حرب تل أبيب- طهران.. الصمت يسيطر في دمشق

تبادلت إسرائيل وإيران القصف من سماء سوريا دون موقف رسمي من دمشق - 14 حزيران 2025 (رويترز)

camera iconتبادلت إسرائيل وإيران القصف من سماء سوريا دون موقف رسمي من دمشق - 14 حزيران 2025 (رويترز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – عمر علاء الدين

تنأى سوريا بنفسها عن الصراع بين إسرائيل وإيران، على الرغم من وقوعها في إطار جغرافي يجعل سماءها ساحة للصواريخ والطلعات الجوية، والهجمات المضادة.

وبدأ هذا التصعيد غير المسبوق بهجمات جوية إسرائيلية طالت مراكز قيادية ومنشآت نووية وعددًا من قادة الصف الأول العسكريين في إيران.

وقتل أكثر من 20 قياديًا إيرانيًا، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز”، بينما شاركت نحو 200 طائرة مقاتلة إسرائيلية في الهجوم، وضربت نحو 100 هدف في مناطق متفرقة داخل إيران، بحسب ما قاله المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إيفي ديفرين، في تصريح للصحفيين، في 13 من حزيران الحالي.

كذلك استُخدمت 300 قنبلة في إطار تنفيذ تلك الهجمات، بينما تواصل الطائرات الحربية مهاجمة منشآت في إيران.

في المقابل، أطلق الجيش الإيراني نحو 300 صاروخ، في رشقتين منفصلتين، باتجاه إسرائيل، ردًا على الهجمات إسرائيلية، وصرح مسؤولون إسرائيليون للقناة “13” الإسرائيلية عن دمار غير مسبوق في منطقة تل أبيب الكبرى بسبب سقوط صواريخ إيرانية.

وكانت سماء سوريا ساحة عبور للطيران الإسرائيلي وللصواريخ الإيرانية، كما أسقطت إسرائيل صواريخ فوق سوريا في المحافظات الجنوبية.

ويرى الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، أن هذه الضربات الواسعة التي شنتها إسرائيل ضد قادة الصف الأول في إيران ومواقع عسكرية استراتيجية منها المفاعلات النووية “سيشمل تأثيرها المنطقة ككل، وتداعياتها ستشمل استقرار المنطقة”، خاصة الفضاء “الجيو-عسكري” وفضاء العمليات الذي يشمل سوريا ولبنان والأردن والعراق.

الموقف السوري

تتالت المواقف الدولية بشأن التصعيد في إيران بدءًا من تركيا، إذ قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن إدارة نتنياهو تجر المنطقة والعالم إلى كارثة بـ”أفعالها المتهورة والعدوانية وغير القانونية”، مضيفًا أن هجمات إسرائيل على إيران تمثل استفزازًا واضحًا وتجاهلًا للقانون الدولي.

كما أدانت المملكة العربية السعودية ما أسمته “الاعتداءات الإسرائيلية السافرة” على إيران، معتبرة أن الهجوم الإسرائيلي على إيران يمثل انتهاكًا ومخالفة صريحة للقوانين والأعراف الدولية، وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء السعودية.

وسط هذا بقيت سوريا صامتة إزاء هذا التصعيد، بين طرفين يعدان خصمين للحكومة الجديدة، رغم تصريحات دمشق بالسعي إلى اتفاقيات مع إسرائيل.

وليس من مصلحة الحكومة السورية أن تتسرع في موقف بين هؤلاء الخصوم، وفق ما يرى الباحث وائل علوان، فإيران تعد خصمًا لما كانت تساند به النظام السابق ولموقفها بعد سقوطه، كما أنها لا تزال تكن العداوة للحكومة السورية الجديدة والشعب السوري ولاستقرار سوريا.

وفي المقابل، فإن إسرائيل لا تزال تنظر إلى الحكم الجديد في سوريا على أنه خصم قابل لأن يتم التفاوض معه مستقبلًا، لكن تل أبيب إلى الآن تنفذ توغلات واعتداءات في الأراضي السورية.

وأضاف علوان أنه “لا بد أن يكون هناك موقف يستنكر مباشرة أي شيء يطول الأراضي السورية أو القوات السورية في هذا الاعتداء أو رده”.

في 12 من حزيران الحالي، أدانت الخارجية السورية بشدة التوغل الإسرائيلي في بلدة بيت جن بريف دمشق، واعتبرت الخارجية أن هذه الأعمال الاستفزازية تعرقل جهود تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار، داعية قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (الأندوف) إلى تحمل مسؤوليتها.

وكان الجيش الإسرائيلي أعلن عن اعتقال أفراد ينتمون لـ“حركة المقاومة الإسلامية” (حماس)، قال إنهم “يحاولون الترويج لمخططات إرهابية متعددة ضد مواطني دولة إسرائيل وقوات جيش الدفاع في سوريا، في بلدة بيت جن جنوب غرب العاصمة دمشق”.

الباحث علوان يرى أن جزءًا من هذا الصراع الدائر بين إسرائيل وإيران يمكن أن يمر من فوق سوريا، ويتوقع أن تكون هناك بعض الآثار والتداعيات التي تطولها، وبالتالي يمكن أن يكون هناك “موقف مستنكر لما سيطول سوريا من هذه الهجمات”.

وفي 13 من حزيران، سقطت بقايا مخلفات صواريخ إثر القصف المتبادل بين إسرائيل وإيران في ريف درعا خلال عبورها الأجواء السورية، ورجحت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) أن تكون تلك البقايا من خزان وقود فارغ لطائرة حربية إسرائيلية أو من صاروخ إيراني، ولم تسفر عن أي أضرار مادية أو بشرية، وفقًا لما ذكرته الوكالة.

وذكرت قناة “الإخبارية السورية” الرسمية أن بقايا المخلفات هي صواريخ إيرانية تم إسقاطها في مدينة إنخل وقرب مدينة الصنمين شمال درعا.

لا ناقة لسوريا ولا جمل

يعتقد الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، أن بوصلة سوريا اليوم هي ما يؤثر عليها بشكل مباشر سلبًا أو إيجابًا، لذلك فالحكومة الجديدة ليست معنية بأن تتأثر بتموضعات سوريا السابقة أو التقليدية، وإنما بمصلحة سوريا على المستوى الإقليمي والدولي.

ولذلك فإن الحكومة السورية تتريث، خصوصًا أن الطرفين ليسا بأصدقاء للشعب السوري وكلاهما يتصرف باستفزاز تجاه استقرار سوريا، بحسب علوان.

ويتوقع الباحث أن يكون الموقف السوري “مترقبًا ومستنكرًا” لأي شي يطول استقرار سوريا ضمن هذا الصراع.

إذا لم يكن هناك اعتداء مباشر يطول سوريا، فإن هذه التداعيات لا ناقة لسوريا فيها ولا جمل، بحسب علوان، إلا أنها على المستوى الاستراتيجي، يُتوقع أن تزيد “الصلف الإسرائيلي”، الذي بات يقلق حكومات المنطقة كلها وليس فقط الشعب السوري.

ويتفق مع هذا الطرح المحلل السياسي السوري بسام سليمان، الذي قال لعنب بلدي، إن أفضل موقف من الممكن أن تأخذه سوريا هو الحياد، متسائلًا، ما علاقة سوريا بأن تقف مع إيران ضد إسرائيل، أو العكس؟ معتبرًا أن سوريا تنتهج سياسة “صفر مشاكل”.

ويتوقع المحلل السياسي أن يكون الموقف السوري مستقبلًا استمرارًا لسياسة “النأي بالنفس” وتعزيز التواصل مع ما وصفه بـ”محور البناء والازدهار”، قاصدًا حلفاء سوريا الإقليميين، دول الخليج العربي وتركيا.

وأِشار سليمان إلى أن “محور البناء والازدهار”، الذي تسير به سوريا، يتطلب بطبيعة الحال سياسة “صفر مشاكل”.

مواقف سابقة

خسرت إيران نفوذها في سوريا مع سقوط نظام الأسد، في 8 من كانون الأول 2024، بينما أخذت إسرائيل موقفًا متشنجًا من الحكم الجديد في سوريا، ونفذت عدة توغلات وهجمات صاروخية عديدة طالت مواقع عسكرية سورية، كما احتلت بعض القرى والمناطق المحاذية للحدود.

وبينما تدّعي إيران أن وجودها في سوريا كان “استشاريًا”، تشير الوقائع والدراسات إلى أنها أرسلت عشرات الآلاف من عناصر الميليشيات ومولتهم وأدارتهم، كما استغلت سفارتها في دمشق كمركز لتنسيق العمليات العسكرية ضد الشعب السوري، ما يعزز اتهامات تورطها المباشر في دعم القمع وتأجيج الصراع.

من جانبه ذكر الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في مقابلة له مع صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، أن سوريا كانت “منصة لإيران” تدير من خلالها أربع عواصم عربية، وتسبب تدخلها في حروب وفساد وإغراق المنطقة بالمخدرات.

وأكد الشرع أن إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا حقق استقرارًا أمنيًا، معتبرًا أن المشروع الإيراني تراجع 40 عامًا، وهو ما ذكره في مقابلات صحفية متفرقة.

من جهتها، ترى إيران أن سوريا “محتلة” من إسرائيل وتركيا وأمريكا، في ظل سعي إسرائيلي لتحقيق حلم “من النيل إلى الفرات”، على حد تعبير مساعد وزير الخارجية الإيراني، محمد رضا رؤوف شيباني، في تصريح له قبل أيام.

على الضفة الأخرى، فإن الموقف السوري من إسرائيل هو موقف رافض للتدخلات، وداعٍ للتفاوض وتطبيق اتفاق فض الاشتباك 1974، وهو ما جاء على لسان الرئيس الشرع مرارًا بدعم اتفاقية وقف إطلاق النار لعام 1974 مع إسرائيل، وتلميحه إلى تطبيع العلاقات يومًا ما بين البلدين.

وبعد سقوط النظام، سيطر الجيش الإسرائيلي على المنطقة العازلة منزوعة السلاح التي تبلغ مساحتها 400 كيلومتر مربع (154 ميلًا مربعًا) في مرتفعات الجولان، ونفذ توغلات محدودة في جنوبي سوريا، وشن غارات جوية يقول إنها تهدف إلى منع وقوع الأسلحة في الأيدي الخطأ.

ومع بداية سيطرة السلطات الجديدة على الحكم في دمشق، كانت تل أبيب تعتبرها “حكومة إرهابية”، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أظهر اهتمامه بالتفاوض على اتفاقية أمنية مُحدّثة، والعمل على التوصل إلى اتفاق سلام شامل مع سوريا، وفق ما نقله موقع “أكسيوس” في 11 من حزيران الحالي.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة