أشخاص يفرون من العنف في غرب دارفور ويعبرون الحدود إلى أدري في تشاد - 4 آب 2023 (رويترز)
سوريون عالقون في السودان يطالبون بآلية إجلاء
محمد ديب بظت
يصف آلاف السوريين المقيمين في السودان أوضاعهم الحالية بـ”الصعبة”، مع استمرار الاشتباكات وتصاعد حدة النزاع في عدة مناطق، ووجهوا مناشدات للجهات المعنية، مطالبين بتأمين ممرات آمنة أو إيجاد آلية تمكنهم من مغادرة البلاد.
وقال سوريون مقيمون في السودان لعنب بلدي، إنهم يواجهون “أقسى أنواع الحياة”، وسط نقص حاد في الغذاء والدواء مع تفشي الأمراض، واضطرار العديد منهم للإقامة في خيام أو مساكن مؤقتة بعد نزوحهم من مناطق الاشتباكات، وخاصة في العاصمة الخرطوم.
وتحدث بعض المتضررين عن غرامات مالية تراكمت عليهم بسبب تجاوز فترات الإقامة، وصلت في بعض الحالات إلى أكثر من 4000 دولار أمريكي، بينما لا يستطيع كثيرون تجديد جوازاتهم، بسبب فقدانها في السفارة السورية بالخرطوم قبل إغلاقها، أو بمكتب شؤون الأجانب المعني بتجديد الإقامات.
ورغم توجيه الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، بتشكيل فريق لمتابعة أوضاع السوريين في السودان، لم يتم إرساله حتى لحظة إعداد هذا التقرير، بحسب المصادر التي تحدثت إلى عنب بلدي.
تواصلت عنب بلدي مع مكتب العلاقات العامة في الحكومة السورية لمعرفة الخطوات التي أجرتها وزارة الخارجية في مسألة السوريين العالقين في السودان، لكنها لم تتلقّ ردًا حتى لحظة نشر هذا التقرير.
وطالب السوريون في السودان الحكومة السورية الحالية بوضع آلية واضحة للإجلاء، تكون ممولة من الدولة، خاصة في ظل العجز المادي الذي يعاني منه معظم العالقين، وأعربوا عن خشيتهم من تكرار سيناريو الإجلاء الذي تم في عهد النظام السابق، حين اضطر كل شخص لتأمين تكاليف عودته بنفسه، والتي بلغت آنذاك نحو 350 دولارًا أمريكيًا للتذكرة الواحدة.
وأشار بعضهم إلى أن الأوضاع الحالية لا تحتمل مزيدًا من التأخير، داعين الجهات المعنية للتحرك العاجل قبل أن تزداد الكارثة الإنسانية تعقيدًا.
غرامات وظروف “مأساوية”
“أبو همام”، شاب سوري مقيم في مدينة بورتسودان، قال لعنب بلدي، إنه وبعد جهود كبيرة بذلتها عائلته، تمكن من تجديد جواز سفره وإرساله إليه، على أمل مغادرة السودان، إلا أن السلطات السودانية منعته من السفر، مطالبة إياه بدفع غرامات وضرائب بلغت 4000 دولار أمريكي.
يقول الشاب، “من أين لي أن أؤمن هذا المبلغ؟ لقد خسرت كل ما أملك”، واصفًا هذا الإجراء بأنه غير مقبول في ظل الظروف المأساوية التي يعيشها الأجانب عامة، والسوريون على وجه الخصوص.
وتساءل عن الحلول المتاحة، “ما الذي يمكننا فعله من أجل العودة إلى سوريا؟ هل يمكن لذوي العالقين أن ينظموا وقفة احتجاجية أمام وزارة الخارجية للمطالبة بعودة أبنائهم؟”.
وبعد انتشار خبر عن نية الحكومة السورية إرسال وفد إلى السودان، سارع أبناء الجالية السورية إلى إنشاء مجموعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وجمعوا فيها أسماءهم وأرقام هواتفهم، أملًا بالتواصل مع الوفد، لكن، لم يصل أي وفد، وهو ما زاد من شعور الناس بالحيرة واليأس، واصفًا تلك الوعود بأنها “إبرة تخدير”.
“الناس أرهقها التعب، لم تعد تجد ما تأكله”، يقول أبو همام، مضيفًا أن الغالبية فقدت جوازات سفرها، إما بسبب الأوضاع الأمنية أو لكونها بقيت في السفارة أو منتهية الصلاحية، الأمر الذي فاقم من صعوبة الحركة والسفر وتراكم الغرامات.
وأشار إلى أن المخيمات التي تؤوي لاجئين سوريين وسودانيين تعاني من نقص حاد في المساعدات حتى في “لقمة” الأكل، كما أن فرص العمل شبه معدومة.
أربعة مطالب
في 20 من أيار الحالي، اجتمع وفد الجالية السورية في السودان مع السفير والقنصل السوداني بدمشق، وتمثلت مطالب الجالية السورية بأربعة بنود نقلها أحد الحاضرين لعنب بلدي، وهي:
- إصدار تأشيرات السفر “الفيزا” من قبل السفارة السودانية بدمشق بشكل عاجل لمن يملك أي مستند يثبت وجوده في السودان قبل 15 نيسان 2023.
- مخاطبة وزارة الداخلية في السودان والجهات المختصة لإعفاء الموجودين في السودان قبل (15 من نيسان 2023) من أي غرامات أو رسوم للمغادرة، وإجراء كل التسهيلات لهم لعودتهم لوطنهم.
- تمديد الجواز السوداني (للمجنسين) بشكل عاجل من السفارة السودانية استثناء لهم لإمكانية مساعدتهم في توفيق أوضاعهم في السودان من أملاك مسجلة بموجبه أو سجلات وشركات ومصانع أو إقامات في دول أخرى، وغيرها من أمور ارتبطت بهذا الجواز خلال الفترة السابقة للحرب في السودان.
- إصدار توصيات لاستصدار قرارات تساعد على إعادة العلاقات التجارية بين البلدين كما كانت، ورفع مستوى التبادل التجاري، كمعاملة المواطنين بالبلدين بالمثل والإعفاءات الجمركية وتسهيل زيارات الوفود الحكومية من البلدين.
وقال وفد الجالية إنه يسعى بدوره بجهود لتعزيز هذه المبادرات والإجراءات مع الوزارات الحكومية السورية المعنية.
في المقابل، كان رد السفير السوداني على المطالب، بأنه وعد بمخاطبة الجهات المختصة في السودان لتنفيذها، قائلًا إن السفارة تسعى لتشغيل الناقل الجوي المباشر بين دمشق وبورتسودان، مع الاتفاق على تشكيل لجنة متابعة وتواصل بين السفارة والجالية.
حرب السودان وتبعاتها على السوريين
في عام 2023، عندما اندلعت المواجهات في السودان بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” المدعومة من الإمارات، شرعت الدول بإجلاء مواطنيها من البلاد، بينما بقي السوريون عالقين في مناطق النزاع، وسط غياب التدخل الفعال من حكومة النظام السابق.
وأجلت وزارة الخارجية السورية في حكومة النظام المخلوع عددًا من السوريين عبر وسطاء، لكن هذا التدخل بقي خجولًا أمام الأعداد الكبيرة للسوريين في السودان، التي تقدر بنحو 100 ألف وفق الأرقام الرسمية.
وتشير الأرقام الحكومية السودانية إلى وجود نحو 100 ألف سوري في البلاد، لكن العدد يُقدّر بأكثر من ذلك.
وفي الإجلاء السابق الذي تم في عهد النظام السوري السابق، اضطر السوريون لتأمين تكلفة خروجهم بأنفسهم، والتي بلغت حينها نحو 350 دولارًا أمريكيًا للتذكرة الواحدة، دون أي دعم حكومي مباشر سوى رحلتين مجانيتين قدمتهما شركة طيران “أجنحة الشام” آنذاك.
ومع ذلك، لم يتمكن جميع السوريين من المغادرة، فالكثير ممن تبقى إما لم يكن يملك ثمن التذكرة، أو غادر إلى دولة ثالثة بحثًا عن ممر آمن، أو بقي مضطرًا بسبب وجود طلبات أمنية بحقه داخل سوريا، كونه معارض سياسي لنظام بشار الأسد، وهؤلاء ذاتهم يشكلون اليوم الشريحة الأكثر هشاشة بين الجالية السورية في السودان، ويواجهون خطرًا مضاعفًا في ظل غياب الحماية وفقدان الوثائق وانعدام البدائل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :