تعدد العملات يرهق الأهالي في حلب - نيسان 2025 (عنب بلدي/ محمد مصطو)
تصريف أقل من السوق وأوراق مزورة
تقلبات التعامل بالعملات الأجنبية ترهق الحلبيين
حلب – محمد ديب بظت
مع سقوط نظام حكم بشار الأسد، في 8 من كانون الأول 2024، جُمدت المراسيم التي أصدرها الرئيس المخلوع الخاصة بالتعامل بغير الليرة السورية، إذ تحرر التعامل بالعملات الأجنبية، خاصة الدولار الأمريكي والليرة التركية، وأصبح تداولها في الأسواق أمرًا معتادًا لا يحاسب عليه أحد.
لكن هذه “الحرية المالية” لم تكن دون أثمان، إذ ظهرت تحديات جديدة أربكت السوق وأثرت على المستهلكين والباعة، سواء بوجود عملات مزوّرة أو تذبذب وانخفاض أسعار التصريف.
في محيط قلعة حلب، المنطقة التي استقطبت مجددًا الحركة التجارية والسياحية، بات مشهد الدفع بالدولار أو الليرة التركية شائعًا، حتى في المقاهي الصغيرة.
“تزوير وتفاوت بالتصريف”
قال عصام، مدير أحد المقاهي بالقرب من القلعة، لعنب بلدي، إن عددًا “كبيرًا” من الزبائن، خصوصًا من المقيمين في الخارج، لم يعودوا يحملون الليرة السورية عند قدومهم، بل يفضلون الدفع بالدولار الأمريكي مباشرة.
“نتعامل معهم ونصرف الدولار بسعر أقل من السوق، لأننا لسنا مكتب صرافة رسميًا، وأسعار الدولار متقلبة باستمرار، لذا نحدد السعر الذي يناسبنا، وغالبًا لا يسبب ضررًا كبيرًا للزبون”، بحسب قوله.
وأوضح أن السعر الذي يعتمده المقهى غالبًا ما يكون أقل من سعر السوق بنحو 500 ليرة سورية، مؤكدًا “لا نلزم الزبون بالتصريف لدينا، ويمكنه تبديل العملة خارجيًا بالسعر الذي يراه مناسبًا”، إذ إن التفاوت في أسعار الصرف لا يقتصر فقط على داخل المدينة بل بين السوق الرسمية والموازية.
وفي سياق متصل، يتحدث مصطفى، وهو صاحب مقهى آخر في حلب، عن انتشار حالات تزوير الدولار، لا سيما من الفئات الكبيرة مثل ورقتي 50 و100 دولار، مشيرًا إلى أن “كثيرًا من الناس لا يملكون الخبرة الكافية للتأكد من صحة العملة، ما يجعلهم عرضة للنصب”.
فيما يشتكي أحد رواد المقاهي، وهو مقيم بمدينة اعزاز، من أن أصحاب المحال في حلب “يتعاملون وفق أهوائهم، ويضعون سعر صرف أعلى من الأسعار المتداولة في مناطقنا، والفرق يتحمله الزبون”، داعيًا إلى تدخل مديريات السياحة والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، لتوحيد نشرة أسعار الصرف في المقاهي والمحال العامة خاصة في حلب القديمة.
هذا التفاوت، بحسب تعبيره، “يخلق حالة من الغبن المالي”، خاصة بالنسبة لذوي الدخل المحدود الذين يتقاضون أجورهم أو حوالاتهم بالدولار، لكنهم يضطرون للإنفاق بعملة “ضعيفة ومهملة”.
من جانبها، قالت راما، خريجة كلية الاقتصاد من جامعة “حلب”، لعنب بلدي، إن غياب سلطة نقدية موحدة في سوريا “يفتح السوق أمام احتمالات غير محسوبة”، معتبرة أن الاعتماد المتزايد على العملات الأجنبية يستدعي وجود جهة رقابية مالية تضبط عمليات الصرف، وتحد من عمليات التزوير والتلاعب بسعر الدولار في السوق المحلية.
“نعناع”
في عهد حكم الأسد، حوّل التضييق على الحوالات وانتشار السماسرة عملية تسلم الأموال من الخارج إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر، في ظل الخوف من المؤسسات الأمنية، واستمرار تقييد التعامل بالعملة الأجنبية.
كان السوريون في مناطق سيطرة النظام السابق يستخدمون أسماء وتوصيفات بديلة عن الدولار، تجنبًا لخطر الاعتقال، ومنها “الأخضر” أو “النعناع” فمجرد حيازته جريمة.
تستذكر هبة ما حصل معها في أوائل كانون الثاني 2024، إذ لم تكن تتوقع أنّ تَسلّمها حوالة مالية بقيمة 1.8 مليون ليرة سورية (نحو 150 دولارًا أمريكيًا)، من أحد مكاتب الصرافة “غير المرخصة” في حي الشيخ مقصود، سيقودها إلى زنزانة مظلمة لساعات طويلة.
خلال عودة هبة (38 عامًا) إلى منزلها، أوقفها حاجز تابع لـ”أمن الدولة” عند مدخل حي الشيخ مقصود، وجرى تفتيشها من قبل العناصر، وصادروا المبلغ بحجة أن “المكتب غير مرخص، وأن الأموال يجب أن تذهب إلى خزينة الدولة”.
وفق حديثها لعنب بلدي، أُجبرت هبة لاحقًا على التنازل عن المبلغ رسميًا، قبل أن يفرج عنها بعد تدخلات ودفع “غرامات غير رسمية (تحت الطاولة)”.
وتعتقد هبة أن الأجهزة الأمنية كانت على تنسيق مسبق مع المكتب “غير المرخص”، الذي يرجح أنه زودهم بمعلومات تتعلق باسمها وتفاصيل الحوالة، مضيفة، “لا يمكن اكتشاف الأمر بهذه الدقة إلا إن كان هناك تواطؤ من المكتب”.
الدولار ممنوع.. “جريمة”
تعامل النظام السوري السابق على مدى سنوات مع استخدام العملات الأجنبية، وخاصة الدولار الأمريكي، بوصفه “جريمة اقتصادية”، وعزز هذا التوجه بسلسلة مراسيم وقرارات متتالية شددت العقوبات على كل من يتعامل بغير الليرة السورية داخل البلاد.
ففي عام 2013، أصدر الأسد المرسوم التشريعي “54” الذي منع بموجبه التعامل بغير الليرة السورية وجرّم التعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للدفع أو التسديد في المعاملات التجارية.
ونص المرسوم على عقوبات مشددة، تشمل الحبس والغرامات المالية ومصادرة الأموال المتداولة، بهدف “حماية العملة الوطنية”، بحسب ما ورد في نص المرسوم.
وفي كانون الثاني 2020، صدر مرسومان تشريعيان شددا الرقابة والعقوبات على التعامل بغير الليرة السورية.
المرسوم رقم “3” عدّل المادة الثانية من المرسوم “54” لعام 2013، وفرض عقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات، وغرامة تعادل مثلي قيمة المبلغ أو الخدمة المتداولة، بحق كل من يستخدم عملات أجنبية أو معادن ثمينة في التداولات المالية داخل البلاد.
أما المرسوم رقم “4” فنص على معاقبة كل من يروّج معلومات كاذبة أو مضللة تؤثر على سعر صرف الليرة أو على الثقة المالية العامة، بالسجن والغرامة التي قد تصل إلى خمسة ملايين ليرة سورية، مع منع إخلاء السبيل خلال مراحل التحقيق والمحاكمة.
وفي كانون الثاني 2024، أصدر الأسد مرسومين جديدين، شددا الرقابة على التعامل بغير الليرة السورية وتشديد العقوبات على مزاولة مهنة الصرافة بغير ترخيص.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :