المدرب الأمريكي، جوزيف ستيبنغ، مدربًا للمنتخب السوري للرجال لكرة السلة - 24 حزيران 2025 (الاتحاد السوري لكرة السلة)
هل تكفي الخبرة
المدرب ستيبنغ أمام تحديات الوقت والبنية الضعيفة للسلة السورية
عنب بلدي – لبابة الطويل
يبرز اسم جوزيف ستيبنغ كأحد الأسماء التي تمتلك خبرة طويلة في تدريب منتخبات السلة بعدد من الدول العربية خلال العقد الماضي.
اختيار الاتحاد السوري لكرة السلة المدرب ستيبنغ في هذا التوقيت يعكس توجهًا نحو الاستفادة من الخبرات الأجنبية في إطار تطوير مستوى المنتخب.
ومع سعي سوريا لتحسين حضورها على الصعيدين الآسيوي والدولي، يمثل هذا التعاقد خطوة ضمن مشروع فني طويل الأمد يهدف إلى بناء فريق أكثر تنافسية.
ولِد جوزيف في مدينة مونتريال بكندا، حيث نشأ شغوفًا بكرة السلة، وقد لاحظ مدرّسوه أن لديه شغفًا بالتطوير الذاتي، ليكون لاحقًا أفضل لاعب في كندا عن عام 2005، ويفوز بمنحة دراسية للالتحاق بجامعة “ميشيغان ستيت”.
في الجامعة، اقترب من مدرب الأسطورة توم إيزو، الذي وصفه لاحقًا بأنه ممن يلتقط التفاصيل الدقيقة في اللعبة، ويطبقها بحرفية، ولم يكن ستيبنغ مجرد لاعب، بل كان عقلًا تكتيكيًا ناشئًا، يحاور المدرب ويقترح الخطط وينفذها، كما حدث عندما قاد زملاءه بنجاح إلى تسجيل نقطة حاسمة عبر خطة أطلق عليها “Jazz”.
أسلوب ستيبنغ.. “cut & space”
عُرف جوزيف ستيبنغ في محطاته التدريبية السابقة بأسلوبه القائم على الواقعية المنظمة، وهو مصطلح يستخدمه لوصف فلسفته التي تمزج بين الانضباط الخططي والمرونة التطبيقية.
لا يميل إلى كرة السلة “الاستعراضية” التي تغلب عليها الفرديات، بل يُفضّل اللعب الجماعي المبني على تحركات دون كرة، واستخدام تكتيك “cut & space” لفتح المساحات أمام اللاعبين القادرين على التصويب من المسافة المتوسطة والطويلة.
ويولي اهتمامًا خاصًا للتحول الدفاعي السريع، حيث ينتقل فريقه إلى الدفاع بمجرد فقدان الكرة، لتقليل أخطار الهجمات المرتدة.
الرميات الثلاثية المنظمة، على الرغم من أنه لا يفضل الإفراط بها، فإنه يمنح الضوء الأخضر في حالات محسوبة جدًا، وغالبًا ما تأتي من “زاوية الركن” التي يعتبرها نقطة ذهبية في خططه.
ويفضل اللعب عبر العمق، بدل الاعتماد على الأطراف فحسب، إذ يوجّه لاعبيه للضغط عبر منتصف منطقة الخصم، عبر انسلالات داخلية (Slashes)، وتحركات عكسية مفاجئة.
وعلى مستوى الدفاع، يفضّل استخدام المنطقة الضاغطة 2-3 أو 1-3-1، خاصة أمام الفرق الأسرع، ما يسمح له بتقليص الفجوات وتحجيم لاعبي الخصم المتميزين في الاختراق، لكنه أحيانًا ينتقل إلى دفاع رجل لرجل إذا شعر بانخفاض التوازن الذهني لدى خصمه.
أكثر ما يميّز أسلوبه هو ما يسميه “السلة الذكية”، بمعنى أن الفريق لا يجب أن يلعب دائمًا بوتيرة واحدة، بل أن يفهم متى يهدّئ الإيقاع، ومتى يفاجئ، ومتى يخطئ تكتيكيًا عمدًا ليوقع خصمه في الفخ.
رحلة في قلب المنتخبات والأندية العربية
بعد نهاية مشواره كلاعب، بدأ ستيبنغ العمل كمدرب مساعد ثم مدرب رئيس، وتدرّج بين عدة مستويات.
ومنذ أوائل 2010، تعرّف إلى عوالم التدريب في الشرق الأوسط، ليحصل على الفرصة الأولى له خارج قارة أمريكا.
في قطر، تولى تدريب منتخب الشباب قبل أن يُمنح الثقة لتدريب المنتخب الأول، ثم انتقل إلى الأردن، حيث أقام تجربة تدريبية نوعية، سمحت له بفهم الواقع الرياضي العربي، والتأقلم مع التحديات الثقافية والإدارية.
هذه الخبرات جعلته محط اهتمام عدة اتحادات، خصوصًا ما يتعلق بإدارة العنصر الخليجي واستخدامه ضمن منظومات متقدمة.
بحسب تقارير مقرّبة من عمله، يوصف بأنه مدرب خبير متمرس، وذو خبرة كبيرة في التنافس على المستوى الدولي.
مقارنة خبراته بين قطر والأردن
في قطر الانطلاقة الخليجية، أشرف ستيبنغ على منتخبات الفئات السنية في بداية عمله هناك، وتميز بقدرته على اكتشاف المواهب وتعزيز مهاراتهم الفردية.
في تلك الفترة، عمل على تطوير مبدأ الـ”Positionless basketball” مع لاعبين شباب، أي ألا يتم حصر اللاعبين في مراكز تقليدية، بل تدريبهم على مرونة اللعب كموزعين، ومهاجمين، ومدافعين في الوقت ذاته.
ولعل أبرز إنجازاته، قيادة منتخب الشباب القطري لتحقيق فوز تاريخي على اليابان في بطولة آسيا تحت 18 عامًا.
في تجربته الأردنية، واجه لأول مرة ضغط الجماهير والمطالب الإعلامية المرتفعة، ودرّب المنتخب الأول في فترة انتقالية حساسة بعد استقالة مدرب سابق محلي، وقاد الفريق إلى نصف نهائي البطولة العربية.
وأظهر ستيبنغ تطورًا كبيرًا في الإدارة النفسية للاعبين، إذ استطاع توجيه مجموعة تعاني من تشتت ذهني إلى أداء جماعي عالٍ، لكنه تعرض لانتقادات تتعلق “بقوة الشخصية” في بعض اللحظات الحاسمة، خصوصًا أمام منتخبات ذات عقلية هجومية ضاغطة.
سوريا.. سباق مضاعف بين آسيا والعالم
في 25 من حزيران الحالي، أُعلن رسميًا عن تعيين ستيبنغ مدربًا للمنتخب السوري للرجال، في خطوة مفاجئة للشارع الرياضي، والهدف كأس آسيا 2025 وتصفيات كأس العالم 2027.
كان لافتًا أن الإعلان عن التعاقد جاء ضمن جدول طموح، يحمل آمالًا جديدة في المشهد الرياضي السوري.
جاء ستيبنغ في الوقت المناسب، بعد أن عانى المنتخب السوري من انقطاع حاد في نتائجه الآسيوية والعالمية. وتكمن مهمته الكبرى في اللحاق بموعد كبير مقبل وهو نهائيات كأس آسيا، إذ تطمح سوريا لاستعادة مكانتها، والتصدي لخصومها التقليديين.
التحديات المنتظرة.. آمال وتساؤلات
لن تمر رحلة ستيبنغ في سوريا دون مخاطر، وأبرز التحديات التي ستواجهه:
– الزمن: لم يعد أمامه الكثير من الوقت، فالتحضير المستدام لكأس آسيا وتصفيات كأس العالم يبدأ الآن، وسقف التوقعات لدى الشارع الرياضي مرتفع.
– البنية التحتية: سوريا لا تملك التقنيات الحديثة المطلوبة للتدريب الاحترافي، من صالات متقدمة، إلى أنظمة تحليل الفيديو، أو تجهيز بدني متخصص. هنا يأتي دوره في تأمين بدائل مبتكرة.
– اللاعبون والمواهب: جمع العناصر المناسبة لكل بطولة لا يتم بسهولة، فهو سيتعامل مع لاعبين من صفوف مختلفة، كل منهم يحمل قصة خاصة، وربما طموحات شخصية.
– مجريات الأندية والتزامها: غالبية اللاعبين محترفون في خارج البلاد، والقدرة على جمع الفريق لم تكن قضية معتادة، والتزام الأندية والسفر والاجتماعات الفنية تحتاج إلى تنظيم دقيق.
ردود الفعل والتطلّع الشعبي
منذ الإعلان عن التعاقد مع جوزيف ستيبنغ، تباينت ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات، بين من يرى في الخطوة قرارًا مدروسًا قد يحمل معه نقلة نوعية للمنتخب، ومن يرى أن التحديات على الأرض قد تعوق تنفيذ أي مشروع فني مهما كانت خبرة المدرب.
وبينما يعبّر البعض عن تفاؤلهم بقدوم مدرب يحمل طموحات واضحة ونهجًا أكاديميًا، يرى آخرون أن الظروف المحلية والإدارية قد تشكل عائقًا أمام تحقيق التطلعات، مما يجعل آراء المتابعين منقسمة بين الحذر والأمل.
لكن المدرب نفسه أعرب في أول تصريحات عنه عن احترامه للوضع السوري، واستعداده للتواصل مع القطاعات المدنية والرياضية، ورفض أي حل جاهز مبالغ فيه.
قصة قيد الكتابة
إذا كانت كرة السلة السورية تبحث عن بناء حقيقي لا مجرد حلول سريعة، فإن تعيين جوزيف ستيبنغ يمثل خطوة أولى في الاتجاه الصحيح.
المدرب الأمريكي لا يحمل وعودًا براقة، لكنه يأتي بخطة واضحة، وهي التنظيم، وإعداد المواهب، والتركيز على تطوير الأداء الجماعي، والتحدي الحقيقي الآن هو أن تصمد هذه الخطة أمام ضغط المنافسات والآمال المتزايدة، وأن تنجح في كسر حلقة التراجع التي طالت.
جوزيف ستيبنغ ليس من المدربين “النجوم” الذين يُكثرون من التصريحات أو يسعون إلى “شو” تكتيكي، لكنه مدرب مدروس، يُجيد بناء هوية، خاصة مع الفرق التي تحتاج إلى إعادة ترميم. أسلوبه الهجومي غير متهور، ويميل إلى البناء التدريجي، مع تشديد دائم على التفاصيل الدفاعية، وتنظيم الهجمات ببطء نسبي حتى تُصبح الكرة “صاحبة القرار”.
وبين تجاربه الثلاث، تبدو سوريا أقرب إلى “مشروع العمر” بالنسبة له، فهو لا يرث منتخبًا جاهزًا، بل يبدأ من الصفر تقريبًا، لكنه يملك الأدوات النظرية والعملية التي قد تمكّنه من بناء منتخب فعّال إذا تم منحه الوقت والاستقرار اللازمين.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :