زياد الرحباني والدمغة.. والسلام الإبراهيمي
خطيب بدلة
بهدوئه المعتاد، ونبرته الساخرة، يحكي زياد الرحباني، في إحدى مقابلاته التلفزيونية، عن الإشاعات التي أُطلقت عليه خلال مسيرته الفنية، والتصقت به كما لو أنها دمغة، وكيف أنه حاول التخلص منها، عشرات المرات، دون جدوى.
مثلًا، استقر في أذهان الناس أن زياد لا يلحن، ولا يتحدث في مقابلة، إلا إذا كان محششًا، مع أنه لا يتعاطى الحشيش أصلًا، واتهموه، كذلك، بأنه مؤلف أغنية “دورها دور واعطيني شحطة”، ووضعوا اسمه وصورته على بعض نسخ الأغنية في “يوتيوب”، مع أن الأغنية ليست له، بل لرينيه بندلي، والد الفنانة دورا بندلي، وقالوا، كذلك، إنه نسوانجي، مع أنه يعيش دون امرأة، منذ أن انفصل عن زوجته الأولى.
تعرضت، أنا محسوبكم، لمثل هذا النوع من سوء التفاهم العجيب، لسبب قد يكون مختلفًا عن الأسباب الخاصة بالفنان زياد، وهو أن نسبة لا يستهان بها من الأشخاص الذين يعيشون على واردات الأذنين، يريدون مني ألا أقول رأيي، بل رأيَهم، وأن أسمعهم ما يريدون سماعه.. والحقيقة أنني لا أستطيع ذلك، لأنني لا أعرف ما يريدون على وجه التحديد، ثم إن رأيهم يتغير باستمرار، ما يعني أنني لا أقدر على مجاراتهم في تقلباتهم.
قد يظن من يقرأ هذه السطور أنني أتناول، هنا، شؤونًا شخصية، مع أن ما أرويه لكم يدخل في صميم الشأن العام، ولعل الإخوة قراء صحيفة “عنب بلدي”، يذكرون أنني تعرضت، في شهر آب 2024، لحملة شرسة على وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب زاويتي التي تحمل عنوان “لماذا لا نصالح إسرائيل؟”.. وقد اضطررت، من شدة الهجوم علي، أن أنشر تنويهًا، أوضحت فيه أنني لم أقصد التنازل، أو التخاذل، أو التساهل، أو الانبطاح، وما أردت قوله، تحديدًا، هو أن الخيار العسكري، في مواجهة إسرائيل، قد ثبت فشله، والحري بحكوماتنا، وشعوبنا، أن يبحثوا عن خيارات أخرى.
التغيرات التي تحصل في أمزجة الشعوب، تحتاج إلى عقود من الزمن، فالحملات على الرئيس التونسي الأسبق، الحبيب بورقيبة، بسبب تصريحاته الخاصة بالصراع العربي- الإسرائيلي، استمرت من أوائل السبعينيات، حتى أوائل التسعينيات، أي عندما قبل حافظ الأسد بمبدأ التفاوض، ثم باشرت الأنظمة العربية تتبنى، تباعًا، خيار السلام مع إسرائيل، ولكن الطريف في الأمر، أن “التكويعة” الأخيرة لم تستغرق سوى أربعة أشهر، بين نشر مقالتي ووصول “هيئة تحرير الشام إلى السلطة”، ووقتها بدأت التصريحات المهادنة لإسرائيل، الداعية للسلام معها، تنطلق من هنا، وهناك، على مستوى رئيس السلطة، ووزير الخارجية، ووزير الدفاع، وسرعان ما طفت، على سطح الأحداث، أقوال وتصريحات، تؤيد دخول سوريا فيما يُعرف باسم “اتفاقيات السلام الإبراهيمي”، وأصبح الشغل الشاغل للسلطة الحالية إسكات الأصوات الجهادية التي تدعو لتحرير القدس، والصلاة في المسجد الأقصى.
يمكننا، هنا، أن نجري تجربة، تساعدنا على صنع مفارقة كوميدية مدهشة، وهي أن ألتف، أنا محسوبكم، على رأيي السابق، وألوم السلطة الحالية على استبسالها في سبيل إرضاء أمريكا وإسرائيل، فتنطلق حملة جديدة علي، قوامها اتهامي بأنني من أعداء السلام، والأمن، والاستقرار!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :