنهاء نشاط الحزب في الدول الثلاث، في وقت استمرت فيه محادثات أنقرة مع الحكومة العراقية، التي انتهت بإدراج العراق لـ”العمال” على “لوائح الإرهاب” لديه.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة