موت سريري على الخشبة.. المسرح السوري يفتقر للحرية والدعم

مشهد من مسرحية "كل عار وأنتم بخير" بدمشق - 28 من أيار 2025 (عنب بلدي/ أمير حقوق)

camera iconمشهد من مسرحية "كل عار وأنتم بخير" بدمشق - 28 من أيار 2025 (عنب بلدي/ أمير حقوق)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – أمير حقوق

يعتبر المسرح “أبو الفنون” رمزًا للثقافة والحياة، حاضنًا للأفكار، ومرآة المجتمع الذي يعبر عنه بكل صدق وإبداع، فهو من أقدم الفنون التي عرفتها الإنسانية.

وفي سوريا يحتل المسرح مكانة خاصة، حيث يُعد منبرًا ثقافيًا وفنيًا يعكس نبض المجتمع الاجتماعي والثقافي، إذ تناولت الأعمال المسرحية مواضيع متعددة تتراوح بين القضايا الاجتماعية والإنسانية والسياسية وغيرها.

المسرح في حالة موت سريري

تشهد الحركة المسرحية اليوم واقعًا خجولًا، مقارنة بباقي الدول، خاصة مع تراجع أعداد العروض المسرحية، وخروج عدة مسارح من الخدمة، وعدم وجود دعم من القطاع الخاص للقطاع.

المخرج المسرحي والمدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية، مأمون الخطيب، قال لعنب بلدي، إن المسرح السوري اليوم يعيش حالة جمود شبه تام وموت سريري، من حيث الاهتمام به، والنظرة العامة إليه كفن مدني، والنظرة المنقوصة إلى أهمية الثقافة ودورها الطليعي بشكل عام.

وبحسب الخطيب، تراجعت الحركة المسرحية لعدة أسباب، أبرزها انهيار البنية التحتية الثقافية، وهذا موضوع قديم، وتفكك دور الدولة كمؤسسة إنتاجية وثقافية، وهجرة أهم الكفاءات المسرحية من مخرجين وممثلين وكتّاب، وخصوصًا الذين يحملون خطابًا حرًا أو تجريبيًا، وأيضًا غياب الجمهور الحقيقي، بسبب تبدل الأولويات (البقاء، المعيشة، الأمان)، وانقطاع العلاقة بين الناس والمسرح.

وكذلك هيمنة الدراما التلفزيونية التجارية كمصدر دخل ووهم شهرة، ما جعل المسرح يبدو رفاهية خاسرة، ويضاف إلى ذلك غياب الدعم النقدي والفكري من الأكاديميات والجامعات، وتفريغ النقاش المسرحي من مضمونه.

إطلاق صناديق دعم

يحتاج المسرح السوري اليوم إلى عدة احتياجات وأولويات، تسهم بحد معيّن باستئناف إنتاجيته، وعودة غزارة عروضه التي تميز بها سابقًا.

المخرج المسرحي مأمون الخطيب، يرى أن هناك عدة احتياجات يفتقدها المسرح السوري، أهمها إعادة بناء استراتيجية وطنية ثقافية تضع المسرح كأداة وعي وبناء اجتماعي، لا كمجرد نشاط احتفالي، وإطلاق صناديق دعم إنتاجي مستقل خارج إطار الرقابة السياسية، تموّل نصوصًا جديدة وتجارب شابة، وتأهيل المسارح تقنيًا (صوت، إضاءة، تجهيزات)، لتصبح بيئة مهنية، وليس مجرد خشبات متهالكة.

وأضاف أن المسرح السوري بحاجة إلى دمجه بالمدارس والجامعات وخلق مسارح مجتمعية، تخرج من المركز إلى الريف والضواحي، بالإضافة إلى منح الحريات التعبيرية للفنان، ليخوض نقد الواقع بلا خوف أو مقص رقابة.

من الرقابة إلى الشراكة الثقافية

صنّاع المسرح يرتقبون اعتناء الحكومة بالمسارح، وتقديم الدعم المطلوب بكافة أشكاله، لأن المسرح السوري عانى من تجاهل الحكومات في فترة النظام السابق.

وهنا، يرى المخرج مأمون الخطيب أن الحكومة يجب أن تخرج من دور الرقابة إلى دور الشراكة الثقافية، وأن تتعامل مع المسرح كمؤسسة فكرية لا كتهديد سياسي، بالإضافة إلى تمويل الإنتاج المسرحي عبر مسابقات شفافة، ودعم عروض تُعرض خارج العواصم.

أما فيما يتعلق بالحرية المتاحة اليوم للمسارح، فاعتبر أنها اليوم شكلية، فالرقابة لا تمارس فقط عبر الحذف، بل عبر الرقابة الذاتية والخوف الجماعي، فالمسرحي كان وما زال يخاف أن يحلم.

أما لجنة الرقابة، فهي بحاجة إلى تحول جذري في آلية عملها، من رقابة شكلية ذات “تابوهات” (محرمات) محددة إلى لجنة تقييمية تشجع الحوار والنقد، وفقًا للخطيب.

والمطلوب هو إلغاء الرقابة القمعية والاكتفاء بالملاحظات الفنية، ومدى جودة النص والعرض من الناحية الفنية والفكرية العالية التي تلامس روح المجتمع وروح الإنسان السوري، وإطلاق حرية التأليف والتجريب.

احترام تاريخ المسرح السوري

يبتعد اليوم نجوم المسرح عن العمل المسرحي، نظرًا إلى المجهود المضاعف، ولطول مدة التدريب و”البروفات”، التي قد تستمر أكثر من أربعة أشهر، بمقابل مادي خجول لا يكفي ربما للمواصلات.

المخرج مأمون الخطيب، أوضح أن هذا الواقع مؤلم لكنه حقيقي، فالفنان بحاجة للعيش، ويحتاج إلى دخل يحترم تعبه، والمسرح السوري اليوم لا يقدم شيئًا للفنان سوى الإرهاق وخيبات متراكمة، بينما الدراما تعطي المال ولو بلا مضمون.

والحل برأيه يكون بجذب الفنان إلى بيئة إنتاج مسرحي تليق بالفن والفنان، لتمويل عادل، وجمهور حقيقي، وحرية تعبير، وتقدير اجتماعي، واحترام كامل من المعنيين بالثقافة ودورها.

إذًا، يتصور الخطيب أن المسرح السوري اليوم لا يحتاج فقط إلى “دعم”، بل إلى إعادة بناء من الجذور، ثقافيًا ومؤسساتيًا وفنيًا وأخلاقيًا.

وبحاجة إلى ثورة ثقافية وليس مجرد “إصلاح” شكلي أو توجه يحتوي الإلغاء والعودة إلى الخلف مع احترام الكفاءات الحقيقية، والتاريخ الحقيقي للمسرح السوري العريق.

وكان الكاتب والممثل المسرحي غزوان البلح طالب، عبر عنب بلدي في لقاء سابق، برفع سقف الرقابة على النصوص المسرحية، خاصة بالأعمال المسرحية، لكي تتناسب مع المرحلة الحالية التي تتسم بالحرية، مؤكدًا أن الأسس الموضوعة من قبل لجنة الرقابة هي نفسها الأسس المعتمدة منذ عهد النظام السابق.

وشهد المسرح السوري في الفترة الأخيرة عرضين مسرحيين، هما مسرحية “سوق الأسئلة” من تأليف غزوان البلح، وإخراج محمد حميرة، وعُرضت في مسرح “القباني”، ومسرحية “كل عار وأنتم بخير” للأخوين ملص، وعُرضت في مسرحهما “الغرفة”.




×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة