
مراجيح غير مؤهلة في إحدى حدائق مدينة حلب - حزيران 2025 (عنب بلدي/ محمد ديب بظت)
مراجيح غير مؤهلة في إحدى حدائق مدينة حلب - حزيران 2025 (عنب بلدي/ محمد ديب بظت)
عنب بلدي – محمد ديب بظت
تشهد الحدائق العامة في مدينة حلب شمالي سوريا ازدحامًا متزايدًا مع دخول فصل الصيف وخلال عطلة نهاية الأسبوع، حيث باتت هذه المساحات الخضراء خيارًا رئيسًا للعائلات التي تبحث عن متنفس رخيص وآمن، لا سيما مع ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة.
ويعزو كثير من الأهالي تفضيلهم الجلوس في الحدائق العامة بدلًا من المقاهي والمطاعم إلى ارتفاع أسعارها، وعدم قدرة أغلبية العائلات على تحمل تكاليف الخروج والترفيه، إذ أصبحت الحدائق خيارًا رئيسًا للتنزه واللقاءات العائلية، حيث توفر مساحة للسكان، خصوصًا الشباب والأطفال، للتجمع والتواصل الاجتماعي، مع غياب بدائل ترفيهية ملائمة تلبي احتياجاتهم.
قالت سميرة (45 عامًا) لعنب بلدي، إنها تزور حديقة “السبيل” بشكل شبه يومي مع أطفالها الثلاثة، مشيرة إلى أن انقطاع الكهرباء والحرارة المرتفعة في المنزل يجعلان الحديقة الملاذ الوحيد لهم للاسترخاء دون تكاليف إضافية.
جابر، شاب يعمل في خدمة توصيل الطلبات، قال لعنب بلدي، إن الحديقة مكان يرتاح فيه بعد ساعات العمل الطويلة، مضيفًا أن ارتفاع أسعار المقاهي يجعل الحديقة الخيار الأنسب للقاء الأصدقاء دون تحمل نفقات زائدة.
وتشهد بعض الحدائق بقاء زوارها حتى ساعات متأخرة من الليل، في ظل غياب البدائل الترفيهية داخل البيوت، ومعاناة كثير من السكان من ضعف خدمات الكهرباء والمياه والإنترنت.
رغم أهمية هذه الحدائق في التخفيف من الضغط الاجتماعي والاقتصادي على السكان، فإنها تعاني من نقص واضح في الخدمات والمرافق الأساسية، أهمها الإضاءة والمياه ودورات المياه، إضافة إلى قلة عمال النظافة.
يضعف هذا النقص من قدرة الأهالي، خصوصًا الأطفال وكبار السن، على الاستفادة الكاملة من هذه المساحات، ما يجعل استمرار استخدامها كمتنفس آمن ورخيص أمرًا صعبًا.
وبحسب رصد عنب بلدي لعدة أحياء، تحتاج حدائق مثل “الرازي” و”سيف الدولة” و”بستان القصر” إلى تأهيل كامل من حيث الأرضيات والمقاعد وألعاب الأطفال، كما تفتقر إلى حملات تشجير حقيقية تعيد لها دورها كمساحات خضراء.
كما تنتشر النفايات في بعض الزوايا مع نهاية كل يوم، ما ينعكس سلبًا على النظافة العامة ويهدد الغطاء النباتي، في ظل غياب الرقابة الفاعلة وتفاعل محدود من الزوار مع حملات التوعية.
وإلى جانب نقص الإضاءة وضعف خدمات النظافة، تعاني العديد من حدائق حلب من تهالك ألعاب الأطفال، مثل “الزلّاقات” (الزحاليق) و”المراجيح”، إذ تظهر عليها علامات الكسر أو الصدأ أو التلف الكامل في بعض الحالات.
وباتت هذه الألعاب، التي من المفترض أن تكون عامل جذب للأطفال، مصدر خطر محتمل بسبب إهمال صيانتها أو استبدالها.
ويتجنب العديد من الأطفال استخدام بعض الألعاب داخل الحدائق، أو يكتفون باللعب بحذر، بسبب حالتها المتردية وغياب أي إشراف بلدي أو لافتات تحذيرية، ما يفقد هذه المساحات جزءًا كبيرًا من دورها كأماكن آمنة ومناسبة للترفيه.
معظم الحدائق والمرافق التابعة للمديرية، بما يشمل الحدائق العامة والمنصّفات والدوارات والأحواض المائية والأحراش، لا تزال بحاجة إلى تأهيل واسع نتيجة الدمار الذي طالها خلال السنوات الماضية، بحسب ما أوضحه مدير مديرية الحدائق في حلب، عبد الرزاق الصالح الحجّي.
وأشار الحجّي، لعنب بلدي، إلى أن الحديقة العامة وحديقة “السبيل”، وسط المدينة، تُعدان من الحدائق “الأفضل حالًا”، إلا أنهما مؤهلتان بنسبة لا تتجاوز 50%، وتحتاجان إلى ترميم إضافي، خصوصًا في الأحواض المائية.
وحول أبرز التحديات، ذكر الحجّي أن المديرية تعاني من قلّة اليد العاملة، وضعف الآليات، وعدم توفر صهاريج مياه أو آليات مساعدة، مشيرًا إلى أن أغلب الحدائق، بما فيها “العامة” و”السبيل”، بحاجة إلى تأهيل وترميم شامل.
وبحسب الحجّي، يعمل في المديرية حاليًا 195 عاملًا، يشملون الإداريين والحراس والفنيين والسائقين وعمال النظافة، وهي أعداد لا تكفي لتغطية المدينة، خاصة مع غياب الميزانيات اللازمة لإجراء أعمال الصيانة الدورية.
وأضاف أن أغلبية عمليات الصيانة تُنفذ عبر منظمات داعمة أو حملات تطوعية.
أشار مدير الحدائق إلى أن المديرية وضعت خطة عمل متكاملة تشمل الترميم وإعادة التأهيل، والسقاية والتعشيب والتقليم، إلى جانب حملات نظافة وتوزيع سلال قمامة، وزراعة نحو 50 ألف غرسة في الحدائق والمحاور الرئيسة.
وأكد أن أعمال التشجير شملت عددًا من الحدائق، بينها الحديقة العامة و”السبيل” و”الكتاب” و”سيف الدولة” و”الحمدانية”، وبعض حدائق القطاع الشرقي، لافتًا إلى أن هناك خطة لتأهيل الحدائق في تلك المناطق بشكل كامل، بالتعاون مع مجلس مدينة حلب والمنظمات الداعمة.
وذكر أن مديرية الحدائق تجري حملات توعية لزوار الحدائق، وتنسق مع الضابطة العدلية لضبط المخالفات، كما ترحب بالمبادرات التطوعية التي تستهدف المرافق العامة، وتشرف على تنفيذها.
ودعا الحجّي سكان المدينة إلى الحفاظ على المرافق الخضراء، وعدم إلقاء القمامة في غير أماكنها، أو إشعال النيران داخل الحدائق، بما يضمن بيئة نظيفة وآمنة ومستدامة لجميع السكان.
شهدت مدينة حلب خلال الأشهر الماضية عدة مبادرات لتنظيف وتجميل الحدائق العامة، كان من أبرزها حملة “رجعنا يا حلب” التي انطلقت في أواخر كانون الأول 2024، بمشاركة فرق من “الدفاع المدني السوري” وعدد من الجمعيات والفعاليات والفرق التطوعية.
واستهدفت الحملة تنظيف الطرق وتجميل المنصفات والحدائق، لا سيما في مواقع مثل الحديقة العامة ودوار “قصر المحافظ” وحديقة “السبيل”، في إطار جهود لإعادة الحيوية إلى أحياء المدينة المتضررة بفعل الحرب.
وشملت أعمال الحملة نقل الأوساخ والأنقاض، ورعاية الأشجار، وزراعة غراس جديدة، إلى جانب تنفيذ جداريات فنية على جدران عدد من المرافق، بهدف استعادة الطابع البصري وتعزيز حضور المساحات الخضراء في المدينة.
ورغم محدودية الموارد الرسمية آنذاك، حاولت الحملة تحسين الواقع الخدمي داخل الحدائق العامة، وأسهمت في تحفيز حركات شبابية تطوعية شاركت في تنظيف عدد من المساحات العامة، في ظل معاناة مستمرة من نقص الإضاءة، وغياب خدمات النظافة الدورية، وسوء صيانة المرافق الأساسية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى