دير الزور.. مقالع الحصى تلتهم ضفاف الفرات

مقلع بحص في بلدة البغيلية بريف دير الزور الغربي - 23 حزيران 2025 (عنب بلدي/ عبادة الشيخ)

camera iconمقلع بحص في بلدة البغيلية بريف دير الزور الغربي - 23 حزيران 2025 (عنب بلدي/ عبادة الشيخ)

tag icon ع ع ع

يواجه نهر الفرات في محافظة دير الزور شرقي سوريا، والذي يُعد شريان الحياة في المنطقة، تهديدًا بيئيًا جراء أنشطة مقالع “البحص” (الحصى)، حيث تُسهم في تدهور بيئي واسع النطاق، بما في ذلك تآكل ضفاف النهر وتلوث المياه وتغيّر مساره المائي، ما يؤثر سلبًا على النظام البيئي والمجتمعات المحلية.

وأوضح مدير فرع أملاك الدولة والحراج، المهندس محمد ناجي عمير، أن مقالع البحص تُسهم بشكل كبير في تدهور البيئة المحيطة بالنهر.

وقال لعنب بلدي إن عمليات الحفر العميقة الناتجة عن استخراج “البحص” بالقرب من النهر تتحول إلى برك ومستنقعات راكدة، تُشكّل بيئة مثالية لنمو الأعشاب الضارة وتكاثر الحشرات، ما يؤثر سلبًا على النظام البيئي الهش للنهر.

ولم يقتصر الضرر على ذلك، إذ أشار عمير إلى أن بعض المقالع المخالفة التي تستخرج “البحص” مباشرة من النهر تعمل على تغيير المسار المائي، ما يؤدي إلى تآكل الضفاف في جانب وزيادة تدفق المياه في جانب آخر، وهذه التغيرات لا تُهدد البيئة فحسب، بل تُسفر عن مشاكل ذات طابع عشائري بين المتضررين.

إجراءات للمراقبة

كما أشار مدير فرع أملاك الدولة والحراج إلى أن إدارة أملاك الدولة والحراج تتخذ إجراءات لمراقبة المقالع، إذ تقوم ضابطة الفرع بجولات تفقدية لضمان التزام المقالع المرخصة بالضوابط.

وكانت الشروط تُحدد مسافات إلزامية للمقالع لا تقل عن 400 متر عن سرير النهر، و1000 متر عن الحراج، و1000 متر عن الأراضي الزراعية.

إلا أن هذه الشروط، بحسب عمير، لا تنطبق حاليًا على أي مقلع على نهر الفرات. ولحل هذه المعضلة، تُطرح مقترحات لتخفيض المسافات إلى 50 أو 100 متر عن النهر، و200 متر عن الحراج والمناطق الزراعية.

وتُتابع الضابطة المقالع عن كثب، وتُخالف المتجاوزين لحدود رخصهم، وفي حالات المخالفات الجسيمة، تُنْزَع يد المخالف وتُتخذ الإجراءات القضائية اللازمة.

البحث عن بدائل

يُشكل توفير الحصى المناسب للبناء وإعادة الإعمار تحديًا كبيرًا، حيث يتواجد أغلب “البحص” المناسب بالقرب من النهر.

ولُوحظ وجود مناطق في البادية، تبعد حوالي كيلومترين اثنين إلى ثلاثة كيلومترات عن النهر، تحتوي على حصى ورمال صالحة للبناء، على الرغم من أن المقالع البعيدة عن النهر تُستخدم غالبًا للردميات.

وتُمنع تراخيص المقالع في مناطق معينة مثل حويجة صقر أو المناطق القريبة من التجمعات السكنية، وتُجري الضابطة جولات تفقدية مستمرة لحماية هذه المناطق التي تُعتبر بمثابة محميات طبيعية.

وأشار المهندس محمد ناجي عمير إلى التحديات الكبيرة التي واجهتها المديرية، خاصة بعد سقوط النظام السوري السابق، حيث شهدت الفترة هجمة غير مسبوقة على المقالع القريبة من النهر.

وأسهم عدم استقرار الأوضاع في استغلال العديد من المخالفين للوضع، واستخراج “البحص” بشكل غير قانوني وبكميات كبيرة، مشيرًا إلى نقص الآليات لدى ضابطة أملاك الدولة كأحد التحديات الرئيسية.

لمواجهة هذه المشكلات، يجري التنسيق حاليًا مع المحافظ والجهات المعنية لـ”قمع” هذه المخالفات وإحالة المخالفين إلى القضاء.

كما سيُعقد اجتماع قريب بين عضو المكتب التنفيذي ومدير أملاك الدولة ومدير الجيولوجيا لوضع خطة مؤقتة وإصدار تعليمات لمنح تراخيص مقالع بشروط تُقلل من تأثيرها على النظام البيئي وتغيير مسار المياه.

تلوث وتحديات

تُشكل مقالع “البحص” المنتشرة على ضفاف نهر الفرات، خاصة في بلدة البوليل ومدينة الميادين بريف دير الزور الشرقي، وبلدة البغيلية بريف دير الزور الغربي، خطرًا “جسيمًا” على شريان الحياة في المنطقة، مُهددةً جودة وكمية مياهه بشكل مباشر، وفق ما صرّح به مسؤول المكتب الإعلامي في مديرية مياه دير الزور، مجد الأشرم، لعنب بلدي.

وأوضح الأشرم أن ملوثات خطيرة تتسرب من هذه المقالع، تشمل الطين والغرين والمعادن الثقيلة والزيوت والشحوم، ما يؤدي إلى زيادة كبيرة في عكارة المياه.

وأضاف أن هذا التلوث يُعيق عمل محطات معالجة مياه الشرب، إذ يقتصر الأمر على رفع التكاليف الباهظة لعمليات الترسيب والتنقية، بل يقلل أيضًا من فعالية التعقيم، ما يُمكن أن يُسّهل انتشار جراثيم مُسببة لأمراض خطيرة مثل “الكوليرا” و”التيفوئيد” بين السكان.”

ولا يتوقف تأثير مقالع “البحص” عند جودة المياه، بل يمتد ليطال مسار النهر ومعدّل تدفقه.

وحذر الأشرم من أن تجريف الضفاف والاستخدام “المفرط” للمياه في غسل الحصى يُغير من “ديناميكية” النهر الطبيعية ويُقلل من منسوبه.

وشدد الأشرم على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة هذا التحدي البيئي والصحي، مؤكدًا على أهمية تطبيق “رقابة بيئية صارمة”، وفرض المعايير الدولية على جميع المقالع، مع تطبيق غرامات “رادعة” على المخالفين.

وأشار إلى أهمية وضع خطط فعّالة لإعادة تأهيل المناطق المتضررة، مثل إعادة تشجير الضفاف المتآكلة، وإنشاء أحواض ترسيب للمياه قبل إعادتها إلى النهر، لضمان استدامة الموارد المائية وحماية الصحة المجتمعية.

“استنزاف المقالع”

دعا سكان من دير الزور لوقف ما وصفوه “استنزاف” مقالع “البحص” في دير الزور، إذ أعرب محسن عزو، أحد سكان بلدة البغيلية في الريف الغربي، عن قلقه من “الاستغلال الجائر” لمقالع الحصى على ضفاف نهر الفرات.

وتحدث إلى عنب بلدي أن بعض الأفراد يستفيدون من هذه المقالع دون أدنى اكتراث لخطورتها على البيئة المحيطة بالنهر.

وأوضح عزو أن تكلفة نقلة الحصى الواحدة تتراوح بين 1.2 مليون إلى مليوني ليرة سورية، إلا أن العائدات الضخمة من هذه التجارة لا تعود بالنفع على البلدة ولا على الحكومة المحلية، داعيًا إلى إيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة.

كما طالب الأهالي المستفيدين من مقالع الحصى بضرورة دعم الجمعية الفلاحية وإعادة تأهيلها، أو تخصيص مبلغ مالي يعود بالنفع على البلدة.

وأشار عزو إلى أن هذه الممارسات كانت شائعة سابقًا من قبل المدعو فراس العراقية، الذي كان مسؤولًا في ميليشيا “الدفاع الوطني” الرديفة لجيش النظام السابق.

ما ردّ أصحاب المقالع؟

ربيع الرشيد، صاحب أحد مقالع الحصى في دير الزور، أكد أن عملهم ضروري لتلبية احتياجات البناء والتنمية في المنطقة.

وذكر الرشيد أن الحصى “مورد حيوي” لأي عملية بناء، سواء كانت منازل أو طرقات أو بنى تحتية، مشددًا على أن توقف عمل المقالع سيؤثر سلبًا على آلاف العمال والأسر التي تعتمد على هذا القطاع.

وبخصوص العائدات، أوضح الرشيد أن أسعار النقل مرتفعة، إذ يتراوح سعر نقل البحص بين 65 وحتى 100 دولار أمريكي، بحسب مسافة البناء عن المقلع.

وتقابلها تكاليف تشغيلية أخرى تشمل صيانة المعدات والوقود وأجور العمال ورسوم التراخيص، إضافة إلى مخاطر العمل وتقلبات السوق.

كما أشار الرشيد إلى أن العديد من عمال المقالع هم من أبناء المنطقة، مما يوفر فرص عمل للشباب.

وأبدى الانفتاح على المساهمة في دعم الجمعيات المحلية والمشاريع التنموية، شريطة وجود إطار واضح ومنظم لذلك، يتم بالتعاون مع الجهات الرسمية والأهالي.

كما دعا إلى “حوار بنّاء” يجمع كل الأطراف، ممثلًا بالأهالي ولحكومة وأصحاب المقالع، للوصول إلى حلول مستدامة توازن بين ضرورة توفير المواد الخام للبناء وحماية البيئة.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة