
المنطقة الصناعية في حي الكلاسة بمدينة حلب - أيار 2025 (عنب بلدي)
المنطقة الصناعية في حي الكلاسة بمدينة حلب - أيار 2025 (عنب بلدي)
حلب – محمد ديب بظت
تعاني المناطق الصناعية داخل مدينة حلب من جملة صعوبات تمتد منذ زمن النظام السابق، أبرزها “العرقوب” و”الكلاسة”، حيث تضمان مئات الورشات والمصانع الصغيرة والمتوسطة.
في منطقة “العرقوب”، يشتكي صناعيون من ضعف وصول التيار الكهربائي، ومن تكدس النفايات الصناعية والمنزلية لأيام دون ترحيل، ما يتسبب بزيادة خطر الحرائق، خاصة في فصل الصيف.
وتبرز مشكلة ضعف الأمان في هذه المناطق، إذ تعرض عدد من الصناعيين لسرقات متكررة، في ظل غياب دوريات منتظمة أو كاميرات مراقبة فعالة.
ويرى بعض الصناعيين أن السبب في تدهور أوضاع هذه المناطق يعود إلى أنها “خارج خريطة الاهتمام” مقارنة بـ”الشيخ نجار”، التي تعتبر منطقة نموذجية وتحظى بدعم حكومي وخدمي أفضل.
في حديث إلى عنب بلدي، وصف رئيس لجنة “العرقوب” الصناعية، تيسير دركلت، الواقع الخدمي في هذه المناطق بأنه “لا يرقى إلى مستوى مكانتها ولا احتياجاتها”، معتبرًا أن المشكلة الأعمق هي الكهرباء، قائلًا، “لا صناعة دون كهرباء”.
وقال دركلت، إن التغذية الكهربائية لا تتجاوز 8 ساعات يوميًا، ورغم إضافة ساعتين جديدتين مؤخرًا، فإن ذلك لا يغطي الحد الأدنى المطلوب لتشغيل بعض الورشات التي تحتاج إلى 16 ساعة عمل.
أضاف دركلت أن “تغذية 8 أو 10 ساعات هي دمار حقيقي للمناطق الصناعية”، ما يدفع أصحاب الورشات إلى تشغيل مولدات خاصة لمدة لا تقل عن 4 ساعات يوميًا، ما يؤدي إلى رفع التكاليف التشغيلية وتهديد استمرارية الإنتاج.
وأشار إلى أن كمية الكهرباء الموردة إلى مدينة حلب غير كافية أصلًا، مقارنة مع دمشق التي “تأخذ ثلاثة أضعاف ما تأخذه حلب”، ومدينة حماة التي تحصل على كمية مماثلة رغم قلة منشآتها.
واعتبر أن سوء التوزيع الكهربائي هو أزمة قديمة، تعود إلى زمن النظام السوري السابق، حيث كانت حلب تعامل كمركز ثانوي اقتصاديًا، ما ترك أثرًا عميقًا في بنية الصناعة المحلية.
وأضاف أن مؤسسة الكهرباء تتحمل جزءًا من المسؤولية، لكنها “ليست الطرف الوحيد”، موضحًا في الوقت ذاته أن المؤسسة “أيضًا على حق”، إذ إن الكمية المخصصة لمدينة حلب من التيار الكهربائي قليلة جدًا أصلًا، ولا تغطي لا احتياجات السكان ولا المنشآت الصناعية.
وأشار إلى أن محطة التوليد الحرارية لم تعد مخصصة لحلب فقط بعد ربطها بالشبكة العامة، وبالتالي الكهرباء التي تنتج فيها لا تضمن تلقائيًا تحسين تغذية المدينة.
لا تقف المشكلات عند الكهرباء فقط، بل تمتد إلى ضعف خدمات الإنترنت وتردّي الشوارع الداخلية وتراكم مخلفات الورشات، إذ وصف دركلت هذه القضايا بأنها مشكلات مزمنة تحتاج إلى خطة شاملة لإعادة تأهيل المناطق الصناعية.
ونوه إلى عدم وضوح القوانين المتعلقة بالصناعة بعد التحرير، إذ يعمل الصناعيون حتى الوقت الحالي على القوانين القديمة، التي وصفها بـ”المجحفة” بحق الصناعة والصناعيين، مطالبًا بإعادة صياغتها بما يتلاءم مع حجم التحديات.
وقال دركلت، إن عدد العاملين في منطقة “العرقوب” وحدها يبلغ نحو 8000 عامل، يتقاضون رواتب تتراوح بين 150 و200 دولار أمريكي شهريًا.
ورغم اعتباره أن هذه الأجور “مقبولة نسبيًا”، فإنها تبقى “غير كافية 100%”، في ظل التضخم وغلاء المعيشة.
وأشار إلى مشكلة النقل الجماعي، موضحًا أن “العمال يضطرون للتنقل فرادى بسبب غياب وسائط نقل محترمة ومنتظمة”، ما يخلق ضغطًا إضافيًا على أرباب العمل ويؤثر على استقرار العمالة.
وعن الواقع الأمني، أوضح دركلت أن المناطق الصناعية شهدت فجوة أمنية بعد التحرير، ترافقت مع حوادث سرقة وتعديات، ما اضطر الصناعيين إلى تأمين الحماية الذاتية عبر حرس خاص بتمويلهم الشخصي.
وقال إن هذا الأمر “أرهق كاهل الصناعيين”، إذ يفترض أن يكون جزءًا من مسؤوليات الدولة أو المجالس المحلية.
وختم دركلت حديثه بالإشارة إلى أن جميع هذه المشكلات موثقة ومرفوعة إلى الجهات الحكومية، عبر كتب رسمية، كما اعتبر أن الورشات الحوارية أو الاجتماعات الرسمية ليست غاية بحد ذاتها، “فالمطلوب أن تصل أصوات الصناعيين فعلًا، لا أن يكتفى بالحضور الشكلي”.
من جهته، أشار رئيس لجنة “الكلاسة” الصناعية، محمد قزموز، إلى مشكلة الكهرباء باعتبارها أبرز العوائق التي تواجه القطاع الصناعي في المنطقة.
وقال لعنب بلدي، إن التغذية الكهربائية كانت سابقًا لمدة تسع ساعات يوميًا، إلا أنها ارتفعت إلى عشر ساعات بعد سلسلة اجتماعات ولقاء مع المحافظ، مع وعود بزيادة ساعتين إضافيتين خلال الأسبوع المقبل.
وأكد قزموز أن 12 ساعة من التغذية الكهربائية لا تلبّي احتياجات المنشآت الصناعية، خاصة عند المقارنة بمناطق صناعية أخرى مثل الليرمون والشيخ نجار والشيخ سعيد، التي تحصل على الكهرباء على مدار 24 ساعة.
واعتبر أن هذا التفاوت خلق نوعًا من المنافسة غير المتكافئة، إذ ترتفع تكلفة الإنتاج في “الكلاسة” نتيجة الاعتماد الجزئي على الكهرباء، والجزئي الآخر على المولدات أو “الأمبيرات”، الأمر الذي يدفع العديد من الصناعيين للنزوح إلى المناطق التي تتوفر فيها الكهرباء بشكل دائم لتقليل تكاليف المحروقات.
أما فيما يخص ترحيل الأنقاض، فأشار قزموز إلى أن الوضع جيد نسبيًا، إلا أن هناك مشكلة مع مناشر الحجر، حيث تحولت حديقتان كبيرتان في المنطقة الصناعية إلى مكبّات لنفايات تلك المناشر، بالإضافة إلى إشغال الأرصفة، وجرى رفع كتاب إلى مكتب المحافظ بخصوص هذه القضايا، مع وعود بمعالجتها.
وعن الوضع الأمني، أشار إلى أن هنالك تحسنًا ملحوظًا، موضحًا أن مجموعة للحراسة شُكلت بالتنسيق مع جهاز الأمن العام وقسم شرطة الكلاسة، وبدعم من قسم الحراسات التابع لغرفة الصناعة.
وتقوم هذه المجموعة بدوريات راجلة من السابعة مساء حتى السابعة صباحًا، وهي مستمرة منذ نحو ثلاثة أشهر، ما أحدث فرقًا واضحًا في مستوى الأمان.
مع ذلك، شدّد قزموز على ضرورة توفير مصادر طاقة بديلة لإنارة الشوارع، إذ تعاني المنطقة من ظلام دامس ليلًا، ما يعرقل عمل الصناعيين الذين يعملون في ساعات المساء، وجرى توجيه كل منشأة لتركيب إنارة خاصة بها لتأمين الحد الأدنى من الرؤية.
وبين عام 2017 وحتى سقوط نظام بشار الأسد، شكل حضور “الفرقة الرابعة” عبئًا على الصناعيين، إذ فرضت الحواجز التابعة لها إتاوات على حركة البضائع، وامتنعت عن السماح بدخول المواد الأولية أو خروج المنتجات دون دفع مبالغ مالية، الأمر الذي قاد إلى إغلاق عشرات الورشات.
في تلك الفترة، لم تكن مطالب أصحاب الورشات تتعلق بالكهرباء أو تراكم النفايات فقط، بل تمحورت حول مطلب مركزي هو “كف يد الأجهزة العسكرية عن القطاع الصناعي”، وخصوصًا “الفرقة الرابعة” التي تحولت في نظر كثيرين إلى سلطة غير رسمية تبتز من تبقى في دورة الإنتاج.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى