
من تشييع ضحايا تفجير الكيسة في كنيسة الصليب المقدس في القصاع بدمشق- 24 حزيران 2025 (بطركية الروم الأرثوذكس/فيس بوك)
من تشييع ضحايا تفجير الكيسة في كنيسة الصليب المقدس في القصاع بدمشق- 24 حزيران 2025 (بطركية الروم الأرثوذكس/فيس بوك)
عنب بلدي – دمشق
تزايدت مخاوف مسيحيي سوريا بعد حادثة تفجير انتحاري في كنيسة “مار إلياس” بمنطقة دويلعة في دمشق.
ونفذ الانتحاري هجومه، في 22 من حزيران، خلال إقامة الصلوات التي تؤديها الديانة المسيحية أسبوعيًا، وبحضور نحو 200 شخص، وأسفر الهجوم عن مقتل أكثر من 27 شخصًا وإصابة 63 آخرين.
الانفجار الذي نفذه الانتحاري لم يخلّف فقط ضحايا وجرحى، بل أثار موجة من القلق في أوساط أبناء الديانة المسيحية، لا سيما المقيمين في مناطق دمشق الشرقية، حيث تتركز عدة كنائس ضمن أحياء سكنية ذات أغلبية مسيحية.
تصدّر الملف الأمني الواجهة منذ سقوط النظام السابق وحتى الآن، ولا يزال يعتبر التحدي الأكبر للحكومة قدرتها على بسط الأمن وإعادة هيكلة أجهزتها الأمنية، خاصة مع تعرض عدد من الأقليات في سوريا لحوادث فردية أو انتهاكات متكررة، بدءًا بما مرّ به الساحل السوري، ومن ثم أحداث السويداء وصحنايا وجرمانا، وصوًلا إلى حادثة تفجير كنيسة “مار إلياس”.
إبراهيم شلش، الذي يقيم في منطقة الدويلعة، قال لعنب بلدي، إن تفجير الكنيسة زاد مخاوف مسيحيي سوريا من التعرض للمزيد من الانتهاكات والتفجيرات والاعتداء على مقدساتهم الدينية.
وأوضح إبراهيم أنه على الرغم من حالة الاطمئنان التي عاشها أبناء الديانة المسيحية خلال عيدي الميلاد والفصح الماضيين، عبر الانتشار الأمني الذي أحاط الكنائس حينها، والسماح لهم بممارسة طقوسهم واحتفالاتهم الدينية، فإن حادثة التفجير زرعت الخوف في قلوبهم.
ويرى بسام الخوري، الذي يقيم في منطقة الدويلعة، أن على الحكومة الحالية تأمين الحماية الكاملة للمقامات والمقدسات الدينية سواء كانت مساجد أو كنائس لمنع تكرار هذه الحوادث، وضبط الحالات الفردية، لنزع فتيل الطائفية وبسط الاستقرار الأمني.
“أنا كمواطن سوري يجب على الحكومة الحالية أن تؤمّن لي الحماية الكاملة، فلا يجوز لأي مكون سوري أن يعيش حالة الخوف بسبب دينه أو طائفته، فجميعنا سواسية تحت سقف الوطن والقانون”، قال بسام.
المدير التنفيذي لمركز “مقاربات للتنمية السياسية”، مؤيد حبيب، قال لعنب بلدي، إن هناك جهات تخريبية وخارجة عن القانون بما فيها تنظيم “الدولة الإسلامية”، تعمل منذ سقوط النظام على استغلال ملف الأقليات في سوريا واستهداف الطوائف بشكل مباشر، كما حدث سابقًا مع طائفتي العلويين والدروز، والآن يعملون على استهداف المسيحيين لزرع فتيل الفتنة في سوريا.
وأشار حبيب إلى أنه لا يمكن لأي دولة منع حوادث التفجيرات إذا خُطط لها بإحكام، وهذه التفجيرات حدثت في السابق بدول أوروبية وعربية.
وأوضح حبيب أن تفجير الكنيسة يعبر عن خلل أمني في الحكومة الحالية التي تتحمل جزءًا منه، لأن هناك أوراقًا في الحكومة لم تُرتب إلى الآن بما فيها القوانين.
ويرى أن أي طائفة من الطوائف عندما تشعر أنها قوى ضعيفة ومظلومة ستنغلق على نفسها، وستتعالى عندها الأصوات والإشاعات التي تخيفها، كالفكر “الداعشي” والمؤدلج، معتبرًا أن المخاوف عند الطائفة المسيحية مبررة بعد التفجير، لأن أي جماعة تشعر بالخطر ستتقوقع على نفسها.
واعتبر مدير مركز “مقاربات”، مؤيد حبيب، أن “الفكر الداعشي” يمثل أداة لكثير من الدول والجهات لتمرير أو تنفيذ أجندة بالداخل السوري، وما حدث في تفجير كنيسة “مار إلياس”، يعتبر تحريضًا طائفيًا للمكون المسيحي، الذي يعد مكونًا أصيلًا في سوريا.
“رأينا أن المكون المسيحي منذ سقوط النظام وحتى الآن، لم يمارس أي أعمال فوضوية، بل كان شريكًا في بناء الوطن وبوضع سياسة الدولة، ودمج في وزارات الحكومة، لذا عمل تنظيم (الدولة الإسلامية) وغيره على استهداف هذا المكون”، بحسب حبيب.
ومن وجهة نظر الباحث والمحلل السياسي أحمد حمادي، فإن أيادي خارجية تعمل على إساءة لحالة الأمن في سوريا، سواء “التنظيم” أو فلول النظام أو دول تضرر وجودها في سوريا وتلعب على إثارة الفتن.
وأوضح حمادي أن هناك جهات تريد أن تصدّر في تفجير الكنيسة، أن نظام الأسد كان يحمي الأقليات بمن فيهم المسيحيون، ولكن ما حدث في الكنيسة شهدناه سابقًا في الجوامع أيضًا بسبب ممارسات تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي يعتبر خارجًا عن نظام وإرادة الحكومة الحالية.
حمّل بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، يوحنا العاشر يازجي، خلال كلمة ألقاها في أثناء تشييع الضحايا، الحكومة السورية مسؤولية التفجير الانتحاري، لافتًا إلى أن من مهام الحكومة معرفة المسؤول عن هذه العملية ومن يقف وراءها.
وأشار يازجي إلى أن ما يطلبه المواطنون الآن من الحكومة الحالية، هو الأمان والسلام وتأمين الحماية لجميع المواطنين السوريين على الأراضي السورية، دون أي استثناء أو تمييز.
كما قال الأب ملاتيوس شطاحي، لعنب بلدي، إنه منذ سقوط النظام واجه عدد من أبناء الطائفة المسيحية تصرفات فردية بحقهم، وتنصلت الحكومة الحالية من هذه التصرفات ولم تؤمّن الحماية لهم، على حد تعبيره.
واعتبر الأب ملاتيوس أن هذه التصرفات الفردية باتت تعطي انطباعًا أنها تصرفات مؤسساتية وليست فردية فقط، وحمّل الحكومة الحالية مسؤولية تأمين الحماية لمواطنيها.
المحلل السياسي أحمد حمادي، قال إن موقف الحكومة السورية حيال التفجير سواء من وزراء الحكومة أو محافظ دمشق أو إدارة الأمن العام، هو الاهتمام المباشر، واعتبرت الحكومة أن ما حدث هو حالة وطنية، ولا يوجد فرق بين مسيحي ومسلم، فالمصيبة جمعت الجميع.
ولا يعتقد حمادي أن هناك مبررًا لتخوف المسيحيين لأن الحكومة الآن ليست محصورة بدين أو طائفة أو عرق، بل تمثل كل السوريين، على حد تعبيره.
ويرى المدير التنفيذي لمركز “مقاربات للتنمية السياسية”، مؤيد حبيب، في موضوع سيارات الدعوة الدينية التي كانت تتجول في أحياء مسيحية بما فيها منطقة دويلعة، أنها أثارت المخاوف وهي خطأ كبير ولكن الجهات المعنية أوقفتها، وسجن على إثرها عدد من المشايخ المسؤولين عن هذه السيارات.
وأشار حبيب إلى أن المسؤولين عن فكر الدعوة الدينية موجودون ليس فقط في سوريا بل بالأردن والسعودية وحتى في بريطانيا، ولكن في سوريا لحساسية الموقف، رأت الحكومة خللًا في تسيير هذه السيارات، وبالتالي منعتها من التجول، مستبعدًا أن تكون لهم علاقة في حادثة الكنيسة.
وفيما يخص الحالات الفردية، لفت حبيب إلى أنها كثرت في الأشهر الأولى منذ سقوط النظام السابق، لأن الحكومة كانت في حالة فوضى، أما الآن فصار هناك دور لافت لوزارة الداخلية، وأصبح المواطن قادرًا على تقديم شكاوى للجهات المعنية حتى لو كان ضد الأمن العام نفسه.
مدير مركز “مقاربات”، مؤيد حبيب، أوضح أن على قوى الأمن الداخلي تأمين حماية لجميع دور العبادة سواء كانت مساجد أو كنائس أو مقامات أو أديرة، وخاصة في فترة المرحلة الانتقالية.
واعتبر حبيب أن الحكومة الحالية لا تستطيع أن تعمل لوحدها في تعزيز حالة الاطمئنان عند مواطنيها، لأنها ما زالت غارقة في مشكلات تأسيس الدولة التي ورثتها عن نظام سابق منهار.
لذا تحتاج إلى تضافر جهود منظمات المجتمع المدني التي يجب أن يكون لها دور فعال، وعلى الحكومة أن تقدم التسهيلات، لأن لدينا الكثير من المنظمات قادرة على إزالة هذه المخاوف، مثل منظمة “متحدون ضد العنصرية والطائفية”، وهي منظمة فكرية ثقافية عالمية ذات نشاطات عملية متنوعة وتضم شخصيات من مختلف الاختصاصات والخلفيات العلمية والعملية من الفاعلين في الرأي العام، والمهتمين بتأكيد الانتماءات الوطنية والإنسانية وقيم نبذ التعصب الطائفي في المنطقة وحول العالم.
إضافة إلى منظمات أخرى تقدم برامج ومحاضرات توعوية وتشاركية بين الطوائف، وهذا يجب أن يعول عليه في الفترة الانتقالية، بحسب حبيب.
وإضافة إلى ذلك، قال المحل السياسي أحمد حمادي، إن على الحكومة بسط الأمن وتعزيز قوته، ومحاسبة العصاة ومنتهكي القانون، ليتم حفظ الأمن للجميع، لأنه لا يوجد اليوم أمن خاص للمسيحيين أو المسلمين، فالأمن هو لكل السوريين، ويجب أن يكون على مسافة واحدة من الجميع.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى