
عادت الليرة السورية للانخفاض أمام الدولار بعد تحسن جزئي استمر لأسبوع واحد في آب 2023 (AFP)
ملهم جزماتي
صرح محافظ مصرف سوريا المركزي، السيد عبد القادر حصرية، لصحيفة “فاينيشيال تايمز” أن البلاد تتجه نحو تطبيق نظام التعويم المدار لعملتها المحلية، في خطوة تهدف إلى الحد من تدخل الصرافين في سوق الصرف، وتعزيز جهود توحيد الأسعار النقدية.
وأوضح حصرية أن الخطة الجديدة تستهدف تمرير جميع عمليات التجارة الخارجية عبر القطاع المصرفي الرسمي، بما يؤدي إلى إلغاء الدور الذي ظل يلعبه الصرافون، الذين كانوا يتقاضون نحو 40 سنتًا عن كل دولار يدخل إلى سوريا على حد تعبيره.
ويعرف التعويم المدار (Managed Float) بأنه أحد أنظمة تحديد سعر الصرف، ويمثل حلًا وسطًا بين نظام سعر الصرف الثابت ونظام سعر الصرف المرن (الحر). في هذا النظام، يُسمح لسعر صرف العملة المحلية بالتقلب استجابة لقوى العرض والطلب على العملة المحلية في السوق، تمامًا كما هو الحال في نظام التعويم الحر. ومع ذلك، يحتفظ البنك المركزي بحق التدخل في السوق بشكل دوري أو عند الضرورة، بهدف التأثير على سعر الصرف وتوجيهه نحو مستوى معين أو تخفيف حدة التقلبات غير المرغوبة. هذا التدخل يمكن أن يكون من خلال بيع أو شراء العملات الأجنبية. وبالتالي فإن توافر الاحتياطيات الأجنبية تزيد في قدرة البنك المركزي على التدخل في السوق. كلما كانت الاحتياطيات أكبر وأكثر تنوعًا، زادت قدرة البنك المركزي على التدخل بفعالية لدعم العملة أو كبح جماح تقلباتها دون استنزاف موارده. تعتبر هذه الاحتياطيات بمثابة خط الدفاع الأول ضد الصدمات الخارجية.
عادة يتم اللجوء لنظام التعويم المدار لتحقيق التوازن بين مرونة سعر الصرف واستقراره. فمن ناحية، تسمح المرونة للعملة بالتكيف مع التغيرات الاقتصادية الداخلية والخارجية، مما يساعد على امتصاص الصدمات وتحسين القدرة التنافسية للصادرات. ومن ناحية أخرى، يمنح البنك المركزي القدرة على التدخل في السوق عكس التعويم الحر للحد من التقلبات المفرطة التي قد تضر بالاستقرار الاقتصادي، وتؤثر سلبًا على التجارة والاستثمار، وتزيد من حالة عدم اليقين. ولكن فعالية هذا النظام تعتمد بشكل أساسي على قدرة البنك المركزي في إدارة تدخلاته بفعالية، وتوفر احتياطيات كافية من العملات الأجنبية، بالإضافة إلى وجود سياسات نقدية ومالية متسقة وشفافة تدعم أهداف الاستقرار الاقتصادي. كما يتطلب بيئة اقتصادية مستقرة نسبيًا لكي يؤتي ثماره، فهل هذه الشروط متوفرة واقعيًا في سوريا!
“إن الاقتصاد الذي يعاني من اختلالات هيكلية أو صدمات متكررة سيكون عرضة لتقلبات حادة في سعر الصرف، مما يجعل إدارة التعويم المدار أمرًا صعبًا للغاية”.
يتطلب نجاح التعويم المدار وجود نظام مالي قوي وشفاف، بما في ذلك بنوك ومؤسسات مالية قادرة على التعامل مع تقلبات سعر الصرف وإدارة المخاطر. كما يجب أن تكون هناك رقابة فعالة على القطاع المالي لضمان استقراره ومنع الممارسات غير السليمة. وهذا يقودنا إلى ضرورة اجراء إصلاحات هيكلية مستمرة لتحسين بيئة الأعمال، وزيادة الإنتاجية، وتعزيز التنافسية في الاقتصاد. هذه الإصلاحات تدعم قوة الاقتصاد على المدى الطويل وتجعله أكثر قدرة على التكيف مع التغيرات في سعر الصرف.
كما تلعب ثقة المستثمرين والمواطنين في السياسات الاقتصادية دورًا حاسمًا. إذا كانت هناك ثقة في قدرة البنك المركزي والحكومة على إدارة الاقتصاد بفعالية، بناء الثقة يتطلب الشفافية والمصداقية والالتزام بالوعود الاقتصادية التي تصدر عن المسؤولين في الحكومة السورية، كأن تصرف الرواتب والمنح والزيادات التي أعلن عنها دون تأخير، وتوفير السيولة النقدية اللازمة في البنوك في حال أراد المودعين سحبها.
كما ذكرنا سابقًا، فإن نجاح سياسة التعويم المدار لأي عملة محلية يرتبط بشكل مباشر على قدرة البنك المركزي في التدخل الفعال بالسوق لتحقيق الأهداف الاقتصادية والنقدية التي وضعها سابقًا بشكل واضح وشفاف، وبالتالي لابد من وجود أدوات نقدية واقتصادية يستطيع المركزي استخدامها لضبط السوق النقدي في حال حدوث اختلالات كبيرة في أسعار صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، وأهم هذه الأدوات هي:
تطبيق سياسة التعويم المدار في سوريا يحمل في طياته تأثيرات محتملة ومعقدة على الاقتصاد، خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد. يمكن تحليل هذه التأثيرات من منظورات مختلفة، مع الأخذ في الاعتبار التحديات الفريدة التي تواجه الاقتصاد السوري.
ولكن أيضًا لهذا النظام تأثيراته السلبية المتوقعة
ختامًا، إن نجاح سياسة التعويم المدار لا يعتمد فقط على تبني السياسة نفسها، بل على مجموعة من العوامل، فقوة البنك المركزي واستقلاليته، وتوافر الاحتياطات الأجنبية الكافية، وسياسات نقدية ومالية منسجمة مع بعضها البعض، جميعها عوامل رئيسية يجب توافرها لنجحا سياسة التعويم المدار.
تمثل سياسة التعويم المدار خطوة مهمة للبنك المركزي السوري نحو إدارة أكثر مرونة لسعر صرف الليرة السورية. إذ تهدف هذه السياسة إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي، مكافحة التضخم، والحد من السوق السوداء، بالإضافة إلى جذب الاستثمارات وتشجيع التجارة الخارجية. ومع ذلك، فإن نجاح هذه السياسة في السياق السوري يعتمد بشكل كبير على توفر مجموعة من الشروط الاقتصادية الأساسية، وقدرة البنك المركزي على إدارة التدخلات بفعالية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى