تعا تفرج
الشعب أراد إسقاط النظام
خطيب بدلة
بالدبكة، والزغاريد، وذبح الخراف، وإطلاق الأعيرة النارية في الهواء، يعبر الثوار والمجاهدون السوريون عن فرحهم بانتصار الثورة، فإذا دخلتَ على خطهم، وباركت لهم بالنصر العظيم، ثم سألتهم: شو بعدين؟ فإنهم يتابعون الدبيك، والتهييص، ويقولون لك، بلا مبالاة: لا بعدين ولا قبلين، انتصرنا، وحررنا.. ومن يحرر يقرر.
الثورة التي انطلقت في أوائل سنة 2011، كانت عشوائية، لم ترسم لنفسها خطًا ثوريًا واضح المعالم، ولم تنجح في تشكيل فريق ثوري متكامل، يتفق أعضاؤه على تحديد أهداف ثورتهم، وتكتيكاتها المرحلية.. وعليه، تقتضي الدقة، والأمانة، القول إن ما حصل لم يكن ثورة، بل انفجارًا اجتماعيًا، ناجمًا عن تراكم استبداد نظام الأسد، وتمكنه من إخضاع المجتمع لقبضته الأمنية.
كان لا بد لشعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، مع غياب الرؤية الثورية الواضحة، أن يؤدي إلى نتائج كارثية، فماذا يعني أن تسقط نظامًا وأنت لا تعرف ماذا ستفعل بعد إسقاطه؟ إن هذا التفكير، بكل صراحة: هدام. الثورات التي شهدتها البشرية، عبر العصور، أدت إلى نقلات نوعية: ثورة ألغت قوانين العبودية وحولت العبيد إلى مواطنين، مثلًا، وثورة خلصت المجتمعات الأوروبية من السلطة الدينية، وفصلت الدين عن الدولة، ثورة هدمت النظام الإقطاعي القائم، وأحلت محله نظامًا برجوازيًا رأسماليًا. وأما ثورتنا السورية، التي يصر كثيرون على وصفها بـ”العظيمة”، فقد اختصرها بعض الإعلاميين المسيطرين عليها، بشعارات إنشائية ملتبسة، غائمة، من قبيل: كرامة، وعدالة.
كان بودي أن ألتقي واضعي هاتيك الشعارات، وأطالبهم بتعريف واضح، ومحدد، لكل واحد منها، ثم أسألهم: هل يعقل أن تقوم ثورة طويلة، عريضة، باهظة التكاليف المادية والبشرية، لتحقيق مفهوم غير واضح المعالم، اسمه الكرامة؟ ويا ترى هل تتحقق الكرامة، أوتوماتيكيًا، بمجرد أن يسقط النظام، وتفتح أبواب السجون، وتلغى سيطرة أجهزة الأمن على المواطنين السوريين؟ هل يحصل السوري على الحد الأدنى من الكرامة، إذا كان راتبه الشهري 30 دولارًا، ومضطرًا لأن ينتظر، بفارغ الصبر، مساعدات قريب له، هرب من هذه المعميكة، وساعدته الأقدار حتى وصل إلى مرتبة “لاجئ” في دولة أوروبية محترمة؟
لسنا بحاجة لمزيد من الأمثلة، لنتأكد من أن المواطن السوري لم يحصّل من الكرامة سوى بيت شعر ركيك، اقترفه وزير الثقافة في الحكومة الانتقالية، بالإضافة إلى شعار “من يحرر يقرر”، الذي يعني أن المواطن كان أسيرًا في نظام الأسد، والسلطة الحالية حررته، فأصبح من حقها أن تقرر كل ما يتعلق بحاضره، ومستقبله، دون استشارته، ودون إشراكه في أي شأن من شؤون البلاد!
لكيلا يدخل كلامي، هنا، في باب الانتقاد الصرف، الذي يشبه الردح، أسارع إلى القول بأن ما فات يمكن تداركه، والرؤية المستقبلية للشعب، التي غابت أثناء الثورة، يمكن استحضارها، فيذهب السوريون اليوم، بمختلف أطيافهم، للتوافق على عقد اجتماعي، يرسم الخطوط العريضة لدولتهم، فترمم مؤسسات الدولة القديمة، وتضاف إليها مؤسسات جديدة، ويرسى مبدأ المواطنة، ويمنع التعدي على الحريات الشخصية، وبالأخص للمرأة، ويوضع دستور يضمن التداول السلمي للسلطة، بعيدًا عن العنصرية والطائفية، وهكذا، تتحقق الكرامة، تلقائيًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :