“الصحافة التفسيرية” لمواجهة التشتت المعرفي في سوريا

tag icon ع ع ع

علي عيد

قبل عام 2011، كان السوريون يتلقون معلومات عن الشأن العام من زاوية ما تريده السلطة أن يكون موضع تداول، فلا أحزاب  علي عيد سياسية ولا نشاط مدني ولا منظمات مستقلة، كما أن القضايا المصيرية لا يمكن مقاربتها بالنقد.

اهتمام الشارع السوري بالشأن العام، بعد 2011 وحتى نهاية 2025، تركز في الخلاص الشخصي، والتفاصيل الاقتصادية الملحّة مثل الخبز والمحروقات وطوابير الانتظار، بعيدًا عن الحديث عما تخطط له السلطة، وتوجهاتها السياسية، وتركيبتها.

بعد سقوط النظام في كانون الأول 2024، وجد معظم السوريين أنفسهم منخرطين في الشأن العام، مع تحول تاريخي، وكمّ هائل من المعلومات، وخلال الأشهر الستة الماضية، بدا الجمهور مشتتًا حيال الشأن العام لعدة أسباب منها:

  • نشوء جيل جديد، يسمى جيل الحرب، يجهل عمل المؤسسات وقضايا الشأن العام.
  • وجود نزاعات وثنائيات على خلفية عدم فهم تركيبة الآخر الفكرية والاجتماعية والثقافية في مختلف الجوانب.
  • حاجة الدولة لثورة من القوانين والتشريعات.
  • ضعف الكوادر والخبرات المتخصصة.
  •  الظروف السياسية والاقتصادية المعمقة والمتشابكة داخليًا.
  • وجود ظروف سياسية ناشئة على مستوى المنطقة.

البيئة المشتتة مع كل هذه الظواهر الناشئة، وقلة المعلومات حولها، تزيد من حاجة الجمهور السوري إلى “الصحافة التفسيرية” التي تقدم معلومات تفصيلية تساعد في الفهم والتحليل، وتسهم بالانخراط الإيجابي في قضايا الشأن العام، وتفكك الثنائيات.

ويمكن تعريف “الصحافة التفسيرية” على أنها تفسير وتحليل للأحداث والأخبار بشكل معمق، وعدم الاكتفاء بالتغطية السطحية.

وهي تتجاوز تقديم المعلومات البسيطة أو الأخبار العاجلة، نحو توفير سياق شامل لفهم الموضوعات بشكل أوسع وأعمق، مع التركيز على الأسباب والنتائج والتداعيات المحتملة.

ومن خصائصها:

  • التحليل العميق للوقائع والظروف المحيطة لشرح أسبابها وتطوراتها بصورتها الحقيقية والدقيقة.
  • البحث في الخلفيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأحداث، وتقديم رؤى حول المستقبل والتداعيات المحتملة.
  • ربط الأحداث ببعضها لتوضيح العلاقات المتبادلة بينها، لتسهيل عملية فهم الجمهور للسياق الكامل.
  • تنويع المصادر، الدراسات والأبحاث، الخبراء، الحكومية الرسمية، والمنظمات.
  • الحياد والموضوعية عبر تحليلات وآراء مبنية على الحقائق والمعلومات.

وتكتسب الصحافة التفسيرية أهميتها من كونها تساعد الجمهور على فهم الأحداث المعقدة بشكل أعمق وأوضح، وتوعية الناس بالقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة، ومساعدتهم في بناء التوجهات واتخاذ قرارات مستنيرة.
كما تسهم في مكافحة التضليل الإعلامي، والأخبار المغلوطة والزائفة.

كما تشجع التفاعل والنقاشات المفتوحة حول قضايا الشأن العام وبناء قاعدة معرفية مشتركة بين مختلف فئات المجتمع.

في قضية مثل العدالة الانتقالية، والمخاوف من الانتقام، يمكن للصحافة التفسيرية أن تشرح الأبعاد الاجتماعية لتأخر إجراءات العدالة الانتقالية، أو أسباب هذا التأخر وظروفه الموضوعية، وكذلك مخاطر الانتقام التي تتجاوز المنتقمين إلى المجتمع بشكل عام، والظروف النفسية للضحايا الأحياء أو ذوي الضحايا الذين قُتلوا تحت التعذيب أو بعمليات القصف.

وفهم المجتمع لأبعاد مسألة العدالة الانتقالية، وحاجاتها القانونية، وكذلك خطر تجاهلها من قبل صانعي القرار، يمكن أن تقوم به “الصحافة التفسيرية”، ويجب أن يتحلى الصحفيون ووسائل الإعلام بأكبر قدر من المسؤولية في هذا النمط الإعلامي.

في الجانب التقني، لم يعد ممكنًا الوصول إلى كثير من الشرائح، خصوصًا مع وجود جيل عاش ويلات الحرب دون تعليم، أو فئات ابتعدت فترات طويلة عن الشأن العام، وهذا يتطلب استخدام منصات التواصل الاجتماعي الأكثر رواجًا، وبطرق مبتكرة للوصول إلى شرائح واسعة من الجمهور.. وللحديث بقية.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة