tag icon ع ع ع

جنى العيسى | حسن إبراهيم | عمر علاء الدين

عمل النظام السوري لعقود وبشكل ممنهج على تقييد الحريات الصحفية، وتذيلت سوريا لسنوات مؤشرات حرية الصحافة العالمية التي تضعها منظمات دولية متخصصة مثل “مراسلون بلا حدود”.

بعد سقوط نظام الأسد، في 8 من كانون الأول 2024، شابت المشهد الإعلامي ظاهرة تحكم “المكاتب الصحفية” و”مكتب العلاقات العامة” في وزارة الإعلام بتمرير المعلومات للصحفيين، والسماح لهم بإجراء التغطيات والمقابلات، ما تسبب بإرباك، يبدو أنه مرتبط بعملية إعادة ترتيب تجريها وزارة الإعلام والحكومة، إذ يتعلق الأمر بالخبرة اللازمة في إدارة هذا الملف، لكن مخاوف الصحفيين لم تتبدد من إمكانية عودة القبضة الحكومية على الصحافة والحريات الصحفية في البلاد.

خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، تعرض عدد من الإعلاميين لانتهاكات متعددة، منها اعتداءات مباشرة من عناصر وفصائل عسكرية متعددة ومختلفة التبعية في عموم الجغرافيا السورية.

وبعد ثلاثة أشهر من تعيين سريع لحكومة تصريف الأعمال التي تلت سقوط الأسد، جرى تعيين وزير الإعلام الجديد، حمزة المصطفى، الذي تولى مهامه واعدًا بالتغيير الإيجابي وإيجاد الحلول الممكنة لتسهيل عمل الصحفيين وسهولة وصولهم إلى المعلومة.

رغم الوعود، لا تزال كثير من محاولات صحفيين في الحصول على المعلومات من مسؤولين تقابل بالرفض أو التجاهل، إما لحساسية الموضوع في معظم الأحيان، أو لتداخلات عديدة بين وزارة الإعلام والوزارات والمؤسسات الأخرى، إضافة إلى تشابكات غير مفهومة في عمل المكاتب الصحفية.

تنقل عنب بلدي في هذا الملف بعض التحديات التي يواجهها الصحفيون في محاولاتهم للوصول إلى المعلومات، والتعقيدات التي تواجههم من قبل المكاتب الصحفية لدى مختلف الوزارات والمؤسسات، وتقابل المسؤولين في الحكومة ووزارة الإعلام لتوضيح الموقف، وتبحث في دور اتحاد وروابط الصحفيين، وتقاطع الحالة مع الخبراء المختصين.

مسار مربك للوصول إلى المعلومة

يخشى بعض الصحفيين السوريين من تقييد حرية الوصول للمعلومات، عبر المكاتب الصحفية التابعة للجهات العامة في سوريا، إما بشكل متعمد أو ناتج عن غياب التنسيق بين المكاتب الإعلامية ووزارة الإعلام.

وتنتظم الهيكلية الإدارية حاليًا، بأن يكون لدى كل وزارة أو مؤسسة حكومية مكتب صحفي أو مكتب علاقات عامة، يمكن التواصل معه باتصال هاتفي أو عبر “واتساب” أو “تلجرام”، ويحاول بدوره تأمين التواصل مع الجهة المراد التواصل معها، أو يستقبل أسئلة الصحفي ويتكفل بإيصالها للمسؤول للإجابة عنها.

هذه الآلية تجعل من السهل على الصحفيين الحصول على معلومات محددة، لكنها تحرمهم في كثير من الأحيان من الوصول إلى المصادر المسؤولة وطرح أسئلتهم عليها بشكل مباشر، بينما ترفض بعض المكاتب التعاطي مع الصحفيين قبل الحصول على موافقة من وزارة الإعلام.

صحفيون عاملون في سوريا التقتهم عنب بلدي، تضاربت آراؤهم حول التعامل مع المكاتب الصحفية، منهم من يرى من خلال تعاطيه اليومي أن هناك إحجامًا متعمدًا عن تقديم المعلومات، على النقيض من ذلك يرى آخرون أن هناك تعاونًا كبيرًا لدى مختلف المكاتب الصحفية.

تعاطٍ غير واضح

واجه مراسل عنب بلدي في محافظة درعا صعوبات متكررة خلال محاولاته تغطية آلية العمل في معبر “نصيب” الحدودي مع الأردن، بعد سقوط نظام بشار الأسد، وفشل في ثلاث محاولات للتصوير أو إجراء أي تغطية صحفية.

في المحاولة الأولى، في 18 من كانون الأول 2024، سُمح للمراسل بالدخول بشرط الحصول على موافقة رئيس دائرة الهجرة، الذي أحاله إلى مدير الجمارك، والذي بدوره رفض منحه أي تصريح وأحاله إلى مدير المعبر، دون نتيجة.

في المحاولة الثانية، في 9 من كانون الثاني الماضي، توجه المراسل مباشرة إلى مكتب مدير المعبر للحصول على إذن تصوير، إلا أنه بعد انتظار دام ثلاث ساعات، أُبلغ بضرورة الحصول على موافقة من “هيئة المنافذ البرية والبحرية”.

أما المحاولة الثالثة فكانت في 26 من كانون الثاني، بعد إعلان عن وصول مساعدات سعودية إلى المعبر، لكن المراسل مُنع من الدخول إلى البوابة، وبعد تدخل منسق الحملة، سُمح له بالدخول، إلا أنه مُنع مجددًا من التصوير لعدم امتلاكه تصريحًا مسبقًا.

سلك المراسل المسارات التي طلبت منه، لكنه أشار إلى معوقات أخرى مرتبطة بالحصول على التصريحات الرسمية، إذ تنتظر بعض الموافقات أكثر من شهر دون رد، كما حدث مع تصريح بشأن تغطية في جامعة “درعا”، بينما جرى تجاهل طلب تصريح آخر مقدم لمديرية الكهرباء.

في المقابل، يوجد تعاون من قبل موظفين آخرين في البلديات على سبيل المثال، يستجيبون بسرعة لطلبات الصحفيين في الحصول على المعلومات والمواقف الرسمية.

بيسان خلف، صحفية عاملة في مكتب عنب بلدي بدمشق، تعرضت لموقف مشابه، إذ رفض المكتب الصحفي في جامعة “دمشق” أن يزودها بتواصل مع عميد كلية الأدب الإنجليزي، ورفض إيصال أسئلتها، ورفض قبول موافقة من العلاقات العامة في وزارة الإعلام، واشترط وجود تصريح خطي وموقّع من مكتب الشؤون الصحفية.

الصحفية نفسها تواصلت مع المكتب الصحفي بوزارة الدفاع السورية، وكان متجاوبًا معها وحصلت على توضيحات مرتبطة بنفي خبر تعيين العقيد المنشق ومؤسس “الجيش الحر”، رياض الأسعد، معاونًا لوزير الدفاع، مرهف أبو قصرة، وذلك دون طلب تصريح أو موافقة من أي جهة.

حق الصحفي.. لا علاقة للموظف

الصحفي السوري أحمد حاج بكري، قال لعنب بلدي، إن الدولة في طور التأسيس وهذا يولد سلبيات وعقبات تواجه الصحفيين في الحصول على المعلومة، منها تعقيدات وعدم معرفة بعض الكوادر بالمهام الموكلة إليهم، ففي بعض القضايا يعتمد الأمر على وجهة نظر المكتب الإعلامي أو مسؤول العلاقات بالرفض أو القبول (التعاون وعدمه).

ولفت حاج بكري إلى الحاجة لإدراك المكتب أو مسؤول التواصل بأن ما يطلبه الصحفي للحصول على المعلومة هو حق، دون إقحام وجهة نظر أو رأي الشخص الموظف في المكتب، مضيفًا أن غياب قوانين أو آلية واضحة للتواصل مع الجهات الحكومية، وكيفية التعامل معها من السلبيات أيضًا.

وأضاف أن الوضع الأمني غير المستقر يثير المخاوف، إذ لا توجد قوانين أو ضبط للأمن على مساحة سوريا كاملة، لافتًا إلى أن التنسيق مع المكاتب الإعلامية في المحافظات والوزارات هو الأكثر أمانًا في هذه المرحلة، بحيث يضمن الصحفي معرفتهم بوجوده في منطقة ما في حال حصل اعتداء عليه أو تعرض لأي انتهاك.

ويرى حاج بكري أن سقف الحرية في سوريا اليوم عالٍ جدًا، وكل الصحفيين قادرون على العمل وتغطية جميع القضايا التي يريدون، لكن ربما ببعض المواضيع التي لا تعجب السلطة لا يحصل فيها تعاون أو الحصول على جواب واضح.

بيروقراطية يخترقها التعاون

الأكاديمي والصحفي المستقل الدكتور أحمد الكناني، يرى أن ما كان قبل سقوط النظام في هذا الملف ينطبق على ما بعده، من حيث انكفاء الجهات الحكومية عن تقديم المعلومات، خاصة البيانات الرقمية، إضافة إلى كل ما يتعلق بقضية تقييم أداء العمل الحكومي.

من خلال عمله اليومي قال الكناني لعنب بلدي، إنه يواجه تقييدًا في الوصول إلى المعلومات، خاصة فيما يتعلق بملفات الطاقة والكهرباء والغاز، والتسريبات السياسية، إذ تحاول الجهات العامة أن تحجم عن تقديم المعلومات، إلا في إطار ما تراه الدولة مناسبًا للكشف عنه، عبر تسريبه لوسائل إعلام تختارها.

 

هناك بيروقراطية تحرم الصحفي من الحصول على تصريحات صحفية من شخصيات مسؤولة (مدير، مدير عام، وزير)، ودائمًا ما كان هؤلاء المسؤولون يقدمون تصريحات حصرية لصحفيين تربطهم بهم علاقات شخصية، دونًا عن الصحفيين الآخرين.

أحمد الكناني

صحفي مستقل

 

الكناني اعتبر أن العديد من المسؤولين السوريين لم يعودوا يهتمون لوسائل الإعلام المحلية، بل يلتفتون إلى وسائل الإعلام الدولية، وهذا ما نشهده من إطلالات المسؤولين على وسائل الإعلام العربية أو الأجنبية، وفق رأيه.

تعتمد المكاتب الصحفية على بروتوكول بيروقراطي، يحكم علاقة المسؤول بالصحفي، عبر تقديم طلب للمكتب من أجل مقابلة مع الوزير، حيث شهدت فترة ما بعد سقوط النظام فوضى في التصريحات، حاولت الحكومة ضبطها عبر حصر اللقاء والتواصل مع مسؤول معيّن في وزارة الإعلام فقط.

الصحفي أحمد الكناني اعتبر أن المكاتب الصحفية في مختلف الوزارات لا تؤدي دورها بشكل فعال، مضيفًا، “من خلال تجربتنا تبقى المكاتب الصحفية آخر حل يمكن التطرق إليه”، إذ يحتاج العمل الصحفي إلى سرعة المعلومة، بينما يبدو التوجه إلى باب المكاتب الصحفية هو “عكس خط السرعة”، وفق تعبيره.

ولا يمكن المقارنة بين النظام السابق والإدارة السورية الجديدة، من حيث حرية طرح الملفات والأفكار والمواضيع مهما تعددت، وفقًا للصحفي السوري، فـ”النظام السابق كان يحجب المعلومات بشكل كلي، كما كان يضع ملفات بعينها على طاولة الحجب”، أما الآن فلا ملفات ممنوعة من الطرح أو التناول، كما أن هناك مسارات عديدة للحصول على المعلومة والبحث في قضايا مختلفة.

واعتبر الكناني أن هناك تعاونًا من قبل المسؤولين في فكرة الانفتاح على الإعلام، إلا بما يتعلق بقضية حصرية التصريحات والإطلالات، وذلك باعتبار سوريا “خزانًا للأحداث”، فربما يحجم عدد من المسؤولين فيها عن إجراء المقابلات لكثرة تلك الأحداث، بحسب الصحفي المستقل.

سلاح الإلحاح

من جهتها، ترى الصحفية السورية منيرة بالوش، أن تعاون المكاتب الصحفية مع الصحفيين جيد، مع وجود بعض التأخير في الرد.

وتستطيع الصحفية السورية، المقيمة في إدلب سابقًا ودمشق حاليًا، الحصول على المعلومات بسرعة، لكنها قد تكون محدودة في بعض الأحيان، بسبب أن الموظف المسؤول عن العلاقات العامة يكتفي باستقبال الأسئلة المرسلة بنفسه وتوجيهها للمصدر الرئيس، ما يفقد الصحفي فرصة طرح المزيد من الاستفسارات حول الموضوع.

وبسبب الإلحاح الذي تتبعه منيرة، كأسلوب للحصول على المعلومة، تستطيع الحصول على التصريح بوقت أسرع، إلا أن هذا الإلحاح كان حلًا في بعض الحالات، بينما تأخرت بعض المكاتب في الإجابة على استفسارات والتساؤلات.

مرحلة مؤقتة

حول أبرز التحديات التي تواجهه في أثناء الحصول على معلومة من مصدر حكومي، قال مراسل صحيفة “الشرق الأوسط” في دمشق كمال شيخو، إن مسألة عدم توفر الصفحات الرسمية والبريد وأرقام التواصل للوصول للجهات الحكومية، هي أبرز ما يعانيه.

تسلمت الحكومة الانتقالية مهامها حديثًا ومعها تسلمت المكاتب الصحفية، لكن ليست هناك أرقام واضحة للتواصل للحصول على معلومة، ويرتبط هذا الأمر، بحسب ما قاله شيخو لعنب بلدي، بحداثة الإنشاء وتأسيس المكاتب الصحفية التي بدأت عملها من جديد والوزرات كذلك.

وخلال الفترة الأولى في أثناء حكم حكومة تصريف الأعمال، قبل تسلم الحكومة الانتقالية، لم يكن هناك أي تعاون من قبل المكاتب الصحفية للحصول على إذن لإجراء مقابلة مع مسؤول أو وزير، إذ كان إجراء شديد الصعوبة، وفق تجربة كمال شيخو.

 

أعتقد أن هناك حاجة للوقت لإعطاء التوازن ما بين نشر المعلومة وتزويد الصحفيين بها، كما أن تقييد الوصول للمعلومات، باعتقادي، قد يمتد من ثلاثة إلى ستة أشهر، لكن استمراره أكثر من ذلك يعتبره الصحفيون “غير مقبول”.

كمال شيخو

مراسل “الشرق الأوسط” بدمشق

تحسن في التصنيف العالمي

ارتفعت سوريا مرتبتين في حرية الصحافة، بعد أن كانت تحتل المرتبة 179، في عام 2024، في أثناء حكم نظام الأسد، لتحتل المرتبة 177، وفق  “التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2025“، الذي أصدرته “منظمة مراسلون بلا حدود”.

وبحسب “مراسلون بلا حدود”، فقد تراجعت الضغوط السياسية على الصحفيين في أعقاب سقوط النظام السوري، بينما لا تزال المؤسسات الإعلامية المحلية تعمل جاهدة على إحداث إطار مستدام للصحافة المستقلة، كما تتواصل دعوات الصحفيين السوريين ووسائل الإعلام الوطنية، إلى جانب الجمعيات المحلية المدافعة عن حرية الصحافة، إلى سنّ دستور جديد يكفل حقهم في الوصول إلى المعلومات.

كلمة للرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع في افتتاح مؤتمر الحوار الوطني في قصر الشعب بدمشق - 25 شباط 2025 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

كلمة للرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع في افتتاح مؤتمر الحوار الوطني في قصر الشعب بدمشق – 25 شباط 2025 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

ملفات “حساسة”

وزارة الإعلام توضح موقفها

مدير العلاقات الحكومية في وزارة الإعلام السورية، محمد عبد الرحمن، قال لعنب بلدي، إن “الأصل في العمل الصحفي” أن تكون العلاقة بين الإعلاميين والمؤسسات الرسمية عبر وزارة الإعلام ممثلة بمديرية العلاقات العامة، والتي تُعد الجهة المسؤولة عن استقبال الطلبات الإعلامية وتنسيق الردود وترتيب المقابلات مع المعنيين، بما يتوافق مع إمكانيات وإجراءات كل جهة.

وأضاف أن هذا التنظيم يهدف إلى تسهيل عمل الصحفيين وتوحيد قنوات التواصل، بحيث لا يضطر الصحفي للتنقل بين عدة جهات بحثًا عن المعلومة.

وبسبب الضغط المتزايد على المديرية نتيجة اتساع النشاط الإعلامي، فتحت قنوات تواصل مباشرة بين بعض المكاتب الإعلامية والجهات الخدمية أو المدنية، لتسريع الإجراءات في الملفات الروتينية أو اليومية.

أما في القضايا ذات الحساسية أو الارتباط بسياسات عامة، فيُعاد التنسيق إلى مديرية العلاقات العامة لضمان الدقة والتكامل، وهو إجراء تنظيمي يهدف إلى تقديم المعلومة الصحيحة دون تضارب، وفق عبد الرحمن.

واعتبر عبد الرحمن أن وجود بعض التباين بين المؤسسات الرسمية في التعامل مع الصحفيين أمر طبيعي، ويعود في الغالب إلى طبيعة عمل كل جهة ومستوى حساسية الملفات التي تتعامل معها، فبعض الوزارات، وخاصة الخدمية، تتطلب درجة أعلى من الانفتاح الإعلامي، وبالتالي تمنح وصولًا أسهل للمعلومة.

في المقابل، هناك جهات ذات طابع أمني أو سيادي يكون التعامل معها أكثر حذرًا بسبب طبيعة القضايا المرتبطة بها، وفق عبد الرحمن.

 

عمومًا، تعتمد الحكومة آلية موحدة قدر الإمكان للحصول على التصريحات، عبر تقديم الطلبات من خلال مديرية العلاقات العامة في وزارة الإعلام، التي تتولى التنسيق وتحديد الجهة المخولة بالتصريح أو المقابلة، وتعمل الوزارة حاليًا على تطوير آليات هذا التنسيق لتقليل الفروقات وتسهيل العمل الإعلامي.

محمد عبد الرحمن

مدير العلاقات الحكومية في وزارة الإعلام السورية

وعن غياب التجاوب الرسمي في بعض القضايا، قال عبد الرحمن لعنب بلدي، إن الحكومة تنتهج سياسة إعلامية تهدف إلى حماية السلم الأهلي وتعزيز الاستقرار، ولذلك يراعى في بعض القضايا، وخاصة ذات الطابع الأمني أو المتعلقة بالأمن القومي، الحذر في التصريح بالمعلومات حفاظًا على المصلحة العامة.

وفي أحيان أخرى، قد يتأخر التجاوب بسبب عدم اكتمال المعلومات أو لضيق الوقت، خصوصًا مع سرعة تداول الأخبار وورود أنباء عاجلة، كما أن هناك حالات تسعى فيها الجهات الرسمية إلى التحقق الكامل من التفاصيل قبل إصدار أي بيان تجنبًا لنشر معلومات غير دقيقة.

 

 

لا يمكن إنكار أن العمل الإعلامي في سوريا لا يزال في طور الترتيب المؤسسي، لكن هناك جهودًا حثيثة تُبذل لتوسيع فرق الاستجابة الإعلامية، وتحسين سرعة التفاعل، وتطوير أدوات النشر والرد، بما يحقق التوازن بين الشفافية والمسؤولية.

محمد عبد الرحمن

مدير العلاقات الحكومية في وزارة الإعلام السورية

200 جهة بانتظار التراخيص

تنتظر وسائل إعلام ومؤسسات صحفية البت في طلبات قدمتها لترخيص العمل داخل سوريا، إذ صدرت تصريحات بشكل متكرر عن تسهيل العملية دون أي تقدم في هذا الشأن.

مدير العلاقات الحكومية في وزارة الإعلام، قال إن دائرة التراخيص فتحت باب استقبال طلبات ترخيص المؤسسات الإعلامية، وقد تلقت حتى الآن أكثر من 200 طلب من جهات مختلفة، وسيتم قريبًا إغلاق باب التقديم، تمهيدًا لتشكيل لجنة مختصة لدراسة الطلبات وفق معايير مهنية وإدارية تراعي الاختصاص، والمجال، وأهداف كل جهة.

وستُعلن الشروط المطلوبة بشكل رسمي، مع مراعاة الشفافية وتكافؤ الفرص، بما يضمن تنظيم القطاع الإعلامي ومنحه بيئة قانونية داعمة ومهنية في آنٍ واحد، وفق عبد الرحمن.

وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى خلال لقاء عدد من الفنانين - 7 أيار 2025 (وزارة الإعلام السورية)

وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى خلال لقاء عدد من الفنانين – 7 أيار 2025 (وزارة الإعلام السورية)

“اتحاد الصحفيين”

خط ساخن لحل المشكلات

لم توجه إلى “اتحاد الصحفيين السوريين” شكاوى من الصحفيين تتعلق بعرقلة الوصول للمعلومات، سواء من مكاتب العلاقات العامة في الوزارات أو المكاتب الصحفية، بحسب ما قاله براء عثمان، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصحفيين السوريين.

وأضاف عثمان، لعنب بلدي، أن “الاتحاد” تلقى عددًا من الشكاوى حول تأخر المكاتب الصحفية بالوزارات في الاستجابة لاستفسارات الصحفيين، وحين التواصل مع تلك المكاتب كان “الجواب المنطقي” هو “كثرة الطلبات الصحفية المتعلقة بالتصريحات المطلوبة من الوزراء بما يتعلق بأعمال الوزارات”.

وتأتي هذه الطلبات كعبء إضافي، بحسب ما نقله عثمان عن المكاتب، إلى جانب الأعمال الكثيرة التي تواجه الوزراء، خصوصًا في مرحلة إعادة هيكلة المؤسسات العامة وأيضًا كثرة المشاريع، علمًا أن كل الوزارات تحاول أن تصدر معلومات يومية عن النشاطات التي تقوم بها، وفق تعبيره.

ووصف براء عثمان، عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الصحفيين، عملية التنسيق بين اتحاد الصحفيين ووزارة الإعلام بـ”العالية جدًا”، مشيرًا إلى امتلاك الاتحاد” خطًا ساخنًا مع وزارة الإعلام بكامل هيئاتها ومديرياتها”.

حلقة الوصل

وقال عثمان، إن استجابة وزارة الإعلام كانت سريعة جدًا، خاصة مكتب العلاقات الإعلامية الذي انقسم إلى عدة مكاتب، حتى يسهل عملية الوصول إلى المعلومة وتسهيل حركة الإعلاميين.

وأوضح أن مكتب العلاقات انقسم إلى مكتب العلاقات الصحفية الذي يهتم بشؤون الصحفيين عمومًا، إضافة إلى مكتب العلاقات الحكومية، الذي يهتم بالربط بين الصحفي والوزارات والمؤسسات العامة، ومكتب العلاقات الخارجية الذي يهتم بآليات عمل وسهولة وصول القنوات الغربية والعربية التي تأتي من خارج سوريا، بحسب ما قاله عضو المكتب التنفيذي.

ولدى “اتحاد الصحفيين السوريين”، بحسب عثمان، منهجية لتسهيل وصول المعلومات للصحفيين، من خلال القنوات الساخنة التي افتتحها الاتحاد مع كل الوزارات والمؤسسات العامة وحتى النقابات في سوريا، ليكون اتحاد الصحفيين “حلقة وصل” في حال حدوث أي تأخر أو لبس أو مشكلة لدى الصحفي في الوصول إلى المعلومة أو إلى مصدر المعلومة.

وأضاف براء عثمان، “هناك إجراء نستطيع القول إننا أنجزنا من 60 إلى 70% منه، وهو إعداد قاعدة بيانات للصحفيين العاملين في سوريا، تمهيدًا لإطلاق البطاقة الصحفية الخاصة بالاتحاد التي سيكون لها دور كبير في تسهيل عمل الصحفيين على الأراضي السورية”.

مراسل عنب بلدي في ريف حلب يصور آثار الدمار إثر زلزال ضرب جنوبي تركيا وأربع محافظات سورية - 4 من آذار 2023 (عنب بلدي)

مراسل عنب بلدي في ريف حلب يصور آثار الدمار إثر زلزال ضرب جنوبي تركيا وأربع محافظات سورية – 4 من آذار 2023 (عنب بلدي)

“الإعلام” و”المكاتب الصحفية”..

استقلالية واجبة تعزز المهنية

تداخل عمل المكاتب الصحفية في مختلف الوزارات والجهات العامة يفرض الحاجة إلى توضيح العلاقة بين هذه المكاتب ووزارة الإعلام، التي غالبًا ما تحال الاستفسارات “الحساسة” إليها لتظل أسئلة الصحفيين معلقة لديها دون جواب.

لفهم طبيعة العلاقة التي يفترض أن تكون موجودة بين وزارة الإعلام والمكاتب الصحفية للجهات المتعددة قالت رئيسة “رابطة الصحفيين السوريين”، مزن مرشد، التي تتابع عن كثب تطورات المشهد الإعلامي في سوريا، إن العلاقة بين المكاتب الصحفية في الوزارات ووزارة الإعلام يجب أن تُبنى على قاعدة من التنسيق والتكامل لا التبعية، فالمكاتب الصحفية هي حلقة الوصل بين المؤسسات الرسمية والرأي العام، ويجب أن تتمتع بهامش كافٍ من الاستقلالية المهنية لتأدية دورها بفعالية وشفافية.

 

من المفترض أن تكون العلاقة بين المكاتب الصحفية ووزارة الإعلام تنسيقية وإشرافية من الناحية التقنية والمهنية بحيث تضع الوزارة معايير موحدة للعمل الإعلامي (أخلاقية، مهنية، وأسلوب التعامل مع الإعلام)، دون أن تتدخل في مضمون الرسائل أو تحوّل المكاتب إلى أذرع رقابية.

مزن مرشد

رئيسة “رابطة الصحفيين السوريين”

 

أما إدارة هذه المكاتب، فمن الأفضل أن تُدار من قبل الوزارات نفسها، وفق ما قالته مزن مرشد، لعنب بلدي، لأنها الأدرى بتفاصيل عملها ومخرجاتها، على أن تُلزم بتقارير دورية أو تدريب مشترك مع وزارة الإعلام لضمان توحيد الخطاب المؤسسي العام.

أما إدارة وزارة الإعلام المباشرة لجميع المكاتب فقد تؤدي إلى مركزية مفرطة تُضعف الاستجابة السريعة وتُهمّش خصوصية كل وزارة، وسيكون هناك خطر على الاستقلالية والشفافية، وسيجعلها ذلك نسخة مشوهة لما كانت عليه المكاتب الصحفية في الوزارات والمؤسسات في عهد النظام البائد، ما يعزز الخطاب الأحادي ويضعف ثقة الجمهور، وفق رئيسة الرابطة.

بينما تضمن إدارة المكاتب من داخل الوزارات مع تنسيق استراتيجي مع وزارة الإعلام توازنًا بين التخصص، والرسالة العامة للدولة، والمهنية الصحفية.

مراسل عنب بلدي خلال تغطية صحفية في معامل الدفاع ومبنى البحوث العلمية قرب مدينة السفيرة بريف حلب الشرقي - 3 كانون الثاني 2025 (عنب بلدي)

مراسل عنب بلدي خلال تغطية صحفية في معامل الدفاع ومبنى البحوث العلمية قرب مدينة السفيرة بريف حلب الشرقي – 3 كانون الثاني 2025 (عنب بلدي)

هيكلية تتحكم بالخطاب الإعلامي

الأستاذ المساعد في الإعلام بجامعة “بروكسل الحرة” (VUB) في بلجيكا، يزن بدران، قال لعنب بلدي، إن التقاليد في هذا الملف تختلف بحسب البلدان، مثلًا في النموذج الأوروبي تعد وزارة الإعلام وزارة مثل كل الوزارات لديها صلاحيات بنطاق معيّن مثل الإشراف على النظام الإعلامي، والمؤسسات الإعلامية العامة الرسمية.

في معظم النماذج، تكون للوزارات والهيئات العامة مكاتبها الصحفية الخاصة، فيما لا يتضح تمامًا النموذج السوري في هذا الإطار.

واعتبر بدران أن هناك ضبابية في المهام والمسؤوليات، إلا أن النموذج الذي ورثته البلاد هو أن تمتلك وزارة الإعلام، مثلها مثل كل الوزارات الأخرى، مكتبًا صحفيًا مسؤولًا عن التواصل مع الصحفيين والإعلاميين، بما يتعلق بمهام وزارة الإعلام والتشريعات الإعلامية.

لكن لا يفترض أن يتحول هذا المكتب إلى المتحدث الرسمي عن الدولة بكل الوزارات الثانية، على العكس يفترض أن تمتلك الوزارات الأخرى مكاتب صحفية تجيب عن الاستفسارات، وتصدر إصدارات صحفية تتعلق بنشاط هذه الوزارات، دون إشراف من وزارة الإعلام على الوزارات المختلفة.

لا تستطيع وزارة الإعلام أن تكون مطلعة على تفاصيل عمل الوزارات والهيئات المختلفة في سوريا، وفق ما قاله يزن بدران، مضيفًا أن ما يجري حاليًا في سوريا أن هذه المكاتب موجودة للتحكم بالخطاب الإعلامي.

 

في الحالة الطبيعية، تحاول المكاتب الصحفية لدى المؤسسات المختلفة الوصول إلى الصحفيين للتنسيق حول نشر أخبار وخطط تتعلق بهذه المؤسسات، إلا أن ما يجري في سوريا هو حصر المعلومات لضمان عدم تسريب ما لا يحبذ نشره، وبالتالي عدم الإجابة على الاستفسارات العديدة، يدخل الصحفيين في دوامة البيروقراطية من مكتب صحفي إلى آخر يتبع لوزارة الإعلام.

يزن بدران

أستاذ مساعد في كلية الإعلام بجامعة “بروكسل الحرة”

 

يرى بدران أن هذا جزء من ضبابية الهيكلية للحكومة السورية الجديدة، مؤكدًا أن المكتب الصحفي للوزارات هو المصدر الرئيس للمعلومة الرسمية، لكنه ليس الوحيد، إذ يمتلك الصحفيين حق ملاحقة المعلومة بأي مكان.

لكن الأمر الأكثر أهمية هو حالة تهديد الصحفيين الذين لا يراجعون المكتب الصحفي في وزارة الإعلام، بحسب ما أشير لهم، لأنه بدوره لا يخدمهم ويقدم لهم ما يفيدهم، بعدم التعاون معهم في مرات لاحقة، وهو أمر خاطئ جدًا، لأن عمل المكتب الصحفي تسهيل عمل الصحفيين وليس إغلاق الطرق بوجوههم ودفعهم نحو طرق أخرى للحصول على المعلومات.

توصيات صحفية

في تقريرها الأول للحريات الصحفية في سوريا، الصادر في 3 من أيار الحالي، طرحت”رابطة الصحفيين السوريين” عدة توصيات للحكومة السورية بما يتعلق بحرية العمل الصحفي في سوريا بعد سقوط النظام ومنها:

  •  إلغاء القوانين والتشريعات التي شرعنت القمع الإعلامي، بما يضمن عدم تكرار هذه الانتهاكات في المستقبل.
  • مراجعة شاملة للقوانين المتعلقة بحرية الصحافة والتعبير والحق في الحصول على المعلومات، بما يضمن تعزيز استقلالية الإعلام وحماية الصحفيين، مع مواءمة التشريعات مع المعايير الدولية.
  • الإفراج الفوري عن جميع الصحفيين المعتقلين، والكشف عن مصير الصحفيين المختفين قسرًا، مع توفير تعويضات عادلة لهم ولعائلاتهم، تضمن تحقيق العدالة وتعويض الأضرار التي لحقت بهم.
  • إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية والأجسام النقابية الصحفية التي كانت تحت سيطرة النظام السابق، وتحويلها إلى مؤسسات مستقلة تعمل لخدمة المصلحة العامة.
  • وضع آليات رقابة فعّالة لمنع استخدام الإعلام كأداة للقمع أو التضليل، وضمان استقلاليته في أداء رسالته، والسماح للإعلاميين بحرية تشكيل النقابات مع ضمان استقلاليتها والمساواة في الدعم والتمكين.
  • إطلاق برامج تدريبية متخصصة حول آليات التوثيق وحقوق الصحفيين، ونشر التوعية القانونية للصحفيين والمدافعين عن حرية التعبير.
  • تعزيز ثقافة المساءلة من خلال الإعلام المستقل والمراقب، وذلك لضمان بناء بيئة صحفية أكثر نزاهة وشفافية.

مقالات متعلقة